ثقافة الانقلاب... وانقلاب الثقافة

عبد الرحمن يوسف بريك

عبد الرحمن يوسف بريك

الشواشنة / الفيوم /مصر

[email protected]

كنا – قديماً – نتندر باختلاف المعايير في قضية واحدة بقصة الشيخ الذي استفتاه أحد مريديه عن حكم الدين في كلب بال على حائط فقال له : تهدم وتبنى سبع مرات ، فقال السائل ( وكان جاراً له ) : إنها الحائط التي بين بيتي وبيتك ، فقال : قليل من الماء يطهرها .

تذكرت هذه القصة بعد الأحداث الأخيرة التي تشهدها مصر هذه الأيام – يوليو 2013 - ، وبعد أحداث 30 يونية الماضي من خلع الرئيس المنتخب محمد مرسي بانقلاب عسكري جمّلته بعض الوجوه المدنية والدينية ، وما تلا ذلك من حملة اعتقالات ممنهجة ومدعمة من النائب العام عبد المجيد محمود الذي أعيد لأيام لينتقم ممن أزاحوه ، فأدى مهمته على أكمل وجه ثم رحل ، ثم المجزرة التي ارتكبها الحرس الجمهوري بقتل أكثر من خمسين من شباب مصر أثناء صلاة الفجر ، ناهيك عن الحملة الممنهجة في الإعلام لوصم الإخوان المسلمين بكل نقيصة وأنهم سبب الخراب الذي حل - أو كاد – بمصر وأنهم إرهابيون إلى غير ذلك من التهم الجاهزة والمعلبة التي يلوكها إعلام الانقلاب طوال اليوم وعلى مختلف قنواته ومواقعه الألكترونية وصحفه .

وأمام هذا المشهد أقف عند عدة نقاط :-

الأولى : أننا الآن في فترة انتقالية للعودة إلى ما قبل 25 يناير بشكل يستمد قبوله – ولا أقول شرعيته – من الشارع الذي أريد له أن يكفر بثورته التي قام بها منذ عامين ونصف ضد النظام الذي أذله وانتهك حريته وكرامته ، رأى الجيش في ثورة الشعب أنها أزاحت عن كاهله شبح التوريث ، لكن الجيش يأبى أن يكون بعيداً عن السلطة ، فكان لابد من خطة محكمة ، بدأها الجيش في انتخابات الرئاسة بأن أزاح أقوى المرشحين – حازم أبو إسماعيل وخيرت الشاطر – بتمثيلية هزلية جعل أحد مخرجيها عمر سليمان مدير جهاز المخابرات الأسبق ، وسمح لأضعف الحلقات في المرشحين الإسلاميين – د. محمد مرسي - بالتواجد ومن ثم النجاح ، ثم لعب الجيش ومعه جهاز المخابرات لعبته بمخطط الإفشال للرئيس المنتخب ، أضف إلى ذلك التخبط الواضح في قرارات الرئيس مرسي وضعف إدارته عن حل أزمات الشعب العاجلة أو حتى مصارحة الشعب بالحقائق المرة عن مخطط الإفشال ، مما ساهم في غليان طبقة كبيرة من الشعب ، وساهم المخطط الإعلامي في تزكية هذه الروح الثائرة ، مما أعطي قبولاً لدى الشارع وخاصة في المدن وأهمها القاهرة العاصمة للخروج بكثافة يوم 30 يونية ضد الرئيس مرسي الذي لم يفطن مبكراً لما يحاك له ، بل ظنها – ومعه قادة الإخوان – مجرد تظاهرة وتمضي ، ولا أقول انتهز الجيش الفرصة ، بل أقول سارت الأمور كما خطط لها قادة الجيش فأعلن بيانه في 3/7 بتنحية مرسي ، وعمت الفرحة الكثير من مدن مصر وقراها بصورة قد تكون أكبر من الفرحة بثورة 25 يناير ، وبارك الشعب – أو الكثير منه – ما فعله الجيش ، وتحقق للعسكر ما أرادوا ، العودة تحت مظلة وجوه مدنية إلى حين ثم احتلال قمة المشهد السياسي بعد ذلك بوجوه عسكرية متقاعدة لتعيد العسكر من جديد – وبمباركة الشعب هذه المرة – إلى السلطة ويتحقق لهم ما أرادوا وما خططوا له.

الثانية : أن الكثيرين ممن قاموا بالتظاهر ضد مرسي في 30 يونية - وجلهم من الشباب - ، بل وباركوا الاجراءات الانتقامية التي تتم ضد قيادات الإخوان ، لا يدركون أن الدائرة ستدور عليهم وسيصبحون وقوداً للنار التي أشعلوها :

كيف تنظر في يد من صافحوك

فلا تبصر الدم في كل كف ؟

إن سهماً أتاني من الخلف

سوف يجيؤك من ألف خلف

فالدم الآن صار وساماً وشارة

إن العسكر اليوم يتغدون بالإخوان ، وغداً سيتعشون بالشباب الثائر إن وقف ضد مشروعهم ، ويومها يعرف هؤلاء الشباب أنهم أكلوا يوم أكل الثور الأبيض .

الثالثة :  أن النظرة إلى الأمور أخذت مكيالين :

-         فالمساعدات القطرية لمصر في عهد مرسي كانت تسولاً وبيعاً للإرادة الوطنية ولقناة السوبس ، بينما أنهار الأموال التي تتدفق من السعودية والإمارات والكويت ، بل ومن قطر نفسها بعد 30 يونية هي وقفة الإخوة مع الشقيق الأكبر .

-         التحقيق مع أي إعلامي في عهد مرسي كان مصادرة لحرية الصحافة والإعلام بينما غلق قنوات واعتقال العاملين بها بعد 30/6 مجرد اجراء احترازي لسلامة الوطن .

-         إحالة أي ناشط سياسي للتحقيق كان استبداداً في عهد مرسي بينما اعتقال المئات من كوادر الإخوان وقياداتهم بعد 30/6 هو إجراء قضائي لقضاء حر ونزيه .

-         صفع صحفية على الوجه أمام مكتب الإرشاد في عهد مرسي قامت له الدنيا ولم تقعد ، بينما قتل الساجدين بدم بارد أمام الحرس الجمهوري بالعشرات بعد 30/6 دفاع مشروع عن مؤسسة وطنية وعسكرية من ( الإرهابيين ) .

كنت أنتظر من أولئك الذين ثاروا على مرسي في 30 /6 كلمة واحدة أو احتجاجاً واحداً عما يتم بحق الإخوان اليوم من اعتقال وقتل وتشويه صورة في كل وسائل الإعلام ، ساعتها كنت سأرفع لهم القبعة احتراماً وأقول - بالفم المليان - : الله على الثوار ....... يثورون دائماً ضد كل ما يعيق الحرية أو يكبلها ، لكن – للأسف – خرست الألسنة بل وفرحت القلوب لما يصيب الإخوان اليوم ، فيا حمرة الخجل ..... أين وجهك ؟؟!!

الرابعة :  إن الجميع اليوم يتساءل : ما المخرج ؟ هل وصلنا إلى طريق مسدود ؟ التصعيد متواصل من الجانبين ، من الحاكمين اليوم وهم العسكر وإن اختفوا خلف وجوه مدنية ، ومن الإخوان بالتصريحات النارية – وأحياناً غير المسئولة - من فوق منصة رابعة العدوية  ........ إلى متى تستمر حالة الانسداد السياسي والمجتمعي في مصر ؟ أقول – كما قال نزار قباني - :

إن من بدأ المأساة ينهيها

وإن من فتح الأبواب يغلقها

وإن من أشعل النيران يطفيها

الخامسة : إياً كانت الطريقة التي ينتهي إليها المشهد السياسي المعقد والمرتبك هذه الأيام فإن لي كلمات لأبناء الشهيد حسن البنا ، إننا بحاجة اليوم – أكثر من أي وقت مضى – للوقوف مع النفس وتقييم المرحلة الماضية منذ 11 فبراير 2011 وحتى اليوم ، وقفة حساب عن الإيجابيات والسلبيات خلال تلك الفترة ، وقفة من أعلى المشهد لا من داخله حتى نرى المشهد كاملاً فيكون التقييم دقيقاً ومنصفاً ، وليس هناك عيب في الاعتراف بالأخطاء التي تمت خلال تلك المرحلة والعمل على إصلاحها ، ووضع استراتيجية جديدة أكثر انفتاحاً ومرونة وبوجوه تلقى القبول لدى الشارع وتتفهم طبيعة المرحلة والمهام العاجلة المطلوب إنجازها ، وعدم التسرع في الخطوات واستباق المراحل كما قال الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس : " أيها الإخوان المسلمون وخاصة المتحمسون منكم والمتعجلون : اسمعوها مني كلمة عالية مدوية في مؤتمركم هذا الجامع ، إن طريقكم هذه مرسومة خطواتها ، محددة معالمها ، قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك من طريق غيرها ، فمن استعجل الثمرة وأراد قطفها قبل أوان القطاف فليبحث له عن طريق آخر ، ومن انتظر حتى تنضج الثمرة فله وإيانا إحدى الحسنيين : إما النصر والتمكين أو الشهادة والجنة " .   

أخيراً أقول : ليس هناك في المشهد الحالي كاسب وخاسر ، بل الكل خاسر ، والخاسر الأكبر هو وطننا الحبيب مصر ، سواء استمر العسكر بوجوه مدنية حيناً وعسكرية بعد ذلك ، أو انقلب المشهد لصالح الإخوان والرئيس المنتخب محمد مرسي فإن الانقسام قد حدث والاستقطاب بلغ مداه ، فأين المفر ؟؟؟ وكيف الخلاص ؟؟

هذا سؤال ..... سوف تجيب عنه الأيام القادمة .