فيما يخص الاتفاق الأمريكي الروسي

معمر حبار

[email protected]

المتتبع للإتفاق الذي تمّ بين الولايات المتحدة الأمركية وروسيا، حول الصراع الدموي في سورية ، وكذا الأسلحة الكيمياوية، يقف على جملة من الملاحظات، منها:

1. إن الكبار لايتقاتلون فيما بينهم، فالقتل لعبة يهواها الصغار، ومن يأبى أن يكون كبيرا. فكل ماحدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لم يؤد إلى نشوب نزاع فيما بينهما.

2. حين يعود المرء للمقالات السابقة، يجده مضطرا لكي يؤكد أن .. اللاعب الأساسي في إدارة الصراع في سورية وغيرها، هما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وماعداهما فهو تابع لهذا أو ذاك.

3. أثناء الندوة الصحفية التي جمعت وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي لافروف، ألعطيت الكلمة للأمريكي فأسهب في الكلام، وحين جاء الدور للروسي، لم يزد على قوله، ارجعوا لمقالة الرئيس بوتين في " نيويورك تايمز"، وانصرف، دون أن يسمع سؤالا واحدا، أو يجيب عنه. مايدل على قيمة الكتابة في إدارة الصراع، وأن القوي يُسمع له، ويُقرأ له. وحين كتب منصف المرزوقي مقالا، ثارت عليه الثائرة وقيل له ، كيف يمكن أن يكون لك متّسع من الوقت لتكتب مقالا !، وكأن كتابة المقال بالنسبة لرئيس الجمهورية، جريمة لاتغتفر.

4. واضح جدا أن التهديد الأمريكي كان من وراء الاتفاق، وواضح أيضا أن الرادع الروسي كان كذلك من وراء الاتفاق. والاتفاق حين يكون بين قوتين، يدوم ويُطبق، ويُجدّد حين تتطلب الضرورة.

5. سبب التردد الأمريكي في ضرب سورية من عدمها، هي انعكاسات الضربة على الصهاينة؟. فجاء فلاديمير بوتينبطوق النجاة ليخبر أوباما، أن الصهاينة سيكونون بسلام إذا دمرنا السلاح الكيمياوي لسورية. فالصراع في سورية إذن، هو من أجل الخوف على سلامة الصهاينة، وضمان سلامتهم.

6. الذين تشبّثوا بالسلاح الكيمياوي، سنوات طوال، وقدّموا في سبيل ذلك التبريرات الطوال، هم أنفسهم الذين ذكروا تبريرات تخليهم عن السلاح الكيمياوي، كقولهم أن .. كلفته غالية، وحراسته تتطلب طاقة هائلة من العتاد والجند والخبرة العلمية، وأن استعماله محدود، ويجلب المشاكل، وأن روسيا قدّمت لسورية أسلحة متطورة، تجعلها تستغني عن السلاح الكيمياوي. والعاقل هو الذي لايميل مع الأولى ولا الثانية.

7. لكن المؤكد، أنه تم إلغاء شرط، توقيع الصهاينة على معاهدة حظر الأسلحة الكيمياوية، وقد حدث ذلك مع العراق، وليبيا، وسورية.

8. تأجيل باراك أوباما للضربة العسكرية، وتفضيله لتسوية الصراع في سورية،عبر بوابة جنيف، والاتفاق مع روسيا بشأن سورية، يقابله هوس عربي بضرب سورية، وتدميرها.

9. إن الذي يملك دبلوماسية القوة، هو الذي يملك قوة الدبلوماسية، وبالتالي الحلول تكون ضمن هاتين الدائرتين. والاتفاق الروسي الأمريكي ، يندرج ضمن هذا السياق. والمال العربي، لم يصل بعد لكي يكون القوة التي تسند الدبلوماسية، وانعدام القوة، لايفيدها مال ولا دبلوماسية.

10.   قيمة الشريك، تظهر أثناء استشارته في توقيع الاتفاقايات الدولية المصيرية، كالاتفاق الروسي الأمريكي بشأن سورية. والطرفان وقّعا الاتفاقية بعيدا عن العرب والعجم، والمنظمات العربية والدولية.

11.   قوة الروس ظهرت في تغيير المسار جذريا. فاستطاع أن يحوّل الضربة العسكرية إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية. وطبقا للبنود التي وضعها واختارها.

12.   لم يعد الروس ذلك الشريك الذي يتخلى عن شركائه في اللّحظة الأخيرة، كما حدث مع العراق وليبيا. بل أمسى يتشبّث بشركائه إلى آخر لحظة، كما يحدث الآن مع سورية، ويجلب في سبيل ذلك البوارج والغواصات، ويحذّر فرنسا من طرح مشروع البند السابع للأمم المتحدة، ويقول للصغار، إذا أعدتم مثل هذا الكلام، لن تجدوا غدا مكانا لكم في الخارطة، ولايذهب للأمم المتحدة إلا بعد أن يستكمل كافة الملف لصالحه، ويبادر بطوق النجاة لأوباما، المتمثل في الاتفاقية الثنائية حول سورية.

13.   سيكتب التاريخ، أن العرب حرّضوا على قتل إخوانهم، وتدمير حضارتهم، وحين وقّعت الاتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، بغض النظر عن الأسباب والدواعي والظروف، اعتبرو وقف الاقتتال بين الأخوة خديعة، وحقن دماءهم خيانة.

14.   إن الذي يصنع الحرب، هو القادر على صناعة السلم، بالطريقة التي تناسبه وتحميه. والذي يتبع غيره في الحرب والسلم، يكون عالة على غيره، فيما صغر أو كبر، وينتظر مصيره، أثناء توقيع الكبار.

15.  في بداية الثمانينات، قرأت مقالا بعنوان: "Le déclin Américain"، ومن يومها وعلامات الانهيار الأمريكي تظهر للطالب عبر الدراسة، ثم تجلّت مع مرّ الزمن عبر المعاينة، ومحطات كالصومال وأفغانستان، تعبّر بجلاء عن هذا الانهيار، ثم جاء الاتفاق ليزيل الُّلبس.