الجريمة الكارثة في سورية ؟!
بين تعللات الإثبات وتطلعات الضحايا
زهير سالم*
يردد الساسة في مجتمع دولي مأزوم : نريد أن نتحقق !! نريد أن نتأكد !! نريد أن نتثبت !! ننتظر نتائج التحقيق . التحقيق الذي سيحمل نتائجه ( غودو ) الذي لم يذهب بعدُ والذي لن يأتي أبدا ..
إن صور الآلاف من المصابين ، وهم يعانون من الاختناق الحاد مع كل الأعراض العصبية المرافقة ، وإلى جانبها جثامين أكثر من ألف شهيد ، أو باللغة الحقوقية المحايدة أكثر من ألف ضحية لم تقنع ( القاضي العادل ) ، بعدُ ، أن ثمة جريمة رهيبة وقعت في غوطة دمشق فجر 21 / 8 / 2013 .
ولم تفلح شهادة منظمة أطباء بلا حدود ، وهي منظمة ذات طبيعة إنسانية محايدة ، بأنها عالجت في مستشفيات في دمشق ثلاثة آلاف وست مائة إصابة مترافقة بأعراض عصبية توفي منها ثلاث مائة وخمس وخمسون إصابة ( بمعدل العشر ) في إقناع القاضي الفاضل أن هناك جريمة قد وقعت . ننبه إلى أن ما أحصته المنظمة وما عالجته لا يشكل إلا هامشا بسيطا من حجم الكارثة .
إن إيماننا أن بشار الأسد وعصاباته وحلفاءه من الخبراء الروس والإيرانيين ومن عصابات حسن نصر الله هم المنفذون المباشرون والوحيدون للجريمة لا حدود له ، لنؤكد ثانيا أن بشار الأسد هو المسئول وحده عن وقوع الجريمة لا يشاركه في هذه المسئولية شريك ؛ لنطالب ثالثا ، من موقع الضحايا من أبناء الشعب السوري ، المجتمع الدولي بالقيام بواجبه الذي يحمله إياه القانون الدولي بمحاسبة المجرم كائنا من كان هذا المجرم .
و من حقنا من موقع الضحايا المتضررين أولا وآخرا من هذه الجريمة ومما سبقها من جرائم أن نرى مبادرة دولية جادة وحاسمة وذات مصداقية تضع حدا لمعاناة الشعب السوري ، وتلجم المجرمين عن الاسترسال في جرائم القتل ، وتردعهم عن ارتكاب جريمة أخرى في أي ساعة قادمة من الليل أو النهار
إن ( ساتر ) التحقق أو التثبت من وقوع الجريمة أو من هوية المجرم لن يكون كافيا لتغطية حالة التخاذل واللامبالاة الدولية بالنسبة لجرائم الحرب التي تقع على الشعب السوري منذ ثلاثين شهرا . فثبوت الجريمة الكارثة أصبح من المحسوس المتواتر الذي لا يماري فيه إلا السوفسطائيون .
إن متابعة مشهد الجريمة الكارثة في غوطة دمشق بعقل وقلب لن تخفي عن طالب الحقيقة معالمها . إن مجرد الاستماع إلى تعليق وزير إعلام الجريمة قبل أن يستفيض خبرها وصورها وهو يجاحد الواقع ، على طريقتهم في الكذب الوقح ، وهو يردد ( فبركة معدة مسبقا لاستقبال لجنة الخبراء ) تؤكد للقاضي الفاضل أو العادل أن حديث القوم هو حديث ( الكذاب الأشر ) .
كما إنه لو كان بشار الأسد وعصاباته وحلفاؤه أبرياء من الجريمة لهبوا في ردة فعل عفوية فعل كل البشر الأسوياء حيال المشهد الأليم إلى المشاركة العملية في لملمة آثار الجريمة الكارثة ، والمشاركة في إسعاف ضحاياها ، وتقديم العلاجات الأولية للمصابين ، وإنقاذ من يمكن إنقاذه من ضحاياها . أليس بشار الأسد يزعم أنه رئيس لهؤلاء الأطفال ومسئول عن حمايتهم ؟!
إن كل العقول والقلوب تشهد أن أصحابها ما كانوا ليتأخروا عن المبادرة في إنقاذ أطفال الغوطة في دمشق ولو كانوا أطفال ( محتلين ومستوطنين ومعتدين ) فكيف بمن يزعم أنه وأنه ..؟!
إن تخلف المجتمع الدولي عن القيام بواجبه تجاه حماية المدنيين في سورية بذريعة ( التحقق والتثبت ) ، ما هو في واقع الأمر إلا تهرب من استحقاقات الاعتراف بالواقع بكل ما فيه من جريمة ومن عدوان ...
إن الموقف مما يجري في سورية وعلى شعبها منذ ثلاثين شهرا هو موقف أخلاقي وليس موقفا سياسيا تتحكم به مصالح السياسية وألاعيب السياسيين . وسيكون لهذا الموقف تداعياته الإنسانية والحضارية على كل صعيد ..
إن ما نتابعه من مراوغة ومناورة وجدل سياسي في ضرورة المبادرة السريعة والحاسمة ، لمنع تكرار الجريمة في أي موقع آخر على الأرض السورية سيجعل كل هؤلاء المناورين والمراوغين شركاء عمليين مع بشار وبوتين وخمنئي في دماء الأبرياء من الشعب السوري ..
تابعوا صور الأطفال الصرعى قبل أن تتكلموا كلاما يجعلكم في صف قاتليهم
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية