"فداء".. سيدة التآلف
"فداء".. سيدة التآلف
المثنى الشيخ عطية
من يعرف الإيجابية الإنسانية المشعة التي تتدفق كموجات أمومية حافلة بالاهتمام الصادق بالناس والحنان الدافق للوطن من عيني الدكتورة فداء الحوراني، أو " فدا " كما يسميها زوجها الدكتور الصديق غازي عليّان، يدرك ربما سبب ما رسمه بعض الكتاب لها من مكانة، مثل المفكر الدكتور عبد الرزاق عيد الذي أبدى خوفه الوطني السوسيولوجي من أن النظام السوري يقْدم باعتقاله لها على خطوة بغيضة في تدمير الذاتية السورية وتدمير معنى سوريا / التعدد والوطن، وأشار إلى الدلالة من اختيار 165 عضواً من ممثلي الشعب السوري لها كرئيسة لأكبر تجمع معارض نوعي في أيام سورية الحالية، وإلى فخره بسورية الولاّدة كما هي الدكتورة النسائية فداء وهو ينظر إليها " تقود هذا الاجتماع للكبار باقتدار تمتد ينابيعه وخصبه إلى زنوبيا بعد عملية تصحير للروح وتجفيف للينابيع امتدت على مدى أربعة عقود عجاف من تاريخ النظام الشمولي ".. ومثل الشاعر فرج بيرقدار بحساسيته الشعرية الصارخة أن النظام السوري يعتقل وردة سوريا الديمقراطية، ومثلي الذي يبحث عن روح الأمومة الكونية في النساء السوريات اللواتي وقّعن عريضة الاحتجاج على اعتقالها، فيسميها" سيدة التآلف "، بوعي لمخاطر لعبة إسباغ الألقاب التي أرجو أن لا تسيء لسيدة متواضعة بما يكفي أن يتغلغل العاصي نهراً دافقاً مثمراً بالخير إلى كل بيت سوري لفرط ابتسامتها، وبوعي لما تحمله هذه المرأة الوطنية البسيطة من رمز لجميع معاني تجاوز الخلافات والمصالح الضيقة والقلق والخوف داخل المعارضة السورية الوطنية الديمقراطية وداخل وطننا السوري الذي نحب..
من يعرف سعي هذه المرأة النبيلة مع مثقفي سوريا ومخلصيها من الوطنيين ومعتقلي الرأي، نحو تغليب قضايا الوطن العليا على المصالح الحزبية الضيقة، والطائفية المدمّرة، والعشائرية المتخلفة، التي تفرضها سياسات الاستبداد بالفساد والإفساد لتفتيت المجتمع والسيطرة عليه قبائل وطوائف وشيعاً ومذاهب، ربما يدرك ما ذهب إليه الوطنيون المتنورون مثل الناقد صبحي حديدي، بتثمينه لأدبيات مجلس إعلان دمشق التي كما يقول: " لم تكن ليبرالية ديمقراطية ولا ديمقراطية ليبرالية ولا ليبرالية وحشية ولا ليبرالية إنسانويّة ولا ليبرالية عدمية؛ وحسناً فعلتْ حين لم تتبدّ يسراوية أو قومجية أو إسلامولوجية.. و" كانت، ببساطة لعلّها أدهشت مدمني مضغ المصطلحات، بيانات ضدّ الاستبداد في المقام الأوّل، ومن أجل تطوير معنى المعارضة وأشكالها وأساليبها وطرائقها فضلاً عن السعي الجدّي إلى تعديل الكثير من البؤس السياسي والنظري واللغوي الذي شاب نصّ التأسيس ونصّ التوضيحات.. دون أن تتنازل عن تلك الرابطة الحاسمة بين الاستبداد والديمقراطية والمسألة الوطنية ".. وربما يدرك ما يجب أن يكون عليه المستوى الأخلاقي الوطني الذي ضرب به المثل مفكرون ديمقراطيون وطنيون مثل المفكر برهان غليون في دفاعه الرفيع عن مبادئ المجلس الوطني لإعلان دمشق، الذي كما يقول: " يمثل اليوم بصرف النظر عن أخطائه ونقاط ضعفه الكثيرة وتعثره هنا وهناك، الأمل الوحيد عند الرأي العام لنشوء معارضة ديمقراطية فعلية في البلاد تجمع بين مختلف أصحاب الرأي السياسي وتوحد جهودهم لتحقيق هدف التغيير الديمقراطي وعودة الحياة السياسية الطبيعية للبلاد "..
ومن يعرف ارتقاء هذه المرأة الوطنية وسليلة الأسرة الوطنية بمستوى الخلاف معها ومع أسرتها إلى مستوى الاختلاف والتآلف.. يفهم ربما تجربة النظام الاستبدادي القمعي في بداية الثمانينات وألعابه وسياساته في تفتيت الأحزاب السياسية والمعارضة الوطنية الديمقراطية السورية وعزل أحزابها ومناضليها على اختلاف أطيافهم السياسية وتخويفها باتهامات الخيانة والعمالة والتشريد والسجن والموت.. ويفهم ربما ما يقوم به النظام الآن من حملات تشويه واتهامات رخيصة بالعمالة تتناول رموز إعلان دمشق وعلى رأسهم الوطني الكبير وضمير سورية رياض الترك الذي لاتدع سيرته الوطنية وأخلاقه الرفيعة وتصريحاته العلنية مجالاً للتشكيك بصدقه ووطنيته.. كما يأخذ ربما عبرة بسيطة ودلالات عميقة عن جنون هذا النظام لتجاوز هذه المعارضة أمراضها في نتائج ما وصل إليه المجلس الوطني لإعلان دمشق من كسر للمحظورات في التآلف، وارتقائها بأصلها التجمع الوطني الديمقراطي المثخن بجراح التخالف من آفاق الأحزاب السياسية المحدودة إلى آفاق الشعب السوري اللامحدودة بتغيير وطني ديمقراطي حقيقي..
الدكتورة فداء الحوراني، لمن عرفها من جيران وأصدقاء هي ابنة الحي والحارة والمستشفى، الإنسانة البسيطة التي تبذر المحبة والتسامح والأمل أينما ذهبت وكيفما تصرفت إلى درجة أن تتمنى النساء السوريات أن تكون فداء ابنتهن أو أمهن أو أختهن أو حماتهن أو نموذجهن..
وهي لمن عرفها من سياسيين أصدقاء ومن خصوم شرفاء، ابنة السياسة الوطنية السورية والمجتمع المدني السوري وحقوق الإنسان، وابنة التغيير الوطني الديمقراطي التي اختارها من هم أطول منها باعاً في السياسة وتاريخية النضال ورمزية الوطن والقيادة رئيسة لمجلس إعلان دمشق في تأكيد واضح للداخل والخارج أن عملية التغيير التي يتبنوها هي كما يؤكد الناقد صبحي حديدي: " عملية سلمية متدرّجة، تساعد في سياقها ونتائجها على تعزيز اللحمة الوطنية، وتنبذ العنف وسياسات الإقصاء والاستئصال، وتشكّل شبكة أمان سياسية واجتماعية تساعد على تجنيب البلاد المرور بآلام مرّت وتمرّ بها بلدان شقيقة مجاورة لنا كالعراق ولبنان وفلسطين، وتؤدي إلى التوصّل إلى صيغ مدنية حديثة توفّر الضمانات الكفيلة بتبديد الهواجس التي يعمل النظام على تغذيتها وتضخيمها وتحويلها إلى أدوات تفرقة بين فئات الشعب، ومبرّراً لاستمرار استئثاره بالسلطة "..
وهي جميع هؤلاء المثقفين البسيطين الشرفاء من معتقلي الرأي الذين يرفعون رأس وطنهم، ويقدرهم شعبهم مثل: عارف دليلة، ميشيل كيلو، أنور البني، كمال اللبواني، فائق المير، أكرم البني، غسان النجار، أحمد طعمة، جبر الشوفي، علي العبد الله، وليد البني، ياسر العيتي، فايز ساره، وجميع معتقلي الرأي والضمير الوطني الحي في سوريتنا العصية على الموت..
وهي ربما من ستدفع روح التآلف فيها وفي رفاقها المعتقلين من أحبوا مراجعة تجربتهم فجمّدوا أنفسهم عن إعلان دمشق مثل حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي، وحزب العمل، إلى الارتفاع فوق المصالح الضيقة والخلافات المفرقة، وفكّ تجميدهم من أجل الهدف الكبير الذي يعملون هم أنفسهم لأجله.. حيث أن المصلحة الوطنية تتطلب الآن أكثر من أي وقت مضى الوقوف إلى جانب رفاقهم في الاعتقال، وإلى جانب وطنهم في محنة تغييب أنبل مثقفيه..
الدكتورة فداء الحوراني التي أدعوها بـ " فدا " ترميزاً للأم وللأخت ولسوريتنا الأسيرة ولديمقراطية حلمنا، ولتعزية صديقنا وابن صديقنا بأن الزوجة والأم التي يقلقان عليها الآن داخل المعتقل هي في عين وطنها سوريا.. هي " فدا " إعلان دمشق الذي أعلن أن الإعلان:
" دعوة مفتوحة لجميع القوى والأفراد، مهما اختلفت مشاربهم وآراؤهم السياسية وانتماءاتهم القومية أو عقائدهم أو وضعهم الاجتماعي، للالتقاء والحوار والعمل معاً من أجل الهدف الجامع الموحّد، الذي يتمثّل بالانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلي نظام وطني ديمقراطي ".. وهي " فدا " مجتمعنا الأسير الصابر المكبّل بالأغلال، هي " فدا " سوريتنا الديمقراطية الحرة العصية على الإذلال.