راح فين الريس ؟. الريس فين ؟

كاظم فنجان الحمامي

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

كلنا نردد هذه العبارة منذ زمن بعيد, وكلنا نبحث عن السيد الرئيس حفظه الله ورعاه, فنفتش عنه باللهجة المصرية الساخرة, التي نطق بها المخلوع حسنى في خضم بحثه عن سلفه المصروع في ساحة الاحتفالات عندما لعلع رصاص الاسلامبولي متجها نحو صدر السادات, فانتقلت عدوى تلك الصيحة التي أطلقها مبارك وهو يبحث عن الرئيس تحت ركام الكراسي المقلوبة. .

صرنا في العراق نردد العبارة نفسها كلما اهتزت الأرض تحت أقدامنا بتفجيرات المفخخات الحاقدة, والعبوات الناسفة, نتساقط يوميا بالمئات في ملحمة دموية لا نعرف فيها عدونا من صديقنا, في الوقت الذي يسجل فيه السيد رئيس الجمهورية غياباً طال أمده, فلم نسمع منه كلمة مواساة, ولا عبارة شجب, ولا برقية عزاء للأسر المنكوبة. .

يتطاول علينا رؤساء الدول المجاورة والمحاذية والمعادية, وتتغلغل القوات التركية شمال حدودنا, وتعبث بدباباتها فوق أرضنا, فتتجول بين جباله ووديانه بأمر السلطان الأناضولي أردوغان, ورئيسنا غائب. .

تتعمد إيران تجفيف أنهارنا وطمر جداولنا, فتتسبب في موت حقولنا وتعطيشها, ورئيسنا غائب. .

تتدهور أوضاعنا الأمنية, فتتبعثر أجسادنا في المساجد والكنائس والأسواق والساحات, ونضج بالعويل والبكاء والصراخ من دون أن يسمعنا الرئيس حفظه الله ورعاه, فرئيسنا لا ينفعل, ولا يرد على الانفعال, ولا يشتعل, ولا يساعد على الاشتعال, وكأنه لا يكترث بما آلت إليه أحوالنا المزرية من حال إلى حال. .

لقد تهشمت أضلاعنا بمعاول الميليشيات الطائفية, وطحنتنا بلدوزراتها المسلحة بالعنف, وطغى علينا طوفان الفساد الإداري, فغرقنا في بحار الوعود المتلاطمة بالأكاذيب, ولم تنتشلنا سفينة الرئيس الغائب الحاضر, فاعتصم من الطوفان بجبال السليمانية, فناديناه بصوت واحد: أن لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رَّحِم.

قالوا: الرئيس يرقد منذ أشهر في مشفاه, لكننا لم نسمع من الإذاعات, ولم نقرأ في الصحف عن زيارة رسمية أو ودية أو خاصة قام بها الوزراء أو أعضاء البرلمان للاطمئنان على وضعه الصحي, وكأنهم لا يعرفونه, أو كأنه لا يعرفهم, حتى الفضائيات والقنوات التلفزيونية المحلية والعالمية لم تشر إليه بأخبارها العامة, ولا برسائلها المرئية المكتوبة أسفل الشاشات. .

ترى ما الذي يمنع ديوان الرئاسة الموقر من إشعارنا من وقت لآخر بتحسن صحة مولانا السيد الرئيس حفظه الله ورعاه, وأطال بعمره وأبقاه, وأعانه على بلواه, ولا ندري حتى الآن هل أصبح قادراً على ممارسة مهامه الدستورية على الوجه الأكمل ؟, وهل سيمارس دوره في الأيام القليلة القادمة ؟. أو في الأشهر الطويلة القادمة المضافة إلى الأشهر الطويلة الماضية ؟. وهل عقمت أمهات العراقيين فلم يقدرن على إنجاب الرئيس البديل المرتقب ؟.

بالأمس القريب شاهدت جندياً كردياً يقف أمام ملصق كبير في إقليم كردستان يصف السيد الرئيس بصمام أمان وحدة العراق, فهل غيابه هو السبب المباشر لتزايد ضراوة التفجيرات التي عصفت بنا وبمدننا ؟. وهل يعني فقدانه, أطال الله في عمره, سيحرمنا من الأمن والأمان الذي نعيشه اليوم وسط البراكين المتفجرة بالعبوات المصنعة محلياً والمستوردة من الأقطار والمنظمات العربية والإسلامية الحاقدة علينا؟. .

أي أمان هذا الذي نتجرع مرارته, ونتحمل قساوته, ونواجه ضراوته, وترهبنا شراسته, وتخيفنا عدوانيته, وترعبنا همجيته, وأي أمان هذا الذي نعيش تفاصيله المميتة منذ عقد من الزمان ؟. وأي بحبوحة هذه التي نتجرع فيها الموت غصة بعد غصة ؟. وأي مستقبل ينتظرنا في ظل غياب صمام أماننا المزعوم ؟؟. . .