المعارضة.. والطريق الخطأ

المعارضة.. والطريق الخطأ

بدر محمد بدر

[email protected]

لا أضيف جديدا إذا قلت إن أحزاب المعارضة والتيارات السياسية العلمانية بمختلف أطيافها، خسرت كثيرا من المؤيدين لها والمتعاطفين معها، بسبب أدائها المخيب للآمال طوال الفترة الماضية.

لكن الجديد في رأيي أن موجة التحريض ضد التيارات الإسلامية عموما، والسلطة الشرعية المنتخبة خصوصا، هذه الموجة الرعناء التي يمارسها بعض أذناب العهد البائد في وسائل الإعلام، حتى تلك التي تمولها الدولة، مع الأسف، بدأت تؤدي على أرض الواقع إلى نتائج عكسية، وعبر أكثر من لقاء جماهيري شاركت فيه الأسبوع الماضي في الريف والحضر، أدركت أن وعي الظهير الشعبي للتيارات الإسلامية، هو الصخرة التي بدأت تتحطم عليها موجات هذا التضليل المستمر.

اكتشف الناس في ربوع مصر المحروسة أن ما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة، وأن ما تناقشه فضائيات رجال الأعمال، الذين ارتبطوا بمصالح فاسدة مع النظام السابق، وأن ما يطرحه رموز اليسار والناصرية ومدعو القومية والليبرالية لا يعبر عن الواقع، وأن المبالغة الشديدة أفقدتهم الثقة في ما تقدمه هذه النخبة من معلومات وآراء، وبدأ الكثيرون يتساءلون عن الأهداف الحقيقية التي تكمن خلف هذا التضليل السياسي المتعمد، وكما يقال: الأمر إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.

رجل الشارع البسيط يلاحظ أن هذه الأحزاب والقوى العلمانية تتفرغ الآن فقط لتشويه صورة الإسلاميين، وإهالة التراب على أي إنجاز يقومون به، وكأن هؤلاء مجموعة من الشياطين هبطوا علينا من السماء، وفي نفس الوقت لم تقدم هذه القوى أي مبادرة أو فكرة حقيقية لدعم المواطن البسيط، الذي يعاني الكثير من الأزمات، بل إن حالة الفوضى التي تفتعلها هذه الأحزاب، تؤثر كثيرا على فرص تحسن الاقتصاد بما يساهم في تحقيق ظروف معيشة أفضل لصالح ملايين الفقراء.

المعارضة اليسارية والليبرالية فقدت بالفعل كثيرا من الذين تعاطفوا معها في البداية، أملا في تحقيق توازن وتنافس حقيقي مع التيارات الإسلامية في العمل السياسي، ورغبة في وجود مشروعات وأفكار تنموية حقيقة تتبارى لمصلحة الوطن والمواطن، بسبب توفيرها غطاءا سياسيا تحريضيا للعنف الذي يمارسه البلطجية حاليا، ولم تبذل أي جهد ملموس للنزول إلى الشارع، وتقديم أفكارها وبرامجها ورموزها للناس، حتى تحصل على ثقتهم وأصواتهم في البرلمان القادم.

العمل السياسي الميداني مع الجماهير، والنزول إلى رجل الشارع، والتفاعل مع المشكلات الحقيقية للمواطن، هو الطريق الصحيح للوصول إلى السلطة وتولي المسئولية، وإن كان البعض يتصور أن النظام الحالي، الذي جاء لأول مرة بإرادة الناخبين الحرة، يمكن أن يتغير بغير المسار الديمقراطي الطبيعي، الذي عملنا من أجل الوصول إليه طويلا، وضحينا كشعب بدماء الشهداء، وجراح المعذبين، وآلام المحبوسين في المعتقلات، وقسوة الظلم والفساد، فهو واهم يضحك على نفسه.   

لا أهتم كثيرا بمجموعة الصبية الصغار، الذين يقذفون قصر الرئاسة (رمز الدولة) بالحجارة وزجاجات المولوتوف بلا هدف، أو يثيرون المتاعب هنا وهناك، لأن تطبيق القانون بجدية وحزم كفيل بإنهاء هذه الصور الكريهة، ولكني مشغول أكثر بمدى إلتزام المعارضة بالمسار الديمقراطي، وحقيقة احترامها لإرادة الشعب التي يعبر عنها في صناديق الانتخابات، وهل لديها بالفعل القدرة على تقديم برنامج سياسي حقيقي وواقعي لأن هذه النقاط هي التي تحدد طريق المستقبل لهذا الوطن.

ثورة يناير الرائعة زادت من مساحة الوعي والنضج السياسي في المجتمع المصري كله، وزادت أيضا من إصرار الجميع على رفض كافة أشكال الاستبداد والظلم والطغيان، ولم يعد مقبولا من أي قوى سياسية أن تتحدث باسم الشعب إلا إذا فوضها بذلك، عبر انتخابات حرة ونزيهة.