ثورة 25 يناير.... في خبر كان؟

شريف زايد

خدعوا البعض فقالوا لهم أن ما قمنا به ليس انقلابا، بل ثورة جديدة لتصحح مسار ثورة 25 يناير، فصدقهم الكثير، خدعوا البعض فقالوا أننا نريد خلع نفوذ أمريكا من مصر، فبارك عملهم الكثير، خدعوا البعض فقالوا إننا سنشن حربا على الإرهاب المحتمل ففوِضونا لنقوم بذلك، فخرج الكثير ليعطوا السيسي ما أراده من تفويض، خدعوا البعض فقالوا لهم أن المعتصمين من الإخوان ومناصريهم يقتلون بعضهم البعض ليَظهروا في صورة الضحايا، فصب الكثير عليهم جام غضبهم، خدعوا البعض فقالوا لهم يجب أن نحترم أحكام القضاء، فقاموا بإخلاء سبيل مبارك، وفي الغد القريب سيطلقون سراحه، ولو وضعوه لأيام تحت الإقامة الجبرية. وأنا أتساءل: هل أصبحت ثورة 25 يناير في خبر كان؟

لقد صدعوا روؤسنا بالحديث عن قضاء مصر "النزيه العادل" في عهد المخلوع وعهد المعزول. وفي عهد الانقلابيين يرددون نفس النغمة، قضاء نزيه وشريف يبرّيء ساحة مبارك الذي أجرم في حق الشعب المصري ثلاثين عاما، ويحاكم مرسي بتهمة قتل المتظاهرين، بينما وزير داخليته محمد إبراهيم، وهو أداة القتل المفترضة، باقٍ في منصبه في ظل حكومة الانقلاب – "الثورة".

ونحن نقول: إنها خطة ممنهجة تحاول أن تعيد الأمور إلى ما قبل 25 يناير، خطة ممنهجة تريد أن تجعل ثورة 25 يناير في خبر كان، خطة ممنهجة ستنفذ عقوبات جماعية لكل من شارك في ثورة 25 يناير إما بالقتل أو الاعتقال والتعذيب، تمامًا  كما فعل النظام الجزائري بعد الانقلاب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، حيث قام بعقاب المناطق التي أعطت أصواتها للجبهة في الانتخابات التشريعية بارتكاب المجازر في أهلها عن طريق فرق الموت التي اتستأجرها الانقلابيون، في عمل مخابراتي قذر اتضحت معالمه بعد ذلك، حيث كانت المخابرات الجزائرية تقوم بالأعمال الإرهابية وتنسبها للإسلاميين لتوجد المبرر لقتلهم واعتقالهم.

إنها ردة حقيقية على مساحة "الحرية" التي وفرتها ثورة 25 يناير، وعودة فجة للدولة البوليسية المخابراتية، التي تَعُد أنفاسك، وتراقب كل حركاتك وسكناتك، وأنت عندها متهم حتى تلفق لك الإدانة، دولة تحكمها قوانين الطواريء سيئة السمعة، دولة تُؤمِّن يهود وتنسق معها، وتتعاون معها حتى لو تعلق الأمر بقتل أبناء الأمة، ولا تخشى أن يُردِد على مسامعها أحد أن هذا حلال وهذا حرام. عودة ارتدادية لدولة الإعلام الموجه التي تقود الناس معصوبي الأعين لما تريد، يحشون عقول الناس بالتراهات والخرافات، إعلام يُقدس القائد، ويجعل منه بطلا قوميا ولو كان يقاتل طواحين الهواء، فبطولاته المزيفة حقائق لا تقبل الشك، ولعله من المفارقات الكبرى تشبيه السيسي قائد الانقلاب بالمقبور عبد الناصر، الذي ضاعت على يديه سيناء والضفة وغزة والجولان، وبرغم ذلك استطاع الإعلام أن يُخرج الناس إلى الشارع يهتفون بحياته. فنحن نرى اليوم عمليات قتل وسحل وحرق واعتقال، بينما الإعلام يهلل ويطبل ويزمر، والناس تصفق وكأنها معركة لتحرير الأرض من رجس يهود، ونرى رئيس وزراء معين نسي الناس أنه تقدم باستقالته احتجاجا على قتل عشرات أمام ماسبيرو، واليوم يبارك قتل الألاف ويثني على الشرطة والجيش خيرا بأن قتلهم وسحلهم كان رحيما، فيصفق له من عميت بصيرته وفقد مروءته. بل وأكثر من ذلك يُصور إعلام الانقلابيين الدكتور البرادعي، شريكهم في الانقلاب، بالخائن خيانة عظمى، عميل الإخوان، لا لشيء سوى لأنه رفض فض الاعتصامات بهذه الوحشية، وتتم إقالة مدير شركة المقاولين العرب من منصبه لأنه شهد عليهم أنهم من تسبب بحرق مقر الشركة في رمسيس، ويُعتقل صحفي أصابته قوى الجيش، وقتلت زميله في سيارته لأنه لم يسكت ولم يتكتم على جريمتهم.

ونرى في المشهد من أطلقوا على أنفسهم أنهم ثوار بالأمس، يباركون القتل، ولا يحركون ساكنا وهم يرون حكومة مؤقتة وكأنها حكومة لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، ثوار قالوا عن أنفسهم أحرار، وأنهم عازمون على إكمال المشوار، فإذا بنا نراهم على موائد اللئام، يطلبون ودهم ويحلفون بحياتهم. إنهم ليسوا ثوارا، ولا هم أحرار، ومشوارهم الذي يريدون إكماله هو إتمام علمنة الدولة، والمشاركة في الحرب على الإسلام، أقصد "الإرهاب". ربما أدرك هؤلاء الثوار المزيفون أن قائد الانقلاب يتحرك الآن بمنطق بوش الإبن الذي قال "من ليس معنا فهو ضدنا"، فأرادوا ألا يكونوا في الجهة الثانية، وآثروا السلامة.

هذا المشهد الهزلي لا يمكن قراءته بمعزل عن الفترة التي حكم فيها الدكتور مرسي، المرشح الإسلامي لمنصب رئيس الجمهورية، الذي ظل عاما كاملا يردد على مسامعنا احترامه لحرية الإعلام وأنه لن يقصف قلما ولن يغلق قناة، فكان هذا الإعلام الأداة التي ألقت به خارج السلطة، ورمت به وراء القضبان، كما ترك مؤسسات الدولة العميقة تحفر له الحفرة التي وقع فيها بالضربة القاضية، ومن ثم خرج من السلطة بعد عام لم يطبق حكما واحدا من أحكام الإسلام، بل عمق علمانية الدولة، وجعل منها غولا مخيفا، في وجه الإسلام وحملة الدعوة.

لا يمكننا إنكار أن هؤلاء الانقلابيين نجحوا في تشويه صورة حملة الدعوة عند قطاع كبير من أبناء الشعب المصري، وهذا ما سيساعدهم - ولو مرحليا - على إطالة أمد انقلابهم، ريثما يعود للناس رشدهم ويدركوا أنهم قد خُدعوا، فيرجعوا إلى أنفسهم، لقد علمنا أن هؤلاء أبناؤنا وإخواننا وأباؤنا وأمهاتنا، فكيف قبلنا أن نعاديهم ونتفرج عليهم وهم يُقتلون. 

سيعود الناس إلى رشدهم مرة ثانية، فمن استطاع أن يكذب بعض الوقت، لن يستطيع أن يكذب كل الوقت، حتى الإسلاميون الذين دخلوا اللعبة الديمقراطية، وظنوا أنها طريقتهم المثلى للوصول إلى الحكم، سيرجعون إلى أنفسهم ليدركوا أنهم كانوا تائهين ضائعين، يتوهمون السراب حقيقة، وسيدركون أن الدرب من هنا، من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ذلك الطريق الذي دللناهم عليه مرارا وتكرارا، ولكنهم لم يستجيبوا لنا، إلا بعد أن ضُربوا على رؤوسهم. سيدرك هؤلاء أن الخلافة هي الملاذ وهي النظام الذي يجب أن يؤسسوا له، وأن ما حدث في 3 يوليو أعادهم إلى أنفسهم وإلى شرع ربهم، وما حدث بعد ذلك اليوم من قتل وحرق واعتقال، سيكون كاشفا فاضحا لشخصيات وعلماء وحركات. قال تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأنفال:37]

قد تكون ثورة 25 يناير في خبر كان، ولكن ستولد ثورة من جديد تختلف عما قبلها، تعيد للأمة عزتها وكرامتها، فتكنس أنظمة الكفر وتلقي بها في مزبلة التاريخ، ولن يرضى الناس بعد ذلك عن الخلافة بديلا، وبغير شرع الله حكما، وحينها سندرك أن هذا الانقلاب كان فاتحة خير، فقد أعادنا على السكة الصحيحة.

إننا نُدرك أنّ نصرَ اللهِ آتٍ، وندركُ أن نصرَ اللهِ لا يأتي إلاّ بعد إخلاصٍ وعملٍ وتضحيةٍ، كما أننا ندركُ أنّ الله ابتلى مَن هم أفضلُ منّا مِنْ رُسُله عليهم السلامُ وأتبَاع رُسُله رضِي الله عنهم، وما أمرُ رسولنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وصحبِه عنا ببعيد ولا غريبٍ، فقد عانَوا ما عانَوا، وذاقوا المــُـرَّ لمِا ثبتوا عليه من طريق الحقِّ، حتى أكرَمهُم الله بدولةٍ أعز الله بها الإسلام وأهلَه، وكانت بحقٍّ رحمةً لكل البشر.