هكذا نحي سنتك يا نبيّ الله

عثمان أيت مهدي

مع نهاية شهر ذي القعدة وحلول غرّة شهر ذي الحجة، تزدان شوارع العاصمة الجزائرية بقطعان من الأغنام، متراصة على حوافي الطرقات الكبيرة منها والصغيرة، وحولها جمهور من المتفرجين والفضوليين والزبائن. سيارات من كلّ نوع، أكثرها لا يتجاوز أربع سنوات من عمرها، مستوردة من جميع الدول المصنعة، بعضها من الصناعة الألمانية ذات الجودة العالية، وبعضها من الصناعة الفرنسية واليابانية والكورية ذات العمل المتقن واللمسة الجميلة.

تتوقف السيارة أمام القطيع، ينحدر منها رجل كبير البنية ضخم الجثة، ينهش تفاحة أو يردّ على مكالمة من هاتفه النقال. يقف أمام الجموع، يسأل عن الأسعار، يعلق قليلا عن أثمانها ثمّ يفاوض صاحب القطيع، وبعد دقائق يقع الاتفاق على السعر والكبش، يسحبه بقوة ويدخله في صندوق السيارة الخلفي ثمّ ينطلق إلى حيث يسكن وكله فرح وبهجة بإحياء سنة نبيه إبراهيم عليه السلام.

يصل إلى مكان العمارة ذات الستة عشر طابقا، يخرج كبشه الذي كاد يختنق داخل الصندوق، وقد ترك بداخله قليلا من البول وبعض من الحبيبات من وسخه. يدفعه صاحبه بالقوة إلى مدخل العمارة ويجرّه جرّا إلى المصعد المختنق بروائح بول الكباش وأوساخه، يدخل وكبشه إلى المصعد ويضغط على زر رقم خمسة عشر.

تستقبله زوجته وأولاده بفرح كبير، يحضرون له الحناء ويضعونه بشرفة البيت، أو داخل الحمام، ولا تمرّ بعض الساعات حتى تنبعث روائح كريهة لا تطاق من كلّ جهات البيت.

وبعد أيّام قليلة تتحول العمارة إلى إسطبل كبير، العاصمة إلى مرعى للكباش، أمّا الأطفال الصغار وأحيانا حتى الكبار إلى رعاة في الحدائق العامة، وأماكن الاخضرار. حيثما حللت وأقمت تنبعث لك الروائح وتقابلك حبيبات مائلة للسواد متناثرة في كلّ مكان.

ويستمر الحال كذلك من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، ويحلّ عيد الأضحى المبارك في العاشر من ذي الحجة، تتوجه جموع المصلين لصلاة العيد وقد غمرهم روح الإيمان وأسعدهم بأضحية يتقدمون بها قربانا إلى الله راجين منه القبول والمغفرة.

تذبح الأضاحي أسفل العمارة، تسلخ، ثمّ تحمل على الأكتاف إلى البيت، كلّ حسب الطابق الذي يسكنه، أثار من قطرات الدماء تعلن عن صاحب الأضحية، الطابق، ورقم الباب. أمّا أسفل العمارة، فلا تسطيع برك الدماء أن تحدد صاحب الأضحية لاختلاط الدماء وسيلانها معلنة عن مجزرة حدثت بهذا المكان، لولا هذه الجلود للخرفان والكباش مرمية في العراء يحوم حولها الذباب بأنواعه.

لا تمرّ الساعة الحادية عشرة حتى تبدأ روائح الشواء تنبعث من كلّ بيت، تخلو الشوارع من المارة، يعمّ سكون رهيب، ويتفرغ الجميع للطهي والقلي والشواء.

واحذر أخي القارئ أن يصادفك أحد، ويسألك عن إحيائك لسنة نبيّنا إبراهيم عليه السلام، وتجيبه بالرفض، لأنك تصبح في نظره جاحدا، كافرا، ظالما لنفسه.

وبعد يوم أو يومين من انقضاء العيد، تشاهد كثبانا من الزبالة حيث رميت ببصرك، والعاصمة أشبه بمزبلة على الهواء الطلق. يبدأ عمال النظافة بالسبّ والشتم من هذا القوم الذي يخلف وراءه أطنانا من الزبالة جشعا وحبّا في نهش لحوم الخرفان بأنيابهم الحادة.