إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في مصر

مؤمن محمد نديم كويفاتيه

إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في مصر

فعلينا أن نعرف ما جرى في سورية

بالثمانينيات وانقسام الأمّة

مؤمن محمد نديم كويفاتيه

[email protected]

"مايجري في مصر لن يكون انعكاسه عليها فحسب بغية انقسامها وتفتيتها بل الانقسام سيشمل مساحة الوطن العربي والإسلامي ، وهذا مايرمي إليه المغرضون ، الذي يتوزع على أراضيهم على الدوام كتلتان كبيرتان الإسلامية والعروبية بأقسامها المتعددة ويُريداها أن تتصارعا حتّى تنهار الأمّة بكاملها ، وهذا المخطط لانجهله ، وخاصة بعد التقارب الكبير مابين المُعسكرين الاسلامي والعروبي بأجنحته المتعددة ، حتى قارب أن يؤتي أُكله وهم اليوم يُريدون أن يضعوا الإسفين الأكبر لتعميق الهوّة بين ابناء الوطن الواحد ، وامتداداته على مستوى العالم العربي والإسلامي " هذه مشكلة الشعوب ، قلبي على قلب ولدي وقلب ولدي على حج ، وقصة تجهيله على مدار قرن ، وقد تعوّد على القيود"

قولة الحق لانهابها أبداً هكذا تعودنا ، وماجرى في 30 يونيو قلنا عنه انقلاب بكل وضوح ، ومخطئ من يقول أن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو من يُدير الأمور في مصر ، بل هم ثُلّة متآمرة وقوّة خفيّية عميقة هي التي تُحرك الأمور في اتجاه التفجير والخطأ ، وضعت السيسي في وجه المدفع وسيندم للتاريخ على فعلته، وسرعان ماسينقلب عليه من دفعوه ، وسيسجل التاريخ فعلته ، ولقد تابعت السيسي من أول يوم ظهر فيه ، منذ وثق به الرئيس الشرعي محمد مرسي ، وفيما بعد جاءت تلك القوّة المتنفذة فأغرته ترغيباً أو ترهيبا ، إما أن تفعل ماهو مُدّبر أو نضعك في الباي باي ، وفتحوا له الخزائن ، وأروه مقعده من الرئاسة ليلبسها بدلاً من الرئيس مرسي ، وقالوا له ألست أنت الأحق بها ؟ ومن تحته عصبة تعمل ليل نهار لأهدافها الغامضة ، بينما السيسي راحت أنظاره للرئاسة ، حتى صرح الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بأن السيسي لايطمع بالرئاسة ، وإذا ماجرت إنتخابات فمن حقه أن ينزع البدلة العسكرية ويتقدم اليها ، فلقي من الردات الفعل الصادّة والصادمة له فتراجع ، وهي مكيدة وُضعت له لغفلته ، ليتقدم فيما بعد الجوكر أو من يُمثله ، لإعادة مصر الى حظيرة الاستبداد والعهود السابقة ، وكل هذا الذي يجري بالطبع لايصب في مصلحة مصر ولا المصريين ، بل في صالح القوى العميقة المرتبطة بالخيوط الخارجية ، وبما يخدم مصالحه المشتركة لا أكثر ولا اقل ، وربما يكون رأسها في مصر محمد البرادعي أو محمد شفيق من بقايا النظام البائد " الفلول " ، وإذا مافكرنا ملياً لنتسائل لمصلحة من أن تُعدم الديمقراطية في مصر ، ولمصلحة من أن تعود سلطة العسكر أو من يوجههم ، ولمصلحة من أن تعود المحاكمات التعسفية وتمتلئ السجون مرّة أخرى ، ولمصلحة من تراق الدماء ، ولمصلحة من أن تُدرج مصر من جديد من الدول المنتهكة لحقوق الإنسان ومحاكمة الصحفيين وإغلاق القنوات ، تماماً كما فعل المجرم السفاح حافظ الأسد الذي حكم من وراء جدار منذ 1967 بعد تمكينه من السلطات إثر بيعه للجولان ، الى عام 1970 إذ ظهر على السطح ، بعدما وضع أمامه الدمية نور الدين الأناسي يُحركها كيفما شاء ، ثُمّ أودعه السجن بحجّة الفساد ولم يخرج منه إلا ميتاً ، ومن ثم نصّب مكانه رئيس مجلس الدميه ، والمُسمّى بمجلس الشعب لمدة ستة أشهر ، ليظهر على العلن كمصحح ، ، ليبدأ سياسة تكريس الذات والاستبداد بالأمر ، كما صرّح صديقه آنذاك سفير سورية في الأمم المتحدة حمود الشوفي ، أن هناك عشرون ألف من ذو التأثير على المستوى السوري ، سنعمد الى كسبهم بالمناصب والمال ، والكثير من هذه النخبة سيقبل ، وأمّا الباقي فهناك سجون تسعهم ، وبعد سنتين غيّر الدستور وفصّله على مقاسه ، وفيما بعد قاد تجربة السيسي التي يُديرها اليوم ، بعد أن حشد المجرم حافظ القوى السياسية العلمانية والليبرالية في الثمانينيات ضد الإسلاميين والإخوان المسلمين والنقابات المهنية ، وما إن صفّاهم انتقل للاستفراد بكل حزب ومجموعة وأفراد ، وكمم الأفواه وتأله واستفرد بسورية كأعتى طاغية ليس له مناوئ ، ومن ثم صار الجميع في دائرة الإتهام والقبضة الحديدية

 

وقد استطاع المجرم حافظ الأسد آنذاك الاستفادة من اخطاء الإسلاميين في الصراع القائم مابين الإسلاميين من جهة والعلمانيين والليبراليين من الجهة الأخرى الإسلامية بعد تعزيز الفرقة بينهما من العصابة الحاكمة ، مستخدماً في ذلك سياسة فرّق تسد ، وهي نفس القصّة التي تجري وقائعها الآن في مصر ، وميل الجيش الى الجهة الثانية على الأولى ، فلم يكن نزيهاً كما يتصوّر البعض ، بدلاً من ان يكون على الحياد وعنصر إصلاح مابين الطرفين ، بل لم يكن بيان السيسي اليوم ومهله المتلاحقة المرفوضة بالصيغة الملقاة والاستفزازية ، وأخرها ما سمّاه بالفرصة الأخيرة لأقول له يعني حتعمل إيه ، وهو ليس أكثر من التوعد بالقتل ليُكتب عنه بالقاتل ، وبالتالي فإن مهله لاتصلح لإدارة الحياة السياسية ، وكأنها أوامر بتسير القوافل العسكرية ، وما هي بأكثر من دعوة للحرب الأهلية والتصميم عليها ، مستفيداً من حالة الشقاق مابين الطرفين ،وهو يُذكرني بخطاب السفّاح بشار الأسد الثاني بعد بدء الثورة بقوله : "وإن أرادوها الحرب فهي الحرب " الحرب على من ! وأي إرهاب سيواجه ؟ ومن الذي يُضرب ؟ ومن الذي يضرب بالخرطوش ، وهو يقول : لابد من نزول الشرفاء يوم الجمعة ليُعطوه التفويض لمواجهة الإرهاب ، ولا ندري هل لمواجهة الإرهاب ؟ ام ليعطوه التفويض بالقتل ، ولما يُطلق على المتظاهرين المؤيدين له بالشرفاء ، وهل الفريق الآخر خونة ومارقين ويجب القضاء عليهم واستئصالهم كما صرّح أحد اهم القوى العميقة المُتهم بالفساد محمد شفيق ، وجعله أمراً واجباً ، فمن هذا الشفيق ، ومن أعطاه صلاحية الإستئصال ، وهو بكلامه هذا ليس أكثر من مجرم إرهابي ويدعو الى الحرب الأهلية والانقسام ، هذا الانقسام لن يكون على مستوى مصر فحسب ، بل سيكون على مساحة الوطن العربي والإسلامي ، وهذا مايرمي إليه المغرضون لاصطدام الكتلتان الكبريتان لتتصارعا حتّى تنهار الأمّة بكاملها ، كما أوقع الاستعمار القوتان الكبريين أيام العثمانيين بين الإنكشاريين الفاتحين ، وبين الجيش المستحدث على الطريقة الغربية ، اللذان كانا قوّة الدولة وهيبتها ، وعندما تصارعا انهارت الدولة العثمانية وتفتتت وانقسمت ، وفيما بعد أُدخل عليها صراع القوميات فذهب ريحها ، وهذا المخطط لانجهله ، وخاصة بعد التقارب الكبير مابين المُعسكرين الاسلامي والعروبي بأجنحته المتعددة ، حتى قارب أن يؤتي أُكله بالنفع على الأمّة ، لنعود للوراء ، وبات العالم اليوم يحبس أنفاسه عمّا يجري في مصر ، بدلاً من توجه الأنظار الى سورية المرتهنة لأعتى عصابة عرفها التاريخ الإنساني ، والتي لم تترك أي نوع من السلاح توفره في قتل الشعب السوري وتدمير مدنه وقراه وحتى الكيماوي والجرثومي ، وهذه العصابة الأسدية اليوم تستغل انشغال العالم بما يجري في مصر لتكثيف نيرانها الجنونية الهستيرية في هذه الأيام ، ليرتفع عدد القتلى الى مائتين يوميا ، ومذابح بشعة تُرتكب لتضاف الى أعداد القتلى بالتضاعف ، ، وفد أُحصي من أول رمضان ليومنا هذا 2000 قتيل ، وباعتراف الأمم المتحدة أنه تجاوز العدد المائة ألف قتيل ، وهو أكثر بكثير ، ماعدا أضعاف أضعافهم من الجرحى المفقودين ، ناهيك عن تشرد نصف سكان سورية مابين الداخل والخارج ، وتدمير البلد وهذا مايجب الانتباه عليه 

 

وأخيراً وفي آخر النفق بصيص أمل ، لأرحب بالدعوة للانضمام الى مشروع المصالحة الذي دعى اليها الجنرال السيسي مع عدم رؤيتي بجديّة فيها بعد إصدار التهم المُعلبة وتلفيقها على الرئيس مرسي ومن معه ، وهو سمّى مبادرته بما دعاها بالانضمام الى الصف الوطني ، في إشارة الى تخوين الطرف الآخر ونزع الوطنية عن مخالفيه، والى مبادرة رئيس الوزراء الأسبق هشام قنديل ، وأراهما فرصة للتقارب واستغلالهما إن صدقت النوايا ، وتتضمن الإفراج عن جميع المعتقلين من يوم 30 يونيو ، وإرسال وفد لزيارة الرئيس مرسي للاطمئنان عليه، بعدما راجت شائعات عن صحته ومحاولة تصفيته بدعوى موته بسكتة قلبية ، ووقف الهجوم الإعلامي المستعر بين الطرفين ، وتشكيل لجنة تقصي الحقائق مستقلة للتحقيق بما جرى من إراقة الدماء ، وتجميد جميع القضايا وتجميد الأموال ، وعدم الخروج بمسيرات ، والإلتزام بالتظاهر في أماكن مُحددة ، ولكن إلى الآن لامؤشرات جدّية لاتباع القول العمل ، سوى تصريحات جوفاء لذر الرماد بالعيون ، بقصد التسويق الخارجي ، وقد شهدنا اليوم تفريق اعتصام بالقوة في مسجد القائد ابراهيم في الإسكندرية ، وذهاب قتلى وجرحى ، وقتلى وجرحى في القاهرة ومناطق متفرقة بمصر ، ولم نرى أي مخرج للأزمة سوى مادعى إليه السيسي ومن وراءه للمزيد من سفك الدماء.

ملاحظة : نُعلن عن تضامنا الكامل مع مراسل الجزيرة مباشر السيد حسين محمد بركة وجميع الصحافيين ، وكل من صار مُهدد في مصر تحت البسطار العسكري ، وتضامنا مع كل القنوات المُغلقة ، ومع كل المعتقلين تعسفاً بعد 30 يونيو وعلى رأسهم الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي الذي هاجمنا في وقت من الأوقات سياساته ، ونحن ننضم اليه من الناحية الإنسانية والمبدئية بثباته على حقّه الشرعي ورفض حكم العسكر والدولة العميقة.