وزير الخارجية الألماني فيسترفيليه الحويط ...

رحم الله امرأ عرف قدر نفسه

زهير سالم*

[email protected]

تعود الناس أن يستعملوا الحكمة القائلة ( رحم الله امرأ عرف قدر نفسه ) في الدعوة إلى التواضع . وفي ذم الغرور والانتفاخ . وتجاوز الحد في تقدير النفس على طريقة قول المتنبي :

 وكل ما خلق الله وما لم يخلق ...محتقر في همتي كشعرة في مفرقي

وللحقيقة فإن الحكمة السابقة الرصينة توظف في السياقين . في سياق تنبيه المتكبر على الوقوف عند حده . وتجاوز الانتفاخ والغرور وبطر الحق وغمط الناس . وفي سياق تنبيه الخامل والغافل على ضرورة معرفة قدر نفسه وقيمتها وحفظها والتعالي بها عما يشينها أو يهينها وفي هذا قالوا :

ونفسك أكرمها فإنها إن تهن عليك .. فلن تلقى لها الدهر مكرما   

إذا كنت لا تستطيع إجبار الناس على احترامك فأقل ما تفعل ألا تفقد احترامك لنفسك .

اشترط الفقهاء المسلمون  في حاكمهم أن يكون أبيّا شهما ذا نجدة وجرأة مع علو في الهمة وإقدام في الملمات . بل إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لرجل ارتجف منه فرقا : هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في بطحاء مكة . هو الذي تقدم حين حمي الوطيس يوم حنين وانكشف المسلمون ينشد ولم يكن قول الشعر له بعادة :

 أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب

إذا لم يكن القائد الفرد قادرا على تقمص شخصية الجماعة التي يقود ، بكل عظمتها بتاريخها وثقافتها ورجالها فلن يستطيع أن يوفيها بعض حقها . لا يبقى المرء عندما يصبح قائدا لجماعة أو لشعب أو لأمة فلانَ ابن فلان . بل يصبح القائد الذي يجب أن يحسب لقوله وفعله كل حساب.

إن المعارضة السورية التي باتت لا ترد يد لامس بسبب غفلة الغافلين وتهاون المتهاونين حتى اجترأ عليها من لا يقدر أن يدفع عن نفسه باتت أشد حاجة على الشعور بالقيمة وبالدور وبالذات .

بالأمس أرسل  وزير الخارجية الألماني فيسترفيليه رسالة إلى هؤلاء حين علق على المكر في رسالة بشار الأسد إلى ألمانيا التي يمدحها بالاعتدال والتفهم إلى الدخول في حل الأزمة في سورية ..

فيسترفيلية الذي تهمه كثيرا نظرة الشعب السوري إلى ألمانية وحكومتها وصف دعوة بشار العيار بقوله :  ( إن تصريحات الأسد مناورة سخيفة وتتسم بالخداع لإحراج ألمانيا أمام الشعب السوري .) نعم لقد سبقنا فيسترفيلية إلى دفع التهمة أو الشبهة عن حكومته وعن شعبه . ولو لم يقل لقلنا ..

ليس من الحكمة التغاضي عن الإساءة مرة بعد مرة . والثقة بالذات تجعل الإنسان يقول لمن أوجعه : لقد أوجعتني . ولمن أساء إليه أنت تسيء إلي . وأن ينبذ إلى من يعاديه على سواء ..

قال له : استو يا سواد وضربه بقضيب وقيل بسواك كان في يده . فقال سواد : يا رسول الله أوجعتني ...

جميل أن يتحسس وزير الخارجية الألمانية مشاعر ملايين السوريين الذين قتلهم وشردهم بشار الأسد . والأجمل أن يجد هذا الإحساس ترجمته العملية في مواقف ألمانية أكثر جدية وسدادا ..

وتعلمنا أن نقول : لمن أحسن أحسنت ولمن أساء أسأت بالحكمة والعدل ولا تأخذنا في الحق لومة لائم.

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية