المبادرة الدولية" وقابليتها للحياة

المبادرة الدولية" وقابليتها للحياة

عقاب يحيى

أشهر طوال والحكي يلفّ مع لفّات المندوب الدولي : عنان وبعده الإبراهيمي، والجوهر : مبادرة سياسية لإيجاد مخرج ل"لأزمة السورية".. ضمن سقف ما زال يراوح بين الصفيح والتلميح ..

اتفاق جنيف كان غامضاً لجهة مصير رأس النظام القاتل : الإبقاء عليه حتى العام 2014 ـ تفويض بعض صلاحياته لنائبه، أو لمجموعة غير ملطخة أيديها بالدماء، أو التنحية الكلية .

ـ الروس كانوا وما يزالون مصرين على بقاء القاتل، وإن سرّبوا ـ كعادتهم ـ عديد الأفكار عن " أن الذي يهمهم الشعب السوري"، وعن إمكانية التوصل لاتفاق على إبعاد القاتل من أي تسوية ..

ـ الإيرانيون يتمسكون بالنظام ورأسه " بؤبؤ العين" وجسرهم الكبير للمنطقة، وهم يعرفون أية خسارة ستلحق بمشروعهم الاستراتيجي عند سقوطه، ومصير خطابهم الهجومي في المنطقة لذلك يتمسكون حتى الرمق الأخير بحليفهم، وصديقهم، ووسيلتهم .

ـ الغريب في اللوحة الموقفين : الأوربي والأمريكي، فالأول، خاصة الفرنسي والبريطاني، لم يخف طرحه بواجب تنحية القاتل، وإبعاده عن أية تسوية، والأمريكان يراوغون بين التنحية المسبقة، وإمكانية حدوثها عبر بدء المفاوضات.. ثم ما يحكى هذه الأيام عن توافقات روسية أمريكية، أو توريط أمريكي للروس...

وماذا عن المعارضة ؟.. الثورة وما تريد ؟..

كلام التسوية السياسية بوجود، واستمرار القاتل ونظامه.. كان يمكن التعاطي معه قبل عام ونصف مثلاً.. حين كانت الدماء في أول نهيرها.. وحين كان الإجرام في بداياته لم يبلغ هذا المستوى الخطير.. أما اليوم، وبعد عامين من الثورة طافحات بالتضحيات والشهداء والآلام، والدمار والألم، والتصميم.. فهل يمكن الحديث عن تسوية مع نظام مجرم، والإبقاء عليه وكأنّ شيئاً لم يحدث.. لتعود حليمة : نظاماً دموياً يتبرقع بالإصلاح، وبوعود الانتقال إلى وضع ديمقراطي ؟..

ـ نعرف أنهم يريدون وضع الثورة بين المطرقة والسندان، وإظهارها بالموقع" العدمي" الذي لا يعي، ولا يراعي مصالح البلد والشعب والدم والدمار والقادم الخطير. ونعلم أكثر، انه رغم البطولات العظيمة التي يجترحها شعبنا، ورغم التقدّم الكبير للجيش الحر وتحرير مناطق كبيرة من بلادنا.. ورغم قرار التصميم المتخذ بالمضي في المعركة مهما كانت كلفتها، وكخيار مفروض حتى النصر الشامل.. أنه، وبظل موازين القوى الحالية، وبظل حجم الدعم الذي يصل للجيش الحر من أسلحة متطورة، مقابل ما يملكه النظام المجرم من أسلحة مختلفة، وما يصله من حلفائه.. أن حسم المعركة عسكرياً سيأخذ وقتاً طويلاً، يحمل معه مزيد الخسائر والتضحيات والدمار، بما في ذلك احتمالات خطيرة تلوح في أفق بلادنا.. وأن قوى المعارضة والثورة مستعدة للتعاطي مع الحلول السياسية من موقع تحقيق الهدف، وعلى طريقه : إنهاء نظام الاستبداد والفئوية، والانتقال المبرمج والمحدد للنظام الديمقراطي.. ولكن ..

ولكن : هذا القبول لا يمكنه أن يكون عاماً ودون شروط الحد الأدنى...وهي : تنحية رأس النظام وكبار رموزه وتحويل المتورطين بالقتل للمحاكم، وهي الشروط التي اتفقت عليها أغلبية المعارضة في مؤتمر القاهرة/ بداية الشهر السادس للعام الفائت/ رغم وجود من يتنصل منها، ومن يتأتئ في تفسيرها للتملص وإيجاد جسور تواصل مع المطروح دولياً .

ـ بصراحة، ودون توفر مثل هذا الشرط المسبق.. فإن الانسياق خلف التحركات الدولية، وما يعرف بالمبادرة الأممية سيكون ضرباً من الانزلاق الخطير الذي يمهد لصراعات كبيرة بين قوى الثورة، وسيؤدي إلى نتائج خطيرة تخصّ مطالب الثورة الرئيس.. وذلك بغض النظر عن كل الكلام الجميل عن " حكومة مطلقة الصلاحيات"، وعن " ضمانات دولية" لها، وستضع الثورة والقاتل في مصاف واحد، وستتيح له فرصاً كبيرة للنحر والتجويف والارتداد وقضم الوقت ..

*******

ـ يقول بعض المحللين أن الأمريكان، ومعهم" اصدقاء الشعب السوري" قبلوا بذلك ل"توريط" الروس، أو دفعهم للغرق في هذا المشروع الذي لن يكتب له النجاح، وهناك من يتحدث عن تكتيكات كبرى تقترن بدعم حقيقي للمعارضة والجيش الحر لبناء ميزان قوى جديد على الأرض يتحدث بنفسه، ويملي شروطه، وحينها سيسقط هذا الميزان مثل تلك المبادرة ليبني مبادرة جديدة يكون نظام الإجرام مرغماً فيها على التعاطي من موقع الهزيمة والانهيار...وعلى ذلك لا تبدو المبادرة الحالية قابلة للحياة لافتقادها إلى الروح والشروط العملية.. فلماذا، والحال هذه، تغامر المعارضة بالدخول إلى حلبة ملغومة ؟ ومعروفة النتائج مسبقاً؟، ولماذا لا تصرّ جميعها على التمسك بالثابت المتفق عليه وممارسة الضغط لانتزاع القبول به : تنحية رأس النظام وعدد متفق عليه من كبار رموزه؟، وحينها يمكن الدخول بقوة مرحلة مفاوضات تسليم السلطة والانتقال لوضع ديمقراطي حقيقي يضع حداً نهائياً للطغمة المجرمة وآثارها ؟؟....وهذا ممكن عند تغيير ميزان القوى على الأرض، وعند وجود قيادة متماسكة قادرة على صياغة أهداف الثورة، وانتزاع الاعتراف بها، وتجسيدها في أية مفاوضات ممكنة ..