الشرير!
الشرير!
أ.د. حلمي محمد القاعود
هل يمكن أن يكون الكاتب شريرا؟ وهل يستطيع أن يؤثر في المجتمع تأثيرا سلبيا؟ الإجابة تؤكد أن الكاتب الشرير حقيقة واقعة في حياتنا العامة,
وأن تأثيره خطير للغاية, بما يجعل المجتمع يعود إلي الخلف خطوات كثيرة. فقد عرفت حياتنا الأدبية والثقافية والصحفية كتابا باعوا أقلامهم للشيطان, وتجاوزوا القيم والأعراف في الترويج لكل ما هو شائه ودميم وظالم, وبعضهم اتخذ من الكتابة وسيلة للتكسب الحرام; فلم يبال بالصدق أو الحق أو مصلحة المجتمع. كل همه أن يجمع ما يستطيع من مال حتي لو احترق الوطن, وهناك من تحركه أيديولوجية دموية شريرة أو شهوة الأضواء بالاقتراب من الحكام الطغاة المستبدين, ولا بأس أن يرفع هؤلاء الحكام بالكذب والتلفيق إلي مصاف الآلهة أو الفراعنة. بالطبع ليستطيع أن يقول كلمة حق تعيدهم إلي الصواب أو تدلهم علي معروف أو ترشدهم إلي الاستقامة والرشد.
منذ عرف الناس في بلادنا الصحافة وتاثيرها كان هناك كاتب السلطة وشاعر السلطة وأضيف إليهما صحفي السلطة حتي لو بدا معارضا, وعندما وطد الاستعمار أركانه, كانت هناك صحف بكامل كتابها ومحرريها وشعرائها تعمل لصالح المندوب السامي, وتتحرك وفق مشيئة السفير والسفارة,وقد أوذي العقاد بسبب وشايات كاتب شهير لحكمدار القاهرة الإنجليزي, لأنه كان حرا يأبي الهوان!
في عصر الانقلابات العسكرية ظهر الكاتب المقرب من الضابط الحاكم, والكتاب الذين يدورون حول الاثنين, ومعظمهم من الأقليات التي تعتنق أيديولوجيات دموية أنانية لا تقبل بالآخر ولا ترضي بالمشاركة, ولا تحب أن تسمع صوتا مخالفا. ولكنها تستأسد بالكذب والزورعلي الشعب الغلبان وتتآمر عليه وتتحدث يا للمفارقة- باسمه, فهو الشعب المعلم, والشعب المناضل, والشعب الفرحان الذي يغني له المطربون والمطربات. مؤخرا وفي مناخ الحرية الذي يقترب من الفوضي وتدفق التمويلات الخارجية وشراء الذمم داخليا وخارجيا; ظهرت مطبوعات ووسائط إعلامية تدفع بسخاء لمن فقدوا ضمائرهم من أجل تخريب الأوطان, وتدمير البنيان, وإغراق الناس في بحار البلبلة واليأس, وتسفيه الأغلبية بالكذب والبهتان. الكاتب الشرير يزدهر في المناخ الفوضوي, وخاصة إذا افتقد الرادع القانوني والخلقي.