الأسير جمعة التايه بين مرارة الاعتقال وطول الانتظار
الأسير جمعة التايه
بين مرارة الاعتقال وطول الانتظار
لم تفارقها الابتسامة والرّوح المرحة، رغم المصاب الذي تشعر به كل لحظة لتغييب زوجها الحبيب خلف قضبان الأسر، لكنها تعلّمت منه الكثير ومما تعلّمَتْه أن تبتسم دائمًا، وتستخرج من الألم أملًا. تلك كانت المواطنة سهى التايه (أم أسامة) زوجة الأسير جمعة عبد الله خليل التايه من رام الله.
تقول سهى في حديثها مع مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان إن زوجها المولود في 13/12/1970 في بلدة كفر نعمة قضاء رام الله، يقضي حكمًا بالسجن 18 عامًا ونصف العام، وقد اعتقلته قوات الاحتلال منذ 24/10/2001 في تمام الواحدة بعد منتصف الليل من منزله.
وتستعيد الزوجة تلك اللحظات فتقول "اعتقلوه بعد تفتيش وتخريب لكامل محتويات منزلنا، وكانوا قد حاصروا البيت والبيوت المحيطة، ولا أبالغ إذا قلت أن منزلنا كان فيه 50 جندي من جنود الاحتلال لحظة اعتقال زوجي، وبشكل همجي أخذوا يصرخون علينا قبل أن يعتقلوا جمعة، وقالوا له: سلّم نفسك وإلا فسيتم تفجير المنزل بمن فيه. وأطلقوا النار في الهواء في محاولة لتخويفنا. لم يتركوا شيئًا دون عبث به، حتى كتب زوجي فتّشوها بتأنّي خلال مداهمة المنزل."
وتضيف سهى لمركز أحرار "تزوجني جمعة عام 1999 ورزقنا الله ولدين: أسامة 13 عامًا، ونصر الله 11 عامًا" لكنها تحاول استرجاع مرّات اعتقال زوجها السابقة قبل زواجهما، فتقول "اعتقلته قوات الاحتلال عام 1990 مدّة سنة، وأعادوا اعتقاله عام 1992 لست سنوات، وأفرج عنه عام 1998 وفي السنة نفسها اعتقل مرّات عدّة اعتقالًا إداريًّا، بين 3 شهور، و4 شهور ، وشهرين."
حصل جمعة على شهادته الجامعية الأولى في الشريعة من جامعة القدس، ويعكف حاليًّا على دراسة الماجستير في الدراسات العليا الإسرائيلية ملتحقًا بجامعة القدس أيضًا، ولم يُثنه الأسر عن إكمال مشوار تعليمه. وله اثنان من الإخوة وثلاث من الأخوات، أما والده فقد توفي منذ عشرين عامًا، وفقد والدته بعد اعتقاله في عام 2008.
وعن وفاة والدته، يقول فؤاد الخفش مدير مركز أحرار، إن والدته كانت تعاني الرفض الأمني من جانب الاحتلال ولم يتسنى لها زيارة ولدها منذ اعتقاله عام 2001 سوى ثلاث مرّات فقط إلى حين وافتها المنيّة، وكانت آخر تلك الزيارات قبل وفاتها بحوالي أسبوعين، وقد عمل ابنها الأسير جاهدًا على تنسيق زيارة خاصة لها وتم تحديد موعد الزيارة إلا أن الموت عاجلها قبل الموعد بيومين فقط.
وتضيف الزوجة إن شعور زوجها بالصدمة كان أكبر من الفجيعة التي حلّت به، فقد غيّب الموت الأم الحنون بعد أن حُرمت لسنوات من عناق ابنها ورؤيته في بيته وأحضان أهله، وتوفيت بعد سبع سنوات من اعتقال ولدها جمعة.
يحدّث جمعة زوجته قليلًا عن معاناة الأسرى داخل السجون أثناء زيارتها له، لكنه سرعان ما ينهي الحديث لما يراه من علامات تأثّر زوجته بظروفه وإخوانه الأسرى، فقد اعتاد على الابتسامة الدائمة وبثّ الأمل في نفسه ونفوس الآخرين، وهذا ما تؤكده الزوجة أم أسامة قائلة "هو متمسّك بمبادئه ويحب الآخرين ويهوى مساعدتهم، وأجده مثالًا للإنسان المعطاء، ودائمًا ما كان يسهّل الأمور التي أجدها صعبة في نظري، ويعجبني أن لديه أمل كبير بالله سبحانه."
وتضيف سهى التايه أن زوجها الأسير جمعة التايه يعاني من آلام الشقيقة بين فترة وأخرى، على أثر التحقيق القاسي الذي تعرّض له بعد اعتقاله، فقد دام التحقيق شهران ونصف، والذي يتفنن فيه الاحتلال بممارسة الضغط النفسي على الأسير إلى جانب التعذيب الجسدي أحيانًا.
وتعاني الأسرة من صعوبة إدخال العلاج اللازم لابنهم كما هو حال ذوي الأسرى في السجون جميعها، خاصة أن جمعة يعاني أيضًا من ارتفاع نسبة الدهون في الدم ويحتاج دواءً لتنظيم هذا الاضطراب.
ولا تنسى الزوجة أن معاناة الزوج مستمرة في أسره بعيدًا عن أي أمراض فالغذاء السيء والعلاج الأسوأ والظروف الصحية القاسية التي يوضع فيها الأسرى تجعلهم معرضين للأمراض في أي وقت، فضلًا عن ممارسات مصلحة السجون البشعة بحقهم من التفتيش الليلي والتفتيش العاري ومصادرة الأمتعة الخاصة بالأسرى، والقمع المستمر، والعزل في الزنازين الانفرادية كأسلوب "عقابي".
ويقبع الأسير جمعة التايه في سجن إيشل/بئر السبع، وقد تنقّل بين سجون عدّة خلال فترة اعتقاله التي قضى فيها 12 عامًا حتى الآن، بانتظار الفرج القريب.