متفرقات عن واقع الحال..
متفرقات عن واقع الحال..
عقاب يحيى
صار مانديلا ظاهرة تاريخية.. سجل اسمه كواحد من العظماء القلة لما فعل، ولقدرته على تحقيق مصالحة جبّارة أمّنت انتقال نظام تكييز عنصري ضارب الجذور.. غلى حالة من التعايش، والاستمرارية.. دون إراقة الدماء وتدمير البلد..
ـ في سورية مانديلات كثرـ إن حسبناها بعدد سنوات الاعتقال . عدديدهم أمضى ربع قرن، وبعضهم أكثر في المعتقلات. بعضهم استشهد. معظمهم لم ينكّس راية مبادئه التي اعتنق. لم يتنازل أو ينحني.. لكن الظروف غير الظروف.. وكان الصمت المتواطئ من معظم دول العالم، وأولها العربية، ومنظمات حقوق الإنسان.. ووسائل الإعلام.. عاملاً مؤثراًُ في محاولة طيّ صفحة الكفاح ضد الطغمة، والتضحيات التي قدمتها اجيال، ورموز وطنية يشهد لها الزمن بأيديها النظيفة ومواقفها الوطنية ..
ـ نظام الطاغية الأكبر كان فاحش الحقد، واللؤم والدموية، والنرجسية، والفئوية.. وكان مستعداً لقتل الحياة كي يبقى.. ونجح عقوداً ولو بالاستمرار فوق جثة الوطن المتحوّل قهراً إلى مملكة لهم.. يهيّصون فيها ويميدون فجورا وعنجهية، واستهتاراً بكرامة، وحقوق، وحياة البشر، وسيادة الوطن ..
ـ وريث الفرض ، السخرية ورث الصلب : الاستهتار بالآخرين، والقتل نهجاً.. والفئوية سرداباً سرياً مطلياً بتزاويق البروزة لعديد المتبوقين من المكونات الأخرى، وإبراز السنة واجهة ترغو بالنعم، والإشادة النفاقية..والشعارات المفقوعة.. والمبادئ المشرشحة..بينما الصلب فئة منتقاة.. تمسك مفاصل الدولة وخناقها، وتذهب بعيداً في استعدادها الإفنائي للبشر والبلد.. ولسان حالها يردد : " مينك ولاه"..والذي يعني أن المواطن لا يساوي برغشة، وأن قتله قد لا يكلف ثمن رصاصة..
ـ في هذه التركيبة كانت المصالحة مستحيلة..واية حلول سياسية هي مجرد تكتيك ومطمطة وتمييع.. لأن الاستفشار الذي وصل ذروته ظل يتعامل مع المواطن كحشرات.. ومع الحقوق كتمرد على نسق التعليب، ومع الثورة كفعل طائفي، ومؤامرة .
ـ نامت العقود في جوف ديمومة الاغتيال المنظم لكل رأي مخالف. لروح الدولة والشعب.. واضطرت المعارضة أن تمضغ الألم والذكريات، وأن تتكوّر في ثقوب صغيرة، او في المهاجر القسرية..وأن تحاول ولو التذكير بالمطلوب، وبالديمقراطية خلاصاً.. وأن تنتهز أي فرصة متاحة لبعض الحراك.. لكن الحمل ثقيل، والاستبداد يطبق على النفاس.. حتى كانت الثورة..
*********
أحيت الثورة البيات والممات.. وحقنت الجميع بدماء الهمّة والمشاركة، وحتى الشباب والحيوية.. وحصل هذا الحراك الرهيب.. وكأن البلد في عرس مهيب.. يستقبل حلم الأحلام.. المنتظر من عقود؟..ومن غابر الأماني.. والأحلام.. واليأس.. والقنوط، والمحدودية..
ـ الطبيعي ان معارضة منهكة، اقعدها العمر والضربات المتلاحقة,,, وكثير كثير من نتائجية العقود.. ان تكون عاجزة عن يادة ثورة بهذا الحجم، والتداخل.. وأن تتفرد في قيادة مركبها.. بينما لم تسمح لها ظروفها توليد وإنتاج قياداتها.. فحدث الذي حدث، وازداد الأمر تفاقماً مع مفروضية امتشاق السلاح.. دخولاً لبوابة بدأت ضيّقة، ومحدودة.. ثم انفتحت حتى الانفلاش.. ولم تعد هناك أية بوابة تتسع للتشعب والتداخل.. والأيدي الكثيرة التي راحت تلعب، وتدخل على الخط، وكثيرها مدجج بالمال، والعلاقات، والأجندات المختلفة..
ـ وكانت الإشكالية المفتوحة : نظام دموي ـ فئوي ـ مدمر.. لا يمكن أن يقوم بخطوة واحدة في الاتجاه الصحيح توقف القتل، والخراب، واحتمالات التدخلات الخارجية. على العكس فجنون الحقد أعماه وصولاً لاستخدام الكيماوي والأسلحة الثقيلة، والاستنجاد المعلن بالآخرين فيما يشبه غزواً، وتدخلاً خارجياً فجاً..
في هذا الحيص بيص.. تتالت الأسئلة : إلى اين يقودون مصير ما تبقى من وطن؟.. وما هو المخرج طالما أن كل الحلول السياسية موصودة؟؟..وحتى متى يريد استمرار عملية القتل والتدمير.. ولا افق له بالانتصار، بينما قوات الثورة وحيدة، وتعاني النقص في الإمداد والمال، والأسلحة، والغوث.. ومحاولات الحرف والتشويه؟؟ وبما يجعلها عاجزة عن حسم المعركة وإسقاط النظام بزمن معقول ؟؟..
ـ وأسأل نفسي مراراً عن المخرج.. وتوصد الحلول تماماً.. ولا يبقى غير الاستمرار بالتضحيات حتى مداها الموصل للنصرز. حيث لا مكان لرجعة أو توقف.. ولا سبيل سوى إسقاط الطغمة واجتثاث نظامها من جذوره..
تلكم هي الوقائع التي تفقأ عيون اي تحليل نظري عن حلم بتسويات سياسية مقبولة.. والتي وضعت المصير السوري على كف عفريت المصالح الخارجية، ومشاريع الدول الفاعلة..