إسرائيل غير مؤهلة للسيادة على مقدسات الإسلام والمسيحية

إسرائيل غير مؤهلة

للسيادة على مقدسات الإسلام والمسيحية

جميل السلحوت

[email protected]

عندما قامت اسرائيل بضمّ القدس الشرقية بعد احتلالها مباشرة في حرب حزيران 1967 العدوانية، بقرار من الكنيست"البرلمان" الاسرائيلي، ليتغنى قادتها بما سمّوه"القدس الموحّدة عاصمة اسرائيل الأبدية" قامت بتلك الخطوة من جانب واحد، وفي مخالفة واضحة للقانون الدولي، ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبل ذلك في تحدٍ واضح للشعب الفلسطيني وللأمتين العربية والاسلامية كون المسجد الأقصى ركن من العقيدة الاسلامية. ورغم قرارات مجلس الأمن الدولي إلا أنّ اسرائيل تتحدى العالم جميعه في موقفها هذا، يساعدها في ذلك دعم الولايات المتحدة الأمريكية اللامحدود وعلى مختلف الأصعدة من جانب، وضعف الدول العربية من جانب آخر، ولو تركنا السياسة جانبا، لبحث الوضع الديني كون اسرائيل تسعى لتحويل الصراع الشرق أوسطي الى صراع ديني، فمع أنها تزعم أنها دولة علمانية، إلّا أن سياساتها تؤكد أنها تقوم على أسس دينية توراتية، وتؤكد أنّ اسرائيل الرسمية لا تعترف بالديانتين السماويتين الاسلام والمسيحية، وهذا موقف ديني عقائدي، فالديانة اليهودية لا تعترف بهاتين الديانتين اللتين جاءتا بعدها.

فاسرائيل الرسمية تعتبر فلسطين التاريخية أرضا يهودية، لذا فهي تمارس الاستيطان في الأراضي المحتلة في حزيران 1967 كحق ديني وتاريخي، والحركة الصهيونية وقبل قيام دولة اسرائيل وفي مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897 رفعت شعار عودة اليهود الى أرض الميعاد، وهو شعار ديني، وبعد قيام اسرائيل كدولة في أيار 1948 قامت بهدم وتجريف أكثر من 540 قرية وتجمع سكاني فلسطيني، وأزالتها عن الخارطة، بما فيها من مساجد ومقامات دينية وكنائس ومقابر وغيرها. وفي السنوات القليلة الماضية قامت بتجريف مقبرة مأمن الله-ماميللا- التاريخية في القدس، دون اعتبار لحرمة الأموات ولحرمة الأحياء.

وفي الخليل جرى تقسيم الحرم الابراهيمي بين المسلمين واليهود منذ اكثر من ربع قرن، وفي القدس جرت مئات الاعتداءات المتعمدة على المسجد الأقصى، ليس أقلها الحفريات المتواصلة تحت أساساته منذ احتلال المدينة حتى يومنا هذا، وسلب حائطه الغربي وتحويله الى مبكى يؤدي اليهود صلواتهم أمامه، كما جرى حرق المسجد في 21-8-1969. مما الحق به أضرارا جسيمة منها حرق منبره التاريخي. وتوالت الاعتداءات عليه وتدنيسه حتى أيامنا هذه، حيث يدخله المتطرفون اليهود بشكل متواصل لآداء الصلاة فيه، تحت حماية الشرطة الاسرائيلية، التي تعتدي بالضرب والاعتقال على المصلين المسلمين فيه عند اعتراضهم على ذلك. كما جرى قتل بعض المصلين المسلمين فيه مثلما جرى في اكتوبر 1990 وغيره.

ولما قامت اسرائيل باغلاق مدينة القدس أمام بقية أبناء الشعب الفلسطيني منذ آذار 1993 وأحكمت اغلاق المدينة ومحاصرتها، ومنعتها من التواصل مع محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي، فانها تواصل منع المؤمنين المسلمين والمسيحيين من الوصول الى دور عبادتهم لآداء الصلوات، بل انها تحدد سنوات عمر من يدخلون الأقصى للصلاة من أبناء القدس نفسها، فتمنع ايام الجمعة دخول من هم تحت سن الخمسين، وكأن الصلاة لله يحددها المحتل الاسرائيلي بعمر معين. ولا يختلف الوضع بالنسبة للمسيحيين الفلسطينيين من الأراضي المحتلة خارج القدس، فهم ممنوعون من دخول المدينة، وبالتالي من الوصول الى كنيسة القيامة التي تعتبر من أقدس مقدساتهم، كما تعرضت أكثر من كنيسة الى أكثر من اعتداء. وأراضي الأوقاف الاسلامية والمسيحية هي ايضا تعرضت للنهب والمصادرة من قبل الاسرائيليين من أجل اقامة مستوطنات يهودية عليها، فحارة المغاربة وحارة الشرف وحيّ النمامرة، المحاذية للحائط الغربي للمسجد الأقصى جرى تجريفها وهدمها بالكامل بعد حرب حزيران 1967 مباشرة، وتم تشريد مواطنيها الفلسطينيين، وتم بناء حيّ استيطاني مكان 1012 بناء تاريخيا ومنها مساجد ومدارس، كما تم الاستيلاء على دير مار يوحنا والأبنية المحيطة بساحة باب الخليل في القدس القديمة وهي ملك للكنيسة الأرثوذكسية، ويقوم الاسرائيليون بمنع أعمال الترميم في المسجد الأقصى، في نفس الوقت الذي أحاطوا رواقه الغربي بعدة كنس يهودية، وفي السنوات القليلة الماضية بنوا كنيس"الخراب" على بعد أقل من مائتي متر من جهة المسجد الغربية، وهو بناء من عدة طبقات تعلو المسجد الأقصى، ومخططاتهم لتقسيم المسجد الأقصى على غرار تقسيم الحرم الابراهيمي في الخليل، ومخططات هدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه هي مخططات معلنة وغير خافية، بل ان وزارة السياحة الاسرائيلية طبعت خرائط للقدس توزع على السياح وقد اختفى منها المسجد الأقصى.

والأدلة التي تثبت عدم أهلية اسرائيل لحكم القدس والحفاظ على الأماكن المقدسة لغير اليهود كثيرة جدا، ومن هنا تنبع أهمية العمل السريع لكنس الاحتلال ومخلفاته من المدينة، واعادتها الى مواطنيها وأصحابها الشرعيين وهم الشعب الفلسطيني كونها عاصمتهم وعاصمة دولتهم الفلسطينية العتيدة، وهي القادرة على الحفاظ على الأماكن الدينية للديانات كلها بما فيها اليهودية. وقد أثبت الفلسطينيون مسلمون ومسيحيون عبر التاريخ أنهم يحترمون حرية العبادة لغيرهم، وأنهم يحافظون على الأماكن الدينية لغيرهم أيضا.