أيها الغرباء عن الوطن : سلاماً ستشرق شمس عودتكم

 أيها الغرباء عن الوطن : سلاماً

ستشرق شمس عودتكم

أبو العلاء

حزيران شهر جديد ، يرفع ثوبه ، ويهرول نحونا ، ووراء الأفق شهر رمضان ، امتطى راحلته ، وتأهب لمطاردة شهر شعبان ورمى أشلاء أيامه أمام هلال فجر رمضان .

انقطاع الكهرباء ليلا" جذبني للخروج إلى شرفة المنزل ، فأشرق القمر بدرا" على نفسي ، وأدركت جمال الليالي عندما يكون القمر في منتصف الشهر ، هزني الليل المضاء بنور القمر ، ن فوجدت وجوها" لملايين من الناس منتشرة بين النجوم ، سألت القمر عنها ، فقال لي : إنهم غرباء عن أوطانهم ، فتحت دفاترقلبي لأقرأ ماسطرته الأيام عن الغربة ، فقد ذقت جوع الأشواق ، وملأت أرض الزمن بصناديق الحزن، ونمت جوار نفسي أشجار الغربة ، تتمختر بالأمل ، وتتعالى بالكبرياء(فل وياسمين وبنفسج ).

لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الغربة وهاجر إلى المدينة ، وخاطب مكة قائلا": لولا أهلك أخرجوني ماخرجت ،وامتلأت شوارع المدينة بالمهاجرين وانتصر الإسلام .

وحمل راياته مئات الألوف من المقاتلين إلى بقاع الأرض ، غربة وهجرة ونور وإيمان، كل من حمل في قلبه شعاعا"من الغربة، يسأل ربه ويتوسل إليه بحبيب الله وبصحابة رسول الله وبالمقاتلين الذين نشروا الإسلام في الأرض ، أن يفرج الله عنه وعن كل الغرباء وأن يمسح الخوف ويفرح العيون ، ينزل المرء في الغربة إلى بئرالذكريات ، يذكر طفولته وحبه للمطر وللوحل وينتعش عندما يذكر وقوفه تحت المزاريب حتى يطيل ماء المطر شعره، حبك ياحلب بطة بيضاء تسبح فوق مياه الذاكرة ، ما أجمل جبل قلعة حلب حين يلفه الثلج بعمامة بيضاء ! ما أجمل جبل قلعة حلب عندما تتنهد رئته بالربيع فترمي أرضه بالأعشاب والورود، ماأجمل ليالي رمضان وعلى المائدة السوس والتمر هندي والكعك والمعروك، ماأروع صلاة التراويح في مساجدك ياحلب ، ما أجمل سوق العطارين وسوق السقطية في ليالي العيد ، مراكب الشوق تسير في بحار الغربة ، وحين ينظر المرء إلى ربه ، ويتأمل آياته يتحول الشوق إلى عصفور أبيض يحلق بعيدا"، يحمل في منقاره قمحا".

وتلمع الذاكرة ببرق يأكل الظلام ، وقد قيل :إن الألم يعتقل لغة الصمت، وقد ذكروا أن الذهب عروق تنبت في الصخر ، أغلب سكان الأرض يعيشون في غربة ، كل إنسان في الكون يعرف الغربة بشكل مختلف عن غيره ، الغربة هي البعد عن كل شيء يرتبط بك منذ الولادة.

الغربة حين يسألك البائع في بلد غير عربي وأنت تتكلم بلغته بإتقان من أي بلد أنت؟ الغربة حين تجد أن الضمائر لها أسعار في البورصات كأسعار الأسهم، الغربة حين تشعر أن الإنسان يباع ويشترى في سوق النحاسة لبيع العبيد في العصور المظلمة، الغربة حين يشعر المرء بالفاقة والعوز والجهل والظلام، الغربة داخل الوطن حين لا يستطيع المرء تحرير ذاته وإطعام نفسه، الغربة حين لا يجد المرء ثمن الدواء ولايستطيع دفع نفقات المشفى، الغربة حين لايجد المرء الراحة في نومه ، لأن طبول الجيران الملعونة مزعجة، الغربة حين يستبدل الراقص الميزان بالعصا وزقزقة العصافير بخوار البقر ، حين لا يستطيع المرء المشاركة في عزاء صديق ،ولايستطيع زيارة الموتى، الغربة حين تسمع بكاء الأزهار والورود في البراري، لأن صدور المحبين لم تحتضن ،ماأشد وقع الغربة على القلب !يبكي القلب ، ولا أحد يحس بالبكاء، كل فترة تندلق قطرة دم على اليد تنير أملا"، وتوقظ نجما".

أيها الغرباء ، أسألوا أوراق الزمن، هل مات حبرها؟

حب الوطن من الإيمان ، وكل إنسان غريب عن وطنه ينتظر المساء ليرسل إلى القمر رسالة قلبه مرسومة على صفحة السماء فيها كل الأشواق إلى الوطن والأمل بالعودة إلى البيت العتيق الأليف وإلى أصدقاء الطفولة والصبا، فالوطن درع المرء في وجه العاصفة والريح والظلمة، يتذكر المرء شاطئ البحر في وطنهوهو يرى الأموا حرة تهرول نحو الشاطئ كما يحلو لها ، تختفي حينا" وتظهر حينا"كرماح متوثبة، يغيب البحر عن الذاكرة ، ويمر هودج الماضي يحمل دفاتر الذكريات عن الوطن، إحدى الورقاتتقص حكاية عصفور ينتقل بحرية وكبرياء على شجرة من أشجار الحديقة العامة في حلب .

أسعدني القمر بنوره وضيائه، حرك في قلبي الذكريات ، غادرت مكاني وأنا أنتظر أن يعود كل غريب عن وطنه ، إلى بيته وإلى أصدقائه ومحبيه .