أميركا وفرنسا والتجسس المتبادل
د. صالح بكر الطيار
رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي
بعد مرور عدة سنوات على نشاطه المكثف انكشف برنامج التجسس الأميركي المسمى " بريزم " الذي هو جزء من برنامج أكبر يدعى " ايشلون " والذي يوفر لواشنطن اخباراً ومعلومات عن العالم اجمع .وحسب التبريرات الأميركية ان مشروع التجسس ذات ابعاد اقتصادية وليس له أي طابع أمني او سياسي ، ولكن ما هو غير قابل للتبرير هو ان التجسس شمل اكثر من 30 زعيماً في العالم وعلى رأسهم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل .وهذا الأمر هو الذي زاد من حدة التوتر بين اميركا والأوروبيين ، ولكن من المؤكد ان العلاقات الثنائية لن تصل الى حد القطيعة ولا الى سحب السفراء ولا الى تقديم شكوى امام مجلس الأمن بل جل الأمر ان اوروبا تنتظر من واشنطن توضيحاً ووعداً بألا تعيد الكرة مرة أخرى .ولوحظ ان الفرنسيين تعرضوا لنفس عمليات التجسس الأميركية ولكن ردة فعلهم كانت اقل حدة من الألمان إما لأنهم غير قادرين على مواجهة اميركا ، وإما لحاجة باريس الى التعاون الدائم مع واشنطن ولهذا تجنبت كسر الجرة، وإما لأن الرئيس فرنسوا هولاند اعجز من يسجل أي موقف بسبب تدني شعبيته وغرقه في ازمات اجتماعية وأقتصادية .وأياً يكن السبب فقد كان موقف الأليزيه مثار انتقاد من الرأي العام الفرنسي الذي طالب فرنسوا هولاند ان يتمثل بميركل وأن يحذو حذوها .ولكن غاب عن بال الفرنسيين ان باريس هي بدورها متورطة في عمليات تجسس داخلية وخارجية حيث ذكرت الصحيفة الفرنسية “لي نومريك” أن الحكومة الفرنسية لديها بالفعل برنامج تجسس تستخدمه في الحصول على المعلومات وهذا البرنامج يسمى ” سي ان إي إل ” او ” كنيل “، موضحة أن برنامج ” كنيل ” يشبه برنامج ” بريزم ” في كونه برنامج تجسس على نطاق واسع، غير أن فضيحة بريزم التي اندلعت منذ يوليو / تموز الماضي جعلت البرنامج الفرنسي يتراجع بعض الشيء خوفا من أن تتكرر هذه الأزمة في فرنسا.وتابعت الصحيفة أن المشكلة تكمن الآن في معرفة آلية التجسس التي يقوم بها البرنامج الفرنسي، فالحكومات ليس لديها في الوقت الحالي القدرة على التبرير لدى المواطنين الذين يتم ابتزازهم والتدخل في حياتهم الخاصة، فذكر كلمة برنامج رقابي تثير الكثير من الشكوك لدى المواطنين.ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أن برنامجا يقال إن الحكومة الفرنسية تستخدمه من أجل حماية بيانات المواطنين الأوروبيين عامة والمواطن الفرنسي خاصة، هو برنامج تجسسي في الأساس، ويثير العديد من القلاقل لدى المواطنين.وتأكيداً لذلك نشر موقع اوروبي أن فرنسا أيضا تقوم بالتجسس على غرار واشنطن، مؤكدا أن فرنسا لديها هي الأخرى برنامجها التجسسي الخاص، ومشيرا إلى أن فرنسا تخصص 10 مليارات يورو و5 آلاف عميل للعمل في ذلك البرنامج حيث يقومون بجمع عدد كبير من البيانات وعدد من مكالمات الهاتف والبريد الإلكتروني الخ.وبين الموقع أن فرنسا تمتلك نفس التبرير الأمريكي، بقولها انها تطبق هذا البرنامج ضد أي إرهابيين محتملين يهددون المصالح الفرنسية.يبقى ان ما سبق ذكره ليس بالأمر المستغرب لا في اميركا ولا في اوروبا ، ولكن ما هو مستغرباً ان العرب تعرضوا للتجسس وليس لديهم أي برنامج تجسس خاص بهم ومع ذلك أثروا الصمت حيث لم يصدروا حتى مجرد بيان استنكار