هل ينجح الأمريكان في تأديب الإخوان؟!

هل ينجح الأمريكان في تأديب الإخوان؟!

محمد جلال القصاص

الحمد لله وحده،،،

ما يحدث في مصر الآن هو صراع بين الإخوان المسلمين وبين الأمريكان. فبعد أن حاول الإخوان المسلمون الخروج عن طوع الأمريكان، وذلك بالتحول من دولة تابعة سياسيًا استهلاكية اقتصاديًا إلى دولة تطمح لاستقلال السياسي وتحاول تكوين محور إقليمي مع إيران وتركيا ومن ثم تستقل بقرارها، ودولة صناعية تتحالف مع دول الجنوب والشرق، وهذا واضح في تحركات مرسي وفي الخطط والمشاريع الكبرى في الدولة، وواضح في خطط التنمية بالداخل والتي تتمحور حول التحول لدولة صناعية، وفك التكتل البشري لإعمار الدولة بضعفي المساحة الموجودة الآن، والاتجاه لبناء القوات المسلحةحتى انتشرت الأخبار أن مصانع الجيش بدأت تتحرك وتنتج عسكريًا.

شبَّ الإخوان المسلمون عن الطوق وطمعوا في أن تكون لهم دولة حقيقية في أكثر من دولة وأن يحصدوا هم "الربيع العربي" ، والآن يحاول الأمريكان خلع الإخوان وتأيديبهم ليبقوا ضمن الإطار المسموح لهم، في هذا السياق يأتي تثوير معارضة الإخوان. أو بالأحرى تحويل  الكتلة التي كانت تستعمل للضغط على الإخوان بأحداث شغب محدودة إلى "قوة" فاعلة تزيح الإخوان أو ترجعهم.

في المقابل لم يستسلم الإخوان، وقاموا بتصعيد الجهاديين (جماعة إسلامية وسلفية عمومًا) كورقة ضغط، ورسالة ضمنية مفادها : "نحن أو هؤلاء". وأيضًا هناك محاولات لكسب الجيش أو تحييده، وهذا واضح فيما أخذه في الدستور وفي تعينات المحافظين (ست لواءات)؛ وما يحدث الآن هو مساومة بين طرفين، الإخوان والأمريكان.

بالتأكيد كلٌ مستقلٌ عند نفسه، وله أهدافه الخاصة، حتى التجمعات الهلامية الصغيرة التي لا حضور لها بغير الاسم، فالأدوات لها أهدافها الخاصة، وهي أطراف صراع حين نصغر المشهد وتكون مساحة الرؤية محدودة بالدولة فقط؛ فالسلفيون لهم أهداف خاصة دون الإخوان، و"القلة المختلفة" - أعني المعارضة– أيضًا لها أهدافها الخاصة، فالنصارى كيان مستقل بأهدافه وأدوادته ودخل المشهد مؤقتاً وسيكون عنصر تفرقة ونزاع بعد ذلك، بما سيمليه من طلبات مجحفة، وخاصة أنه الفاعل الأقوى على أرض الواقع، وغيرهم مثلهم، ولا يوجد بينهم قوة متماسكة كبيرة الحجم، ولا يوجد بينهم من يملك رؤية لإصلاح البلد، فقط كلهم يريد حكم مصر، أو طرد نظام أفقده مكتسباتٍ كانت في يده، وليس عندهم إجابة واحدة واضحة عن ماذا بعد؟

الصراع بدأ بالفعل.

الأمريكان أوصلوا رسالة لأدواتهم بأنهم مع من يحشد الشعب، بمعنى أنهم يريدون الانتهاء سريعًا من خلال "حرائق محدودة"، ولا يريدون فوضى شاملة، والجيش أوصل ذات الرسالة.. أنه مع الشعب..أو ما يسميه الشرعية، وحال حدوث ثورة تكون الشرعية من الشعب.

 فالمطلوب من "القلة المختلفة" أمران: حشد للشعب، وفعاليات في مدة قصيرة حتى لا تتفلت الأمور، ويتضح هذا من تصريحات الجيش، ومن تصريحات السفارة الأمريكية، ومن حديث رؤوس المختلفين.

ماذا يُتوقع؟

العلم عند الله، هو الذي يدبر الأمور كما يشاء، والذي يبدو أن "القلة المختلفة" تعيد سيناريو فشل عدة مرات، وإثارة شعب على أرض الواقع يصحبه سفك دماء، وتهييج إعلامي يهد لحشد الناس ومن ثم إثارة فوضى.

 والعجيب أن هذا السيناريو قد جُرِّب عدة مرات ولم ينجح؛ والآن يتوقعون نجاحه، يتوقعون أنهم حين ينزلون للشارع بعصبة من البلطجية تقتل وتقطع الطريق، ستهب الجماهير لنصرتهم، وتلمئ الشوارع وتردد أناشيد الثورة، ويساق الإسلاميون كالأسرى للسجون، وتدق أجراس الكنائس، وتضيء سماء الميادين بألعاب المهرجين... ومن الفرحة تدمع عيون البنات والبنين .... كأنك تشاهد فيلم هندي. !!

سأل المذيع إحدى روسهن (أسماء محفوظ) ماذا تتوقعين؟ فقالت: أن يفر رؤوس الإسلاميين خارج مصر وقد بدأ الفرار بالفعل – هذا قولها -، ثم يجلس الاتباع في البيوت لأنهم لا يتحركون إلا بأمر من أسيادهم!!

المهم رصده في تحركهم هو طريقة البدء .. كيف يتحرك دولاب الشر؟، إنه يبدء بالبلطجية يقتلون ويسحلون، ثم الإعلام يثور، ويستنفر الناس، وإن نزل الناس تم مخطط الشر.

البلطجية مأجورون والحزم في كسر أيديهم، وإن تم أوقف الله دولاب الشر، فمهم جدًا أن يتم التصدي للبلطجية بحسم، كما حدث في طنطا ويحدث في "المحلة" فقد أفشل مخططهم، وكانت نقطة انطلاق للقلة المختلفة.

الثابت أنهم جربوا هذه الخطة عدة مرات، ولم تنجح، توقفت خطتهم عند الشارع، .. قتلوا.. وأحرقوا.. وهاج الإعلام، ولم يتحرك الشارع: في أحداث مجلس الوزراء، وبعد قدوم الرئيس مرسي عدة مرات.فالشارع (الجماهير) هي من يحسم الله به الصراع فيما يبدو لي.

الشارع مع من؟

يبدو جيدًا أن الشارع عاقل ويؤدي في المشهد بوعي، وفي اتجاه مستقل وهو البحث عن الاستقرار، وهو بعيد بدرجة كبيرة عن الأيدلوجيات؛ واستجابته للإسلاميين أكثر. وقد خسرته "القلة المختلفة" في كل الاستفتاءات والانتخابات التي تمت للآن؛ وكل تأييد أيده الشارع للإسلاميين كان بدافع مستقل وليس بين هذه الدوافع الإيمان بفكرة تحكيم الشريعة، وهذا معطى مهم جدًا، فالناس لا ترغب في أكثر من لقمة عيشها ومسكنها و"فراشها"، وهي مع من يأتيها به؛ وهي في كل هذا – عند نفسها – متدينة، وهو أثر الإرجاء؛ هذا المعطى مهم لمن يريد قيادة الناس، فالحديث إليهم يجب أن ينحى منحى محدد هم واقفون عليه؛ ومهم لمن يريد تشخيص أسباب فشلنا في سياسة الناس لليوم، والنقطة الأدق هي بعدنا عن المعركة المجتمعية، وتحديدًا يكمن الخلل في فقدان النظرية الاجتماعية الإسلامية، فلا نستطيع أن نبقي المجتمع على ما هو عليه الآن وإصلاحه يحتاج نظريات إسلامية خاصة، ولم ننتج إنتاجًا معرفيًا كافيًا؛ وعندنا خلل في الكوادر التي تسوس المجتمع؛ هذه قصة وددت لو أني حكوتها؛ وقد....

الشارع في يوم 30 يونيو مقلق وقد يؤيدهم، وخاصة إن استطاعوا تعطيل المواصلات والاتصالات والتسلط على الإعلام ولكنه باليقين ليس معهم كليةً، أو الجزم بأن الشارع مع "القلة المختلفة" غير واضح؛ ومليونية 21 يونيو في ميدان "رابعة العدوية" تزيح من الصراع عوام الناس، ومليونية أخرى كتلك أو أشد يذهب الله بها العوام وكثير من النخبة التائهة، و "الاعتصام المخربش"حول مدينة الإعلام والمناطق المهمة يمنع الله به حشد العوام.

يمكن أن نقول بأن ما يحدث الآن هو تفاوض عملي بين طرفي الصراع (الأمريكان والإخوان)، وأحدهم لا زال يطمع في أن يملي أهدافه على الآخر، والذي أعتقده أن المفاوضات ستتحول لتسوية سياسية بعد أن يجرب كل صاحبه عمليًا في الشارع، في هذه التسوية يتنازل كل طرف عن بعض أهدافه؛ ثم يعاود النشاط لتعديل الاتفاقية التي سيتم خطها في الأيام القادمة، وندخل في جولة جديدة؛ وهكذا الحياة: صراع.. أو "تنافس" "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، والراحة في الجنة، والبحث عنها هنا عبث. فتعب كلها الحياة.

تشخيص ما يحدث على أنه صراع بين الإسلاميين وبين مختلفين من بقايا الثورة والفلول ورؤوس الأموال، ومعهم الجامية والمبطئين من السلفيين تشخيص صحيح، ولكنه على المستوى الداخلي، وبداهة التحليل السياسي أنه ثلاثي التركيب (داخلي، وإقليمي، ودولي)، والأقوى هو الذي يدير الصراع ويدخل الآخرين في سياقه، والعامل الدولي هو الأقوى وفي سياقه دخل المحلي والإقليمي.

يبقى نقطة متصلة بالموضوع، وهي: هل سيبيع الإخوان السلفيين بعد انتهاء الأحداث؟!

في غالب الظن لا. وذلك لأن الطرف الآخر (القلة المختلفة) ممتلئ بالحقد والحسد ولن يسكت عن مشاغبة السلطة، ويبقى الإخوان في حاجة لدعم السلفيين. وعلى الحالة السلفية الآن أن تتطور، بتطوير نوعية معينة من شبابها تدرس وتتعلم العلوم الإنسانية، وإن فعلوا فسيتم تطوير الداخل الإسلامي كله بل والمصري، وندخل في صيغ جديدة للعمل على أسس إسلامية، وهو ما أرجوه وأحاول بشخصي أن أفعله.

نسأل الله العظيم الحي القيوم رب العرش العظيم الأمن والأمان، وأن يرزقنا ويستعملنا، ويختم لنا بخير.