أبواب المدارس لا تغلق يا سادة
يسري الغول
الشمس التي أخذت تغازل المارة الذين وقفوا بانتظار أي عربة متهالكة تقلهم نحو عملهم، هي ذاتها التي قدحت رؤوس الطلاب الواقفين على بوابة المدرسة بانتظار فتحه مرة أخرى.
هذه الشمس التي لا تعرف الحصار، ولا أزمة الوقود ولا أسطورة الكهرباء أو سطوتها هي ذاتها التي عطلت عقول بعض مدراء المدارس والمدرسين حتى ما عادوا يفرقوا بين واقع سليم وآخر مضطرب.
فقبل يومين، وبينما كنت أسير في طريقي متجهاً نحو عملي، فوجئت بسور تلك البوابة السوداء مغلقاً، كتلك التي تغلق دوماً في وجوه المسافرين، حيث اجتمع لفيف من الطلاب عند ذلك البوابة السوداء بانتظار السماح لهم بولوجها حتى لو تم ضربهم كالعادة لتأخرهم، وحتى لو كان السبب مقنعاً أو مبرراً.
مثل تلك الحالة موجود وبكثرة لدى كثير من المدارس والمدرسين، فليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة، فما زلت أذكر كيف كان الطلاب يختبئون خلف بعضهم البعض في انتظار دورهم للجلد والضرب على اليد لتأخرهم عشرة دقائق عن موعد طابور الصباح في المدرسة المجاورة لبيتي، وما زلت أذكر كيف تم حرقة غرفة مدير تلك المدرسة بعدها بأيام لأسباب علمها عند الله.
ألا يوجد رحمة لدى هؤلاء؟ ألا يعتقدون بأن مثل تلك الحالات من الممكن حلها بطريقة إنسانية أكثر آدمية مما يجري اليوم وبالأمس؟ فلا اللعن ولا الضرب سيمنع المتكاسل عن الالتزام، بل ربما يزيد من عنجهيتهم وعدوانيتهم تجاه مدرسيهم ومدارسهم التي يجب أن يقدسها أصحابها قبل أي إنسان آخر.
ولعل أحدهم سيقول: أنت لا تعرف معاناة المدرس ولا تشعر بجهده وكده مع جيل متنطع وغلباوي و(سافل)؟ ولكني سأرد بما يعرفه البعض، من أنني عملت مدرساً لمدة تزيد عن الخمسة أعوام، لم أحمل فيها عصا، رغم أنني كنت أدرس مادة اللغة الإنجليزية، التي تعتبر أكبر عدو لطلابنا، وكانت الحصة الخاصة بي تمثل حصة (فرفشة) وعِلم في ذات الوقت، بضوابط من الممكن لأي منا أن يمارسها، ولكن فيما يبدو ضعف شخصية بعض المسئولين والمدرسين يدفعهم لاستخدام تلك العصا التي لا تزيد إلا من عريهم وتبيان مدى هشاشتهم وهشاشة قدرتهم على إدارة الفصل. فإلى هؤلاء: إنكم لا تضربون أعداءكم، حيث لم يعد للعصا مجال في هذا الزمان، هم أولادنا وفلذات أكبادنا، ومهما أساءوا فالحل بأيدينا من خلال ترويضهم وتدريبهم وتوعيتهم وإلا فلماذا تستعين كل مدرسة بالمرشد التربوي.
وسؤالي لكل من يمارس مثل تلك الطرق الغير تربوية أو إدارية هو: منذ متى تغلق أبواب المدارس يا سادة؟ ألا تعتقدون أنكم تضعون الصالح والطالح في خانة واحدة؟ أليس من الممكن للمجتهد أن يعتاد على الكسل حال تعرفه على طلاب غير منضبطين؟ ثم لماذا تقومون بمثل هذا الحل الذي ينم عن فشل في الإدارة والتخطيط بدلاً من إيجاد حلول أكثر إبداعاً وإنسانية؟ أليس من الممكن أن يتم تصوير مثل تلك المواقف المحرجة والمهينة ونشرها عبر مواقع الإعلام الجديد وغيرها للإساءة لكم وللحكومة.
وسؤالي للسادة في وزارة التعليم: كيف لمجتمع أن ينهض ولثقافة أن تستمر طالما أنها لا تعرف كيف تعالج مثل تلك المواقف البسيطة؟