مثلما احتل لبنان ونكّل بشعبه يدمر سوريا ويقتل شعبها

مثلما احتل لبنان ونكّل بشعبه

يدمر سوريا ويقتل شعبها

جان عبد الله

فى بداية عام 1980 نقلت بعض قيادات الحركة الوطنية اللبنانية ما رواه لها حافظ الأسد عن اتصالات عربية به وخاصة من أمير الكويت الذى دعاه للتدخل شخصيا من أجل وقف التدهور الذى يهدد بتفجير الوضع اللبنانى ويخلق مضاعفات خطيرة على صعيد المنطقة قال ويا للأسف الأمير للأسد ( اننا بذلك نعتمد على حكمتك ودرايتك وحرصك على مصلحة لبنان والمصلحة العربية العليا والواجب يقتضى من قبلكم عمل أى شىء لوقف القتال ) ناسيا سمو الأمير أن من يصعدّ الوضع فى لبنان ويمسك بكل مفاتيحه هو نفس الأسد الذى يطلب منه التهدئة

فرد الأسد عليه قائلا ان القضية هى أخطر مما تتصورون ولو كانت القضية تعنينى شخصيا أو تعنى سوريا فقط فان الحكمة كانت تقتضى سحب جيشى من لبنان وأنا مستعد لذلك فى هذه اللحظة هنا ردّ أمير الكويت عليه ما خلاصته لنا كل الثقة بكم ولكم أن تقرروا ما يجب عمله ونحن معكم بكل دعم تريدونه 

فى هذه الفترة كان كل حكام دول الخليج يهابون النظام السورى الذى كان يبتزهم ويرهبهم حتى أن رؤساء أجهزة الأمن السورية الثلاث كانوا يزورون هذه الدول مع زوجاتهم كل سنة ويعودوا محملين بالمال والألماس والهدايا مستغلين خوف هؤلاء الحكام وهنا للتاريخ أذكر واقعة شخصية قبل عام بالضبط من كلام الأسد لأمير الكويت أن صديقا لى هو الأخ عصام النائب وكان يومها عضوا فى القيادة القطرية ولا أدرى كيف استطاع هذا الأنسان الطيب الأنسجام مع قيادة هذا النظام اتصل بى ودعانى لتناول طعام الغداء معه وفعلا حضر الى مكتبى لأصطحابى وأثناء المحادثة أخرج صورة لبرقية وردت لهم من الرئيس اللبنانى الياس سركيس يطلب فيها من القيادة السورية سحب قواتها من لبنان وكان الأخ عصام يقرأ البرقية بنوع من الأستهزاء وعقب على ذلك بأن سركيس مجنون عندما يطلب ذلك فما كان منى الا أن اجبته هل أفهم منك أبا عنفوان أنكم تحتلون لبنان بالقوة

من هنا نفهم باطنية الأسد وادعائه لأمير الكويت بالأستعداد لسحب قواته من لبنان وأنها هناك لمقتضيات المصلحة الوطنية والقومية بينما هى بالحقيقة لنهب خيرات لبنان وبنوكه والهيمنة على شعبه وضمه كجائزة ترضية وافقت عليها أمريكا نتيجة اشتراكه فى الحرب على العراق كما وافقت اسرائيل ضمنيا على هذا الدخول لتبقى الساحة اللبنانية ساحة صراع وتصادم وصراعات عربية من نوع جديد

عقب هذه المرحلة قامت مبادرات من الكويت والجزائر والجامعة العربية والمرحوم ياسر عرفات لتعريب القضية اللبنانية ولكنها حميعها لم تغير شيئا من طرفى المعادلة ولم يستوقف السلطة اللبنانية التى بقيت تعمل على خط واحد هو خطّ الوصى السورى الذى جاء بها وأن أى حل لابد أن يمر من دمشق ويخرج منها حاملا البركات والدعم والتأييد كما استمرت اتصالات سركيس ووزير خارجيته فؤاد بطرس بالأسد لتحقيق نوعا من التفاهم رغم كل الظروف والتعقيدات الا أن هناك واقعة أخرى تكشف الدعم الأمريكى للأسد المقاوم جاءت على لسان السفير الأمريكى فى لبنان يومها جون غونتر دين الذى أبلغ فؤاد بطرس ورئيس الرهبنة اللبنانية بولس نعمان فى اجتماع ضمهما فى فندق البستان ببلدة عين مرى أنه آن الأوان لتحجيم الشيخ بشير الجميل

من هنا رأينا أن حرب المدافع التى استمرت خمسة عشر عاما سقطت فى النهاية ولم تنفع لا أمراء الحرب ولا مخطط حافظ الأسد ومن ورائه ايران اليوم يتابع ابنه بقتل الشعب السورى ويدمر القصبات والقرى والمدن على رؤوس السوريين مأخوذا بالعنجهية والهوس الأيرانى ومعتمدا على أذرع ايران المسلحة فى معظم الدول العربية والتى تعمل بأجندة ولاية الفقيه التوسعية على حساب الأمن العربى ووحدة مجتمعاته التى يسعى الى تفتيتها

ايران اليوم تسعى مثل اسرائيل الى نقل الحرب خارج أراضيها عبر الأحزاب والميليشيات الموالية لها وهنا تبدو الأستراتيجية الأمريكية والأسرائيلية متوافقة تماما مع الأستراتيجية الأيرانية لأن أمن اسرائيل مرهن بدول ضعيفة متصارعة مع بعضها ويسهل اختراقها واذا كان هناك بعض الأختلافات بين ايران وبين قوى الهيمنة العالمية فان ذلك ينبع من تناقض مصالحهما فى أحد خيارين اما أن يتصارعوا يكسب أحدهما ويخسر الآخر أو أن يتفقوا ويقتسموا الغنيمة من هنا نجد أن أهدافهم تعتمد نفس المنطق وتتطابق فى التصور والتطبيق لتنفيذ التمدد الجغرافى بأشكال مختلفة الأساليب منها تفكيك كل مجتمع عن طريق الأثارة المذهبية والعشائرية والطائفية والغزو الثقافى وتكريس كل عوامل التجزئة داخل هذه المكونات ومن هنا نفهم ما قاله يوما السيد حسن نصر الله أن مشروعنا هو الدولة الأسلامية وسيكون لبنان جزءا من الجمهورية الأسلامية الكبرى فى ايران.