لتفشل المفاوضات...!

د.هاني العقاد

لا يوجد ضامن حتى اللحظة لنجاح المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولا يوجد ضامن أن هذه المفاوضات سوف تحقق السلام المنشود والعادل الذي يضمن للطرفين ولكل شعوب المنطقة النمو والتطور الطبيعي في ظل مساحة إقليمية من الأمن والاستقرار واحترام الحقوق والحريات السياسية والإنسانية , ومع عدم وجود ضامن أو رغبة حقيقية من الطرف المصادر للسلام في المنطقة فان الوصول إلى نهاية ايجابية مائة بالمائة للمفاوضات يبقي في علم الغيب ويبقي من المستحيلات ويبقي رهن تغيرات دراماتيكية على طاولة المفاوضات نفسها وتدخل غربي أمريكي لصالح دعم الطرف الفلسطيني والذي يتسلح بمرجعية الشرعية الدولية فقط , هذا يعنى أن المفاوضات حتى اللحظة تسير في طريق صعب ومعقد قد لا تصل في النهاية إلى المحطة التي سينطلق منها قطار السلام متجها نحو الحقوق المنهوبة والمسروقة والتي تم مصادرتها بفعل  قوى الاحتلال و نار باروده ومدافعه القاتلة .

قاربت نصف  المدة التي حددها جون كيري وزير خارجية أمريكا للطرفين للوصول إلى حل نهائي لكافة القضايا  العالقة علي التجاوز دون دلائل أو مؤشرات تبشر بإمكانية إنهاء المفاوضات ايجابيا خلال تلك المدة ,بل أن المفاوضات كلما تعمقت نحو خط النهاية بات شبه مؤكد أنها لن تصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع ولن تفضي إلا لمزيد من دوامات الصراع الأبدي الذي لا ينتهي على الإطلاق , لان إسرائيل تماطل كعادتها في التفاوض وقد استشعرت أمريكا بهذا الخطر لدرجة أن وزير الخارجية الأمريكي قال أننا قد نتدخل بقوة في المفاوضات خلال المرحلة القادمة , لهذا فان نتنياهو استبق هذا خلال لقاء مغلق مع قادة اليهود ورؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى بالولايات المتحدة  بأنه لا توجد مشكلة لدي إسرائيل بتقديم تنازلات ما لكن الفلسطينيين يرفضوا الاعتراف بيهودية الدولة ,وأضاف أن المفاوضات فشلت حتى الآن في الوصول إلى تقدم ما نستطيع أن نبنى عليه إضافة إن المفاوضات تساوي صفر.

الإسرائيليين يفاوضوا الفلسطينيين للاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية لتصبح إسرائيل ذات ديانة وقومية واحدة وهي اليهودية ,والفلسطينيين يفاوضوا لانتزاع الحرية والاستقلال وإطلاق سراح الأسري وإقامة الدولة وعاصمتها القدس وهذا في الحقيقة واقع غير متكافئ على طاولة المفاوضات ولا يمكن أن يأتي بنتائج معقولة وعادلة للطرفين لان الهوة شاهقة بين الطموح السياسي الفلسطيني والإسرائيلي لان إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين ككيان سياسي ذاتي محدود المسؤوليات الوطنية  لا يتوجب أن يتطور إلى دولة ولا يجب أن يصل إلى حد الاستقلال السياسي  , وهذه كارثة تصنعها إسرائيل كمحاولة منها في النهاية للتنازل عن هذا الموقف ببعض من التقدم حول الحل المؤقت وليس النهائي ليقبل الفلسطينيين بهذا وبالتالي يسجل نجاح للمفاوضات, لكن إسرائيل يبدوا أنها في حالة غياب عن الوعي السياسي ولو كانت غير ذالك لعرفت أن الفلسطينيين ليس من صالحهم أي حلول مؤقتة أو حتى طويلة   الأمد والأفضل عندهم أن تفشل المفاوضات ولا تصل إلى حل مع إسرائيل على أن تصل إلى حل تخططه و ترغب به إسرائيل يكون على حساب الصالح الفلسطيني وعلى حساب حقوق الشعب الذي عانى من الاحتلال عشرات السنوات .   

  لا يمكن لحالة تفاوض كالتي يخوضها الفلسطينيين أن تنجح وتأتي بحل عادل ودائم دون ضغط دولي معين على إسرائيل يعيد قادتها إلى المنطق السلمي الذي يبنى على أساس التخلي عن اغتصاب حقوق الفلسطينيين مع أن هؤلاء القادة يعرفونه جيدا ويسهل عليهم سلوك مسالكه  إلا أنهم يعتبروا هذا يتعارض مع بقائها كدولة احتلال لم يكتمل مشروعها الصهيوني بعد , ولعل ثماني جولات من المفاوضات الساخنة لم تفضي حتى الآن لتقدم معين يبنى عليه ,كافية للتنبؤ بنتائج هذه المفاوضات دون تدخل دولي عادل وحيادي من جانب القوي الراعية للمفاوضات كالولايات المتحدة والرباعية الدولية  , ولا بد لهذا التدخل أن يكون مقرونا بضغط معين ليتحقق تخلى إسرائيل عن سياسة الاحتلال وثقافته وبالتالي تصبح الدولة الراغبة في تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة لأنها حتى الآن صاحبة القوة المخيفة في الشرق الأوسط على الأقل من منظور غربي , ولا يمكن للمفاوضات الحالية أن تنجح في ظل ممارسات إسرائيل الاحتلالية على الأرض والتي من خلالها تسارع في الاستيطان والتهويد في كل مكان بالمدينة المقدسة هذا بالإضافة إلى عدم احترام الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس بل تدفع بقواتها لحماية المستوطنين المتطرفين الذين يقتحموا باحات الحرم القدسي الشريف .

إننا كفلسطينيين تعودنا أن نمتلك خيارات أخري وبديله عن تلك الخيارات التي يعتقد أن فشلها سوف يكون كارثيا على الفلسطينيين وحدهم بل بالعكس  فأنني أري أن فشل المفاوضات وانتهائها بلا اتفاق عادل ودائم أفضل من أي اتفاق مرحلي , و حينها ستكون خيارات الفلسطينيين بالطبع مؤلمة لإسرائيل بالدرجة الأولى ومحرجة للعالم ,واقلها خطورة الانتفاضة القادمة التي لن تكبحها أي قوة  أو توقفها أي قوة لأنها جاءت نتيجة إحباط سياسي متراكم صنعته إسرائيل بعنصريتها واحتلالها البغيض وصمت العالم عن هذا الاحتلال والكيل بمكيالين , وأكثرها خطورة إعادة الضفة الغربية إلى الاحتلال بالكامل وتولى إسرائيل مسؤولية إدارتها ليدفع  المحتل ضريبة احتلاله من جديد ويجنى ثمار سرقة حقوق الشعب الفلسطيني  واغتصاب أراضيه بالقوة العسكرية منذ زمن طويل .