اللقاء التشاوري في مدريد والمؤامرة على الثورة السورية
اللقاء التشاوري في مدريد
والمؤامرة على الثورة السورية
د. عمر اسكندر
مع إعلان الجانبين الأمريكي والروسي عن عقد مؤتمر دولي لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بدأ كل طرف بحركة واسعة استعداداً لهذا الأمر، وكانت الحركة الأوسع هي على نطاق المعارضة السورية، أحد الأطراف الرئيسية في المعادلة السورية، من جهة، هناك من يريد أن يوحد كلمة المعارضة قبل الدخول في المؤتمر، ومن جهة، فهناك من يحاول استغلال هذا الاستحقاق، حتى يفتت المعارضة، وبالتالي يضعف الثورة.
لقاء مدريد، يصب في صالح تلك المحاولات، لإضعاف الثورة من الداخل، حيث، وبدعوة من حزب التنمية الوطني، (حزب سوري معارض مرخص من النظام السوري) و بالتعاون مع وزارة الخارجية الاسبانية، عقد بعض المعارضين السوريين لقاءً تشاورياً في العاصمة الاسبانية يومي 20 و21 أيار 2013 صدر عنه بيان تحت مسمى إعلان مدريد 2013 .
وبالرغم من أن مقدمة البيان تورد ما يتناسب مع المطلب الرئيسي للثورة السورية، الذي لم تعد أية جهة قادرة على تخطيه وذلك حين ينص أن الهدف: (إسقاط النظام بكل رموزه، والتأكيد على نزع شرعيته كاملة، وإقامة نظام ديمقراطي بديل).
فلا بد من الوقوف عند الحيثيات التالية للقاء:
منظمو اللقاء:
لا يمكن إغفال دلالة الجهة الداعية وهي حزب التنمية الوطني، وهو حزب تشكل من الفعاليات التجارية السورية في دمشق أساساً وباقي المحافظات السورية، وهي فعاليات كانت على شراكة معروفة مع جهات أمنية واقتصادية داخل النظام، وهذا يفسر حصول الحزب على ترخيص رسمي بعد " التعديلات الإصلاحية " التي أصدرها رأس النظام في محاولة منه للتظاهر بأنه يستجيب لمطالب الحراك الشعبي.
ولذلك نجد أن من أساسيات الحزب، رفض التدخل الخارجي، ورفض العنف. وكلها أمور تبناها كل المقربين من النظام، لكي يغطوا على جرائمه. فلا يمكن أن يكون التدخل الخارجي مرفوضاً بالمطلق، ولا يمكن كذلك رفض العنف بالمطلق.
ومن الغريب فعلاً، أن لا يسمع أحد باسم هذا الحزب مسبقاً، ثم يقفز فجأة إلى الأضواء، في هذا الوقت الحرج من عمر الثورة، لينظم لقاء ويتصدر المشهد، ويفرض نفسه على الثورة!.
وبقراءة بسيطة لأبرز شخصيات الحزب المذكور، نرى أن عليها إشارات استفهام لا تخفى على أحد، مثل محمد برمو، رئيس المكتب السياسي للحزب، والذي يعتبر شديد القرب من الأجهزة الأمنية السورية. كان عضو في مجلس الشعب السوري لعدة دورات، ولعب دوراً معادياً للثورة السورية، ونال أبناء بلدته، من الثوار، أذى كبيراً من قبله.
ومن الملفت للنظر، أيضاً، أن اللقاء تم تحت رعاية وتمويل وزارة الخارجية الإسبانية، رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد. والغريب، أن يبرز اسم اسبانيا في هذه اللحظة من تاريخ الأزمة السورية، وللعلم فقد حاول السفير فورد بالتنسيق مع السيد نبيل العربي في أيار عام 2012 عقد مؤتمر للمعارضة برعاية الجامعة العربية، وكان الهدف منه إيجاد كيان للمعارضة بديل عن المجلس الوطني، ففشلت هذه المحاولة، نستطيع أن نلحظ أن جهة ما قامت بتوريط الحزب اليميني الإسباني برعاية هكذا مؤتمر. حيث أن التوجه اليميني الإسباني، عرف بقربه من السياسات الأمريكية على طول الخط. وبالتالي، فإسبانيا ليس لديها مبادرة خاصة في هذا الإطار، كما أنها ليست معنية بشكل مباشر بالأزمة السورية.
الحضور في اللقاء:
لا يمكن إغفال دلالة غياب المجلس الوطني وكذلك الائتلاف ( بغض النظر عن اشتراك الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف المستقيل، والذي حاولت دعوة اللقاء تقديمه بصفته التمثيلية، رغم أنه حتى ولو كان فعلاً بهذا الصفة فإنه لا يستطيع الإلزام لعدم وجود قرار من الائتلاف بالمشاركة ).
وقد اجتمع وزير الخارجية الإسباني مع معاذ الخطيب، كما قالت الحكومة الاسبانية أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كان مشاركاً في الاجتماع، وذلك عبر الخطيب، علماً أن الخطيب قدم في آذار/مارس الماضي استقالته من رئاسة الائتلاف.
ولا يمكن إلا أن نقف عند هذه النقطة، بالقول، إن معدي المؤتمر حاولوا تلميع صورة معاذ الخطيب، وتجاوز الواقع السياسي، لمحاولة فرض واقع سياسي آخر، مستغلين صورة معاذ الخطيب لدى الرأي العام السوري، والإرباك الحاصل في صفوف الائتلاف، بعد استقالته، والحديث عن عودته كرئيس له.
يقول أحد المشاركين في المؤتمر، إن حضور التيارات المدنية والعلمانية كان قوياً نظراً لرفض رابطة علماء الشام ورابطة العلماء السوريين الحضور، ومن الشخصيات البارزة التي حضرته، الدكتور عبد القادر الكتاني، وعدد من النشطاء، مثل ابراهيم كوكي، ممثل اتحاد التنسيقيات، ( والذي انسحب فيما بعد، مؤكداً " رفضه كل أشكال التفاوض مع النظام المجرم والتنازل عن ثوابت الثورة"، مضيفاً أن “دعم المجاهدين في سورية من أهم الأولويات في أي ورقة تفاوض مع أي طرف لفرض شروطنا السياسية بدلا من استجداء الحل من أي طرف”).
ومن أبرز الشخصيات العلمانية فايز سارة، عضو الاتحاد الديمقراطي، كما كانت هناك شخصيات مستقلة، وتيارات أسماؤها غير معروفة للشعب السوري. وجمع المؤتمر ممثلين عن الطوائف السورية.
ويلاحظ، أن أعضاء حزب التنمية الوطني، الداعي للمؤتمر، قد شكلوا جزءاً كبيراً من الحضور.
حول بيان المؤتمر
أصدر المؤتمر بياناً، كان خارطة طريق للتعامل مع الحكم وصولاً إلى التغيير السلمي. وهو يبين أن:
الخطوة الأولى تبدأ بسحب قوات النظام من الشارع ثم تحرير السجناء السياسيين، ( ليس كل السجناء بل نص على السياسيين )، ثم فتح الحدود لوصول المعونات الدولية، والخطوة الرابعة تتمثل في تسهيل عودة المهاجرين واللاجئين.
ويلاحظ هنا أمران:
الأول- أنه لم تحدد المدة الزمنية لكل خطوة.
والثاني- أنه لم يأت على ذكر الموقف من النظام، بل إن مفهوم القول أن كل هذه المراحل تتم مع وجود النظام وتحت حكمه.
هذه الخارطة - كما هو واضح - تتعلق بقضايا إنسانية لا علاقة لها بالعمل السياسي ولا العسكري طبعاً. وهي خطة كوفي عنان إذ أن هناك شبه تطابق بينهما، وقد لا يختلف بيان مدريد عن خطة كوفي عنان إلا في الصياغة.
وبالعودة إلى البيان. فهذه الخطوات سميت بالمرحلة الأساسية على أن تتلوها مرحلة انتقالية ( دون تحديد مدتها ) لا يكون للأسد دور في اتخاذ قرارات تحدد مستقبل سورية، بل سيكون هناك مجلس حكماء، أو مجلس شورى، برعاية الأمم المتحدة، وتكون من صلاحياته مساءلة قوى الأمن التابعة للنظام.
يلاحظ هنا، أن بشار الأسد سيبقى في منصبه، وأن الحكم سيسير في خطين متوازيين، خط ( الإصلاح ) بقيادة مجلس الشورى، وخط الحكم الفعلي بقيادة أركان النظام.
أما الغرض من تشكيل هذا المجلس فهو إعداد الشروط الموضوعية لتشكيل لجان مهمتها تشكيل مجلس تشريعي يضع أسس النظام السياسي لسورية المستقبل.
هذا البيان، كما يبدو من نصوصه، قد صيغ في دائرة ضيقة مغلقة، قد لا يرفضها النظام السوري صراحة، ولكنها تتفق مع طروحاته وقد يقبلها ضمناً.
إشكاليات تصريحات الخطيب:
يقول الخطيب، إن الهدف من لقاء مدريد هو " جمع السوريين وتوحيد المعارضة في مواجهة متطلبات المجتمع الدولي "، وهو " إرسال رسالة إلى كل قوى المعارضة الأخرى للتوحد ".
والحقيقة، أن ما جرى هو عكس ما يقوله الشيخ معاذ الخطيب، والأسئلة في هذا المجال عديدة: فلماذا يتصرف الشيخ معاذ الخطيب، على أنه رئيس الائتلاف، رغم أنه مستقيل منه؟. وإذا كان حضوره قراراً فردياً، وهو رأى كيف أن الحضور قليلون، ولا يمثلون الشارع السوري، بل إن من بينهم من يشك في ولائه للثورة، فكيف يمكن توحيد المعارضة بهذا الشكل.
والشعار الرنان " توحيد المعارضة "، يضيع أحد أهم مكاسب الثورة، وهي الاعتراف الدولي بكون الائتلاف ممثل شرعي للشعب السوري، فلماذا الآن، وقبل المؤتمر، يراد أن الإطاحة بهذا المكسب؟.
ولا يمكن لمعاذ الخطيب، أن يأخذ قراراً عن الائتلاف، وهو مستقيل منه. وتلميع صورته، هدفها تلميع صورة اللقاء، وجعله واجهة شكلية له، لإقناع المجتمع الدولي، بوجود كتلة جديدة للمعارضة، لا بد من أن يؤخذ رأيها.
ملاحظات حول اللقاء:
-
من الواضح أن المجتمعين يبحثون عن صفة للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 الذي يعقد هذا اللقاء – مثلما عقد غيره – ضمن التحضيرات له. و يتعزز ما ذُكر مع قراءة نص البيان على " أن وفد قوى الثورة والمعارضة في أية عملية سياسية هو من الائتلاف وباقي قوى المعارضة يعتبر الممثل الشرعي للشعب السوري "، وهو بالتالي قفز وتجاوز على الاعتراف الدولي والعربي بأن الائتلاف هو الممثل الشرعي للشعب السوري .وهو أمر يراد من خلاله، شرذمة المعارضة، فمثلاً، لا زال قدري جميل يحسب نفسه على المعارضة، وهو جزء من حكومة النظام، وهو سيشارك في المؤتمر، وقد صرح بأنه ليس مهماً أن تكون المعارضة موحدة، أي أن هذه الصيغة التي خرج بها اللقاء، سوف تجعل المعارضة التي اخترعها النظام قادرة على التأثير في قرارات الممثلين السياسيين للثورة.
-
يخول اللقاء نفسه رسم مستقبل المرحلة القادمة، فينص في بيانه على تشكيل مجلس حكماء يضم مكونات المجتمع السوري ويتمتع بكل الصلاحيات، يسمي الحكومة ويراقب أعمالها ويعمل على دعوة جمعية تأسيسية بعد سنة من قيامه .
-
لم يتطرق اللقاء إلى قضايا رئيسية ضمن الحل السياسي، بل إن بعض المشاركين أقروا، بأن اللقاء، ضمنياً، يرفض حل الأجهزة الأمنية والجيش، وهو مع إعادة هيكلتهم. ويستثني الجيش الحر من أي دور في المستقبل.
-
كما أن اللقاء، رغم كلامه الكثير عن الروح الوطنية، لم يتطرق إلى وجود تدخل عسكري أجنبي، من قبل إيران وأدواتها في سورية، والذين يقتلون الشعب السوري، ويرتكبون المجازر بحقه.
-
يختم البيان بنوده بتنصيب نفسه قيادة للمعارضة بتشكيل لجنة متابعة تتابع التنسيق بين قواها وتنشطه. كما يدعو إلى مؤتمر مصغر منه بعد أسبوعين من تاريخه لوضع إستراتيجية وآلية موحدة لإدارة الاستحقاقات المقبلة .
بالنتيجة،
من خلال بيان اللقاء، وخلفياته، يمكن أن نرى أن هناك جهد للعودة إلى نقطة الصفر، وإنهاء دور الأشكال السياسية التي مثلت الثورة، من مجلس وطني وائتلاف. بمعنى أن المعدين لهذا اللقاء يأملون بتشكيل تنظيم يحل محل الائتلاف الوطني، بقيادة صورية لمعاذ الخطيب.
ويتم هذا اللقاء التشاوري، في ظل استعداد للمؤتمر الدولي القادم " جنيف 2 "، بهدف إضعاف الائتلاف، وإظهاره على أنه هو المتشدد ومن يقف في وجه الحل السياسي.
وبكل الأحوال، فإن هناك ترقب للاجتماعات القريبة للمعارضة والناشطين، وكيفية التعامل مع استحقاقات ثقيلة في عمر الثورة، وإثبات الائتلاف أنه الممثل الشرعي للشعب السوري باعتراف المجتمع الدولي.
وهناك حاجة لنشاط دبلوماسي من قبل الائتلاف تجاه إسبانيا وغيرها من الدول، والدفع باتجاه إقناعها بلعب دور نبيل في الأزمة السورية، وعدم اتباع سياسات مرتبطة بالأمريكيين، بل إن من مصلحة إسبانيا أن تكون قريبة من العرب، ومن الممثلين الحقيقيين للشعب السوري.