والقول ما قال كيسي
على هامش مؤتمر تجمع من أجل الحرية/2
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
كان الوفد الأمريكي الذي حضر تجمع من أجل الحرية التي نظمته منظمة مجاهدي خلق في باريس للفترة 20 ـ24 شهر حزيران الماضي من أكبر الوفود المشاركة. حضر منهم شخصيات مهمة كجونز مستشار الأمن القومي للرئيس اوبام،ا ونيوت غينغريج الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي ومرشح الرئاسة الأمريكية عام (2012)، وايد رندل رئيس الحزب الديمقراطي (2001-1999) وحاكم بنسلوانيا (2011-2002) ووفد كبير من أعضاء الكونغرس الأمريكي وعدد من القادة العسكريين السابقين منهم هيو شلتون والجنرال كورج كيسي رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي وقائد قوات الائتلاف في العراق(2007-2004)، والجنرال جاك وايلد مساعد قيادة القوات الأمريكية في اوربا، والجنرال جيمز كانوي قائد قوات المارينز(المشاة البحرية/34)، والعقيد وسلي مارتن القائد السابق لمكافحة الارهاب لقوات الائتلاف في العراق ومسؤول الحماية الأمريكية لمخيم أشرف. ومن البرلمان الاوربي شارك آلخوفيدال كوادراس نائب رئيس البرلمان الاوربي، واستراون استيفنسون رئيس هيئة العلاقات مع العراق في البرلمان الاوربي. علاوى على العشرات من الوزراء والبرلمانيين وشخصيات دولية وعربية معروفة. وأشارت مصادر فرنسية بأن عدد حضور للمؤتمر تجازو المائة ألف شخص(نعتذر عن الرقم السابق الذي ذكرناه في المقالين السابقين).
وقد فجر الجنرال كيسي القائد السابق للقوات الأميركية في العراق بين هذا الحشد الهائل مفرقعة شديدة في كلمته يوم 22/ 6/ 2013 بأن النظام الإيراني الحاكم "متورط بتنفيذ التفجيرات التي استهدفت مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، مما أدى إلى إشعال "الفتنة الطائفية" في العراق، وإتهم طهران بأنها "مسؤولة عن أغلب الهجمات المسلحة في العراق التي تستهدف المواطنين الأبرياء". معزيا ذلك بأن "إستهداف مرقدي الإمامين العسكريين ما هو إلا جزء من مشروع لإشعال الفتنة الطائفية في العراق". وجاءت الكارثة بقوله" قمت بتبليغ نوري المالكي، بتورط طهران بالهجوم الذي استهدف مرقدي الإمامين العسكريين". بمعنى إن الحرب الأهلية التي حصدت عشرات الآلاف من العراقيين هي من إفتعال نظام الملالي وبمعرفة وتغاضي المالكي واقزام الولي الكريه في العراق.
وقبل تحليل حديث كيسي لنرجع خطوة إلى الوراء وتستذكر بعض ما جرى علم 2006. فقد أشارت الأخبار بأن عددا من رجال الشرطة أو ممن يرتدي زيهم من تنظيم التوحيد والجهاد، التابع لتنظيم القاعدة إقتحموا العتبات المقدسة في الثاني والعشرين من شباط عام 2006 وأسروا أفردا الشرطة المكلفين بحماية العتبات وإقتادوهم لمكان بعيد عن التفجيرـ أي حرصا على حياتهم من قبل أعدائهم ـ ثم فجروا المرقدين. وإنطلقت حناجر السيستاني وعبد العزيز الحكيم وجلال الدين الصغير وحازم الأعرجي ومقتدر الصدر ـ لاحظ جميعهم من عملاء نظام الملالي ـ محرضة جمهور الغوغاء بالإنتقام من أهل السنة وتحميلهم جريرة الفعل الشائن قبل أن تبدأ التحقيقات الرسمية في الجريمة. أي الفعل مخطط له وهؤلاء الشراذم الضحلة على معرفة به، وقد إستعدوا له كل الإستعدادا. وكانت الأدوار موزعة بطريقة مخابراتية ماهرة. ولا علاقة للصدفة بسرعة تنظيم التظاهرات والجرائم التي أعقبتها. حتى عمامة الإمام علي الهادي وسيفه ودرعه التي كانت محفوظة في أحد سراديب المرقد قد هُيأت للمتظاهرين لكي يطوفوا بها ويثيروا مشاعر الغوغاء. إستمرت الحرب الأهلية لأكثر من عام وحصدت عشرات الإلوف من الناس الإبرياء الذين قتلوا على الهوية وكان للجيش والشرطة العراقية موقفا مشينا من خلال تراصفهم مع المليشيات الإجرامية بدلا من أن يقوموا بواجبهم الوطني بحماية الأرواح من كل الأطراف وفرض الأمن والقانون على الجميع. بالتأكيد كات خسائر أهل السنة أضعاف أضعافها من الأخوة الشيعة لأن الدولة بمؤسساتها الأمنية وقفت مع الميليشيات الشيعية وشجعتها على القتل والخطف وتدمير الجوامع والإستيلاء عليها وحرق العديد منها كإنها بيوت السنة وليس بيوت الله. وكأن لهم ربٌ آخر ليس رب السنة. ومازالت مرارة الحرب على شفاه العراقيين جميعا يعد أن أدركوا بعد فوات الأوان إن الأمر مبيت! له فصار ما صار ولات ساعة ندم.
الموقف الأمريكي حول المسألة تلخص برفض الرئيس بوش رفضاً باتاً الإشارة إلى أن ما يحصل حربا أهلية وإنما هي محاولات لزعزعة الأستقرار. مؤكدا بأن تنظيم القاعدة هو الذي يقف وراءها! أما الجنرال ابو زيد فقد ذكر" بأن العراق بعيد جداً عن الحرب الأهلية". كذلك الجنرال مارك كيميت الذي فلسف الأمر بأن" الحرب الأهلية تبدأ حين ينقسم الجيش والحكومة على أسس عرقية أو طائفية، معتبراً ان ما يجري هو عنف طائفي". أي فسر الماء بعد الجهد بالماء. لكن الأمم المتحدة كانت لها نظرة تختلف عن النظرة الأمريكية، وأكثر إنصافا كما ورد على لسان الأمين العام كوفي عنان بقوله" أن ما يحدث في العراق اسوأ من الحرب الأهلية بكثير".
المهم أهملت الحرب الفعلية وحمام الدماء وإنشغل الجميع بتوصيف الحدث ونزاع المصطلحات! فهذا ما كان يشغل الإدارة الأمريكية حينها. ذكر المحلل السياسي ايلين كنيكماير في مقال له نُشر في الواشنطن بوست" في الوقت الذي ينكر فيه الأمريكان الحرب الأهلية في العراق، فأن العديد من الخبراء والمحللين السياسيين وحتى الناس العاديين في الشرق الأوسط يعتبرون ان هذه الحرب قائمة فعلاً" وتضيف البرفيسورة (مونيكا توفت) الأستاذة في جامعة هارفرد بأن" الحرب الأهلية واقعة فعلاً في العراق" مستعينة بمعيار يتألف من عدة درجات يبدأ بعدد القتلى وينتهي بدور الحكومة من هذه الحرب. اما جوست هيلترمان الخبير في مجموعة الأزمات الدولية فأنه ذكر" إننا هنا لانتحدث فقط عن حرب اهلية على نطاق واسع، بل عن دولة فاشلة، تنهمك المجموعات المتنوعة فيها في قتال شرس قد يمتد ويتحول الى صراع اقليمي في المنطقة كلها". وقد أجرى الأعلامي الشهير (مات لويير) في محطة أن بي سي مناقشات طويلة مع عدد من المختصين والأستراتيجيين والمحللين السياسيين والعسكريين ومنهم الخبير العسكري المعروف باري ماكفري بأن ما يحدث في العراق هل يصنف ضمن الحروب الأهلية أم لا؟ وأخيرا قررت المحطة أن تضرب برؤية الرئيس بوش عرض الحائط، وأطلقت على ما يجري في العراق مصطلح( الحرب الأهلية). وهو نفس المصطلح الذي تبنته صحيفة لوس انجلوس تايمز ونيوزويك ووكالة اسوشيتيدبرس وغيرها.
إذن كانت حربا أهليه وفق كل الإعتبارات والمقاييس من حيث قوة التدمير وعدد الضحايا ومستوى التخريب، وبإعتبار الإدارة الامريكية هي المسؤولة عن الأوضاع الأمنية في العراق كما ينص ميثاق الأمم المتحدة لأنها دولة محتلة للعراق. فلابد من المرو على موقفها بإقتضاب. لم يك الموقف الأمريكي سوى موقف المتفرج أزاء القتل والتدمير، ولم تكلف قوات الغزو نفسها بالتدخل لوقف المجازو البشرية مما شجع الميليشيات الموالية للفقية الكرية بأن تمعن في جرائمها. كانت مواكب الميليشيات وسيارات الشرطة بأسلحتها المتوسطة تباشر القتل والخطف على الهوية أمام أنظار وإبتسامات قوات الفتح الديمقراطي الجديد. وهي حالة لم تشهدها حتى الحرب الأمريكية الفيتنامية رغم شدة بشاعتها. وسبق أن تناولنا هذا الموضوع بمقالات سابقة نشرت حينها، ومن جملة ما طالبنا به ان يحاكم الرئيس الأمريكي جورج بوش بجريمة التنصل من مسؤولية حفظ الأمن في العراق كما ورد في الميثاق. ومحاكمة الرموز الشيعية التي حرضت الغوغاء على القتل والتدمير وخصوصا فيلق بدر وجيش المهدي. ومعرفة سبب تبني تنظيم القاعدة الإرهابي للعملية وكل المؤشرات تؤكد بأنه خارج المسؤولية عن التفجير( كان هذا قبل أن تتضح الصورة بأن للقاعدة فرع يرعاه نظام الملالي في إيران ويقدم له كل الدعم). ومن جملة ما أكدنا عليه ضرورة أن تقوم الأمم المتحدة بتشكيل فريق تحقيق دولي لكشف الجهة المنفذة للجريمة الإرهابية، بالرغم من إن الجهة معروفة لكل راشد ولبيب. وأخيرا طالبنا حكومة المالكي بحل عدة ألغاز منها إنسحاب الجيش والشرطة قبل العملية وترك عدد قليل من الحماية؟ ولماذا قيدوا الحرس وأبعدوا عن مكان الإنفجار؟ ولماذا لم يقاموا الإرهابيين ولم تُطلق طلقة واحدة من بنادقهم؟ ولماذا لا تدول الجريمة طالما إنها بطابع إرهابي و حصدت عشرات الألوف من الأرواح؟ وأين محاضر الجلسات التحقيقية ولماذا أطمست؟ وألغاز كثيرة أخرى.
لذلك لم يكن تصريح الجنورال كيسي مفاجئا لنا رغم خطورته. فالجهة الإرهابية المنفذة للجريمة معروفة للجميع. وسبق للوزير حازم الشعلان أن إتهم إيران بشكل مباشر بتفجير الضريحين خلال إجتماعه برؤوساء عشائر مدينة سامراء. لكن المطلوب من كيسي أن يوضح لنا لماذا لم تقم قواته المحررة بحماية أهل السنة لأنهم الطرف الأضعف في المعادلة أو على الأقل منع تمدد الحرب الأهلية؟ ولماذا تسترت الإدارة الأمريكية على الجهة المنفذة(نظام الملالي) وهي كما يفترض على الإقل تعاديها إعلاميا؟ ولماذا إدعى الرئيس الامريكي جورج بوش إن الجهة المنفذة هي تنظيم القاعدة وليس نظام الملالي وهو يعرف الحقيقية حق اليقين؟ أي لماذا خدم بوش أجندة إيران في العراق؟ وما هو سبب سكوت الجنرال كيسي طوال تلك الفترة عن الجريمة ليفجرها في تجمع من أجل الحرية في باريس؟ بالطبع لا نقبل بمنطق صحوة ضمير عند كيسي! فالغزاة الأمريكان كما شهدنا أفعالهم في العراق ليس لهم ضمائر أصلا حتى تصحوا. وهل من سمات الديمقراطية الأمريكية أن تشاهد الآلاف من الأبرياء تُقتل عن جريمة لم ترتكبها ولا علاقة بها عن قريب أو بعيد دون أن تحرك ساكنا؟ وهل القانون الأمريكي يسمح بالتستر على الإرهابيين الذين يقومون بجرائم الإبادة الجماعية؟ وهل القانون يسمح للمواطن الأمريكي بالتستر على الجريمة، ولا يساءله عنها أو يحمله مسؤولية ما ولو جنائية؟
من هم أطراف الجريمة الإرهابية؟
الأول: النظام الإيراني يتحمل الوزر الرئيس بإعتباره الجهة المنفذة لجريمة لإبادة الجماعية، ومن الضروري إدخال الحرس الثوري الإيراني بقائمة الإرهاب الدولي. الثاني: الرئيس الامريكي بوش وزمرته الضاله بمن فيهم الجنرال كيسي بإعتبارهم على معرفة بالجاني وتستروا عليه، بل حول الأنظار عنه لجهة أخرى. الثالث: نوري المالكي شخصيا. فقد ذكر كيسي بأن المالكي أخبره بأن النظام الايراني والميليشيات الموالية له تقف وراء معظم التفجيرات في العراق أي بإعتباره يعلم بالجهة الحقيقية المنفذة للعملية الإرهابية ونسبها إلى جهة أخرى ولم يجرِ التحقيقات الأصولية بنزاهة، فكان عنصرا مساهما بالجريمة. الرابع: المحرضون ومنهم السيستاني والحكيم ومقتدى الصدر وهادي العامري وجلال الصغير وحازم الاعرجي وكل من ساهم في تحريض الغوغاء على التظاهر والقتل والتخريب. الخامس: تنظيم القاعدة لأنه تبنى عملية إرهابية لم يقم بها أصلا. فخدم بفعلته المجرم الحقيقي وغير الإنظار عنه. وتجدر الإشارة إلى أن تفنيد المالكي مؤخرا لتصريح الجنرال كيسي حول تورط فيلق القدس في تفجير العتبات المقدسة في سامراء لايغير من الحقيقة شيئا. فالمالكي الذي يطالب أسياده الأمريكان "بضرورة إلزام المسؤولين الأمريكيين ممن يعملون في العراق، او سبق لهم العمل فيه ان لا يخرجوا عن مقتضيات الصدق والمهنية". من الأولى به أن يلزم نفسه بالصدق والمهنية، فأبرز حلفائه وصفه بأنه "أكبر كذاب"!
إنه لدرس بليغ لشيعة العراق في أن لا تأخذهم الأهواء والعواطف بعيدا عن ضفاف الرشد فتجرد عقولهم من الإيمان والقيم الإنسانية. لقد قتل الكثير من السنة والشيعة وكلهم أبرياء، وترك المجرم الحقيقي بلا مساءلة. لا أعرف موقف السيستاني والصدر والحكيم والعامري وغيرعم من شلة القتلة بعد سماع تصريح الجنرال كيسي وتوثيق الحقيقة. من المؤكد إن التحقيق سوف لا يفتح مجددا لأمور معروفة. وسيبقى أقزام الولي الفقيه أحرارا لا يطالهم القانون. لكني أقول بكل صراحة إن أية قطرة دم عراقي سقطت في الحرب الأهلية هي برقبتكم با أوغاد وتتحملون وزرها يوم الحساب ويا ويلكم من يوم الحساب.
وكلمة لأخواني شيعة العراق الذين تورطوا في أعمال العنف. أنظروا إلى مراجعكم وزعمائكم الذين دفعوكم إلى تلك الجريمة البشعة بحق أخوانكم في الدين والوطن وهم لا علاقة لهم بها بتاتا! إنها عملية إرهابية إرتكبها نظام الملالي الذين يكرهونكم ملاليه أشد الكراهية، ومع هذا تمجدونهم كل التمجيد؟ هذه هي إيران التي تدافعوا عن نظامها الإجرامي. فإلى أين ستجركم با ترى وقد سلمتم أمركم لها؟ وكلمة أخيرة للقضاء العراقي المسيس: لقد حكمتم على أبرياء بجريمة تفجير العتبات المقدسة وقد بان المجرم الحقيقي. فبأي وجوه ستواجهوا الحاكم الأعلى والقاضي الأسمى في السماء؟ حيث سبق أن صرح حينها مسؤول في وزارة العدل العراقية " نفذت الوزارة حكم الاعدام في أحد عشر شخصا الاربعاء بينهم تونسي ادين بضلوعه بتفجيرات ضريح الامامين العسكريين في سامراء عام 2006". ثم هل ستقف الحكومة التونسية مكتوفة الايدي أمام روح مواطنها البريء الذي أعدم غدرا وغيلة من قبل حكومة المالكي؟
رحم الله الشهداء الأبرياء من السنة والشيعة ممن سقطوا في مكائد شياطين قم والنجف.
وإلى المحطة الأخيرة بعون الله.