عملاء وحدة "يوليسيس"!؟

عملاء وحدة "يوليسيس"!؟

أسعد تلحمي - الناصرة

عملاء وحدة «يوليسيس» الإسرائيلية تزوجوا فلسطينيات وتجسسوا على القيادة في الشتات!

كشف تقرير صحافي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بقلم الخبير في الشؤون المخابراتية (رونن برغمان) حقائق جديدة عن قيام المخابرات الإسرائيلية بزرع عملاء لها في الشتات الفلسطيني في خمسينات القرن الماضي وستيناته، أبرزها قيام بعض العملاء ـــــ الذين مُنع ذووهم من لقائهم لسنوات كثيرة من دون أن يعرفوا شيئاً عن أبنائهم ـــــ، بالزواج من فلسطينيات على نحو ساعدهم أكثر في إمداد المخابرات الإسرائيلية بمعلومات عن قياديين فلسطينيين في أوروبا وأمريكا اللاتينية ودول عربية.

وكالعادة، خلص التقرير إلى توجيه اللوم للمؤسسة الإستخباراتية على عدم العرفان بجميل العملاء مع إنتهاء مهماتهم وقذفهم إلى سوق البطالة، «وعدم الإكتراث بمن دفع ثمناً باهظاً من أجل خدمة الدولة، حتى أن جُرح عائلاتهم ما زال ينزف دماً حتى يومنا هذا».

وفي التفاصيل التي يُشير الكاتب إلى أنها ليست كاملة بفعل التعتيم المطلق عليها رغم مرور خمسة عقود، فإن جهاز الإستخبارات الإسرائيلي الخارجي (موساد) قرر في السنوات الأولى لقيام الدولة العبرية تجنيد عملاء من اليهود المهاجرين من الدول العربية لزرعهم بين الفلسطينيين داخل (إسرائيل) «حيال مخاوف الدولة من أن حرباً أخرى ستقع، وأن العرب لن يكفّوا عن محاولاتهم القضاء على (إسرائيل)»، وأنهم سينتفضون ضد الدولة الجديدة في أول مناسبة تُتاح أمامهم. وتم تكليف المدعو (سامي موريه)، وهو عراقي المولد وناشط سابق في العصابات اليهودية في العراق هاجر (لإسرائيل) مع إقامتها، ولاحقاً أصبح عميلاً كبيراً تخفّى بهوية مسلم شيعي من إيران، رئاسة الوحدة الخاصة لهذه المهمة التي حملت اسم «يوليسيس»، في استعارة من رواية الكاتب الإيرلندي (جيمس جويس).

ونجح موريه في تجنيد 14 «شاباً صهيونياً متحمساً» تتراوح أعمارهم بين 18-22 عاماً من المهاجرين من سورية والعراق للوحدة، وأخضعهم لتدريبات سرية مكثفة في شأن كيفية العيش في أوساط الفلسطينيين بهوية فلسطينية وإسلامية. لكن خمسة منهم لم يتحملوا الضغط فتركوا التدريبات، وبقي تسعة جميعهم عراقي المولد. وتم نشر العملاء الجُدد في عدد من البلدات العربية في أنحاء (إسرائيل) للتجسس على تحركات الفلسطينيين، لكن التقارير التي أرسلوها «لم تُشرْ إلى أن ثمة تحركاً ضد (إسرائيل)»، فتقرر تسريح معظمهم بعد عامين باستثناء اثنين، «أوري يسرائيل» وشخص آخر يُكنى «إسحق» ترفض الرقابة العسكرية كشف هويته الحقيقية أو نشر صورة له. وتقرر إيفادهما إلى الخارج «فنزرعهم عميقاً داخل السكان، كعرب، لكن مع أجهزة إرسال لاسلكية، لينقلوا لنا كيف يفكر العرب عنا، وهل يعتزمون التحرك ضدنا»، كما يروي (موريه).

ويُشير الكاتب إلى أن «مشروع يوليسيس» كان وما زال أحد أكثر العمليات الإستخباراتية سريةً، ولم يكن يعلم بنشاطها سوى كبار المسؤولين في «موساد».

وبإذن من «موساد»، تزوج (أوري يسرائيل) الذي انتحل الاسم العربي «عبد»، من شابة فلسطينية لعائلة مسيحية من يافا وعمل في التجارة، قابلاً بشرط ذويها ترك مهنته «معلماً للدين الإسلامي» في النقب ليغادرا إلى البرازيل ويصبح رجل أعمال ويُرزقا بطفل، «ونجح (أوري) في إثبات قدراته كرجل أعمال، وأخذ يتجول في دول العالم، بينها دول عربية»كما تزوح «إسحق» من فتاة مسلمة من قرية مجد الكروم شمال حيفا (ورُزقا طفلين) وغادرا إلى هولندا حيث عمل مديراً لمكتب صادرات للدول العربية.

ولاحقاً، ادعى (أوري) أن الحياة في البرازيل ليست مريحة، وأنه يريد تربية ابنه في دولة عربية «مع إخوته الفلسطينيين»، فغادرت العائلة إلى بيروت، مما أتاح له السفر مراراً إلى باريس، و«هكذا أصبح للمخابرات الإسرائيلية عملاء مزروعون في المجتمع الفلسطيني في أوروبا وأيضاً في لبنان».

وفي عام 1964، مدّ (أوري) و(إسحق) المخابرات الإسرائيلية بأخبار عن انتظام مجموعة جديدة من الشباب الفلسطينيين، «بينهم اسمان لم تسمع المخابرات الإسرائيلية بهما من قبل هما ياسر عرفات وخليل الوزير». وأشارا إلى أن عرفات والوزير يعقدان لقاءات متواترة مع طلاب فلسطينيين في أنحاء أوروبا، خصوصاً ألمانيا.

وبحسب التقرير، تعرف (أوري) إلى «شاب متحمس وقومي وثوري في ألمانيا» شكا أمام (أوري) عن صعوبات مالية، وطلب مساعدته ليقف إلى جانب الثورة الفلسطينية، فاقترح (أوري) تمويل الشقة السكنية التي تعقد فيها لجنة الطلاب اجتماعاتها.

ويُضيف التقرير أنه على مدار أشهر جاء إلى الشقة كل «قادة الثورة الفلسطينية المتبلورة، ووضعوا الخطط لكيفية القضاء على (إسرائيل) لتحل محلها فلسطين»، لكن المجتمعين لم يكونوا يعلمون أن حديثهم يصل مباشرة لـ «موساد» عبر المايكروفونات التي خبأها (أوري) في جدران الشقة.

ووفق الكاتب (برغمان)، فإن المحادثات التي التُقطت في تل أبيب أقلقت أحد المسؤولين في «موساد» هو (رفائيل إيتان)، الذي اقترح على رئيسه (مئير عميت) إقرار عملية تُنفذها وحدة الاغتيالات في «موساد» وتُدعى «قيساريا» باقتحام الشقة السكنية وقتل من فيها، «والعملية ستكون سهلة، والأفضل إن قتلنا القمقم وهو صغير»، لكن (عميت) رفض الاقتراح «ولم تمضِ سوى ستة أشهر لتحاول "فتح" أول عملياتها العسكرية ضدنا».

وذات يوم، كُشف أمر (أوريعندما باغتته زوجته في شقتهما في بيروت حين كان يُرسل أخباراً إلى تل أبيب، واعترف أمامها أنه ليس فلسطينياً وقومياً، إنما هو يهودي يتجسس لمصلحة «موساد». من جهتها، اعترفت زوجته أن قصة غرام تربطها مع «صديقه» الشاب الذي تعرف إليه في المانيا، فوقعت مشادة كبيرة علم بها «موساد» وقرر أن يطيّر الزوجان إلى باريس على وجه السرعة لرأب الصدع «لأن المسألة باتت خطيرة»، وهناك حاول مسؤول «موساد» إقناع الزوجة بالمغادرة مع زوجها وولدهما إلى (إسرائيل) «لكنها رفضت شرط اعتناق اليهودية، وقبلت بذلك بعد ضغوط كبيرة».

كذلك قرر «موساد» إعادة «إسحق» من هولندا، لكنه رفض العودة من دون زوجته وولديه وأصر على أن يرافقوه، لكن بالشرط ذاته، أن تعتنق الزوجة المسلمة الديانة اليهودية. يقول (موريه): «قلت له: هل تعتقد للحظة بأن نُحضر (لإسرائيل) مسلمة لعائلتك. لقد عانت عائلتك بما فيه الكفاية». وعند سماع الزوجة الاقتراح أُغمي عليها، لكنها أدركت لاحقاً أنه لا بد من قبول الشرط فوافقت، ومع عودتهم إلى البلاد بعد عام في باريس، اعترف «موساد» لأهل الزوجة في القرية العربية مجد الكروم بقصة صهرها، وطلب من الأهل عدم التعرض لابنتهم أو لزوجها وأولادها.

ويُضيف التقرير أن (إسحق) كان وراء المعلومة التي أرسلها لـ «موساد» بعد احتلال (إسرائيل) الأراضي الفلسطينية عام 1967 بأن عرفات موجود في منزل في القدس الشرقية أو في رام الله ويُعد العُدة لتنفيذ هجمات على (إسرائيل)، و «نجحت وحدة في الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) في رصد المنزل في بيت حنينا، لكن عرفات نجح في الهرب متخفياً بزي امرأة».

ووفق التقرير أيضاً، التقى (أوري إسرائيل) لاحقاً بالشاب الذي تعرف إليه في ألمانيا وكان حينها في الأراضي الفلسطينية واعتقلته سلطات الاحتلال، وسلمه رسالة من رئيس «موساد» موجهة إلى عرفات والوزير يقترح فيها عليهما الشروع في مفاوضات سرية مع (إسرائيل)، «وكان رد الشاب أن الجواب ستتلقونه قريباً ... وجاء الرد بعمليات قتل قادها الوزير».

ويعترف (موريه) اليوم أن الدولة لم تُكافئ عملاء وحدة «يوليسيس» بشكل لائق، ويعتبر زوجتَيْ العميلين (أوري) و(أسحق)«ضحيتين دفعتا ثمناً باهظاً بسبب تقمص زوجيهما هوية ليست حقيقية»، فيما يُشير التقرير إلى أن الابن الثاني (لأوري) الذي ولد من زوجته الثانية يبحث عن أخيه غير الشقيق، لكن المعلومات التي في حوزته لا تُساعده في ذلك.

هذا الرابط:

http://alhayat.com/Details/546807#null