لا مساحة للحوار في ذهن هذا النظام

محمد فاروق الإمام

لا مساحة للحوار في ذهن هذا النظام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

منذ اللحظات الأولى لانطلاق الثورة السورية وأفق هذا النظام لا يسير إلا في اتجاه واحد وهو الحل الأمني في مواجهة المظاهرات السلمية التي انطلقت في سورية، أسوة بما حدث في تونس وليبيا ومصر، تنشد الحرية والكرامة والديمقراطية والدولة المدنية التي افتقدتها منذ نصف قرن.

واستقبل المتظاهرون الثائرون على الظلم والديكتاتورية والفساد بصدورهم العارية رصاص أدوات النظام من شبيحة ورجال أمن وجيش لم يميز بين صغير أو كبير، أو بين رجل أو امرأة، أو بين حيوان أو شجر أو حجر.

وفي تطور دراماتيكي وسريع.. طور النظام مستوى نيران أدواته من البندقية إلى الرشاش فالمدفع فالدبابة إلى الصواريخ والطائرات، ومارس أساليب القهر والتجويع في الحصار ومنع الغذاء والماء والدواء والاتصالات عن معظم المدن التي خرج أهلها ينشدون الحرية، بغرض دفع هؤلاء المتظاهرين للجوء إلى حمل السلاح في مواجهته، ظناً منه أنه وبقوة النيران الهائلة والمدمرة التي يمتلكها سينهي الثورة ويقمعها بوقت قياسي، تحت شعار محاربته الإرهاب والمتطرفين الذي يجعل الغرب وأمريكا يباركون مثل هذه الحرب القذرة أو يغضون الطرف عن نتائجها المدمرة، كما كان يعلن عبر إعلامه الرخيص، عندما كان يقول إنه يواجه مجموعات إرهابية مسلحة ومتطرفه، وأنه سيقضي عليها ويحسم الأمر معها خلال أيام، ثم رفع سقف تمنياته لقمعها إلى أسابيع، ومن ثم إلى أشهر دون أن يحقق أي انتصار يذكر على الثوار الذين كانوا في نمو متزايد وتكتيك مذهل، وكل ما حققه النظام كان ينحصر في قتل عشرات الآلاف من المدنيين، وارتكاب مئات المجازر البشعة والبهيمية بحق الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين في بيوتهم، وتدمير ملايين المنازل والمؤسسات الحكومية والخدمية والثقافية والرياضية والمجتمعية، وعدم توفير دور العبادة، وتعطيل البنية التحتية وتخريبها، وسوق عشرات الآلاف إلى السجون والمعتقلات، ودفع الملايين إلى النزوح والتهجير، توازياً مع رفع سقف نيرانه المدمرة نوعاً وكيفاً وكمّاً في بربرية ووحشية ما سبقه إليها أحد لا في الأولين ولا في الآخرين.

وتمكنت كتائب الثورة المتمثلة بالجيش الحر من إحراز انتصارات نوعية وكبيرة وفي زمن قياسي، رغم عدم تكافؤ القوى، فقد تمكنت هذه الكتائب من دحر العصابات الأسدية بكل ما تملك من ترسانة حربية مدمرة، دفع الشعب السوري ثمنها من عرقه وجهده ليحرر أرضه المغتصبة ويدافع بها عن حياض الوطن ودفع غوائل المعتدين، فقد أحرزت هذه الكتائب انتصارات باهرة في محافظات حلب وريفها، وإدلب وريفها، ودير الزور وريفها، والرقة وريفها، وحمص وريفها، وحماه وريفها، ودرعا وريفها، وريف اللاذقية، إضافة إلى السيطرة على عدد من المطارات الحربية وحصار ما تبقى منها أو تعطيله، كما هو الحال في مطار دمشق الدولي ومطار حلب الدولي، والسيطرة على كل المعابر الحدودية مع تركيا، ومعظم المعابر مع العراق، وبعض الحدود اللبنانية والأردنية، إلى أن وصلت كتائب الجيش الحر إلى عقر دار النظام في الأحياء المحيطة بالقصر الرئاسي بعد ان حررت معظم المدن والقرى في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية والأحياء الجنوبية لدمشق، وتهديد مطار دمشق الدولي شريان النظام الذي يتنفس من خلاله بنيران أسلحتها، وكان العالم والمجتمع الدولي بكل مكوناته المؤسسية والرسمية يتجاهل ما يجري في سورية وما يقوم به النظام السوري وما يرتكب من مجازر وجرائم وفواحش وموبقات بحق الشعب الأعزل والمدنيين، اللهم إلا من بيانات الشجب والتنديد والوعود، وتقديم بعض المساعدات الإنسانية المحدودة التي لا تتساوى لا كماً ولا كيفاً مع الحالة المزرية والمشينة التي وصل إليها الشعب السوري، الذي احتضن الملايين واستقبلهم في بيوته من المهجرين والنازحين من الدول العربية الشقيقة وكان آخرها استقبال الشعب السوري لكثر من نصف مليون مهجر من جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية في حرب عام 2006، وتقاسم معهم رغيف الخبز وشربة الماء.

لقد أغمض العالم والمجتمع الدولي عينه عما يرتكبه الأسد من جرائم بحق شعبه، دون أن يتخذ أي قرار جريء بكف يده أو ردعه، لوقف شلال الدم النازف لنحو سنتين، وكأن ما حدث ويحدث في سورية كان نتيجة لزلزال أو إعصار مدمر لا يتطلب تدخلاً بأكثر من تقديم بعض المساعدات الإنسانية!!

لقد حظي النظام السوري الباغي على فرص عديدة أتاحت له الزمن الكافي بقصد إجهاض الثورة وقمعها، فقد تقدمت الجامعة العربية بمبادرة سلمية واستغلها أبشع استغلال لشهور، تغوّل فيها في قتل المدنيين وارتكاب العديد من المجازر البشعة تحت بصر وسمع المراقبين العرب، ثم كانت مبادرة كوفي عنان ذات الست نقاط، وأعلن النظام عن قبوله لها، واستطاع كسب المزيد من الوقت ليرتكب المزيد من الجرائم، دون أن يحقق أي انتصار على الأرض، وجاءت مبادرة الأخضر الإبراهيمي بمباركة عربية ودولية أتاحت له المزيد من الوقت، أتاحت للأسد المزيد من الوقت ليرفع سقف جرائمه وانتهاكاته لحقوق الإنسان وتوسيع دائرة القتل والتدمير واستباحة المدن والبلدات والقرى بكل اشكال الأسلحة الفتاكة والمدمرة، والتي كانت تأتيه من طهران وموسكو عبر جسور برية وبحرية وجوية دون توقف. ولكن النظام رغم امتلاكه لكل أسلحة الموت والدمار فإنه أخفق في تحقيق أي انتصار على الجيش الحر، الذي تمكن بما لديه من أسلحة متواضعة وغير متكافئة، من إلحاق الهزائم بجيشه وشبيحته ورجال أمنه، حتى بات القصر الجمهوري مهدداً بنيران أسلحة الجيش الحر، وقد وجه إليه الثوار يوم أمس السبت صاروخي جراد، إضافة إلى تحرير مساحات واسعة من الخريطة السورية، ليصبح الجيش الحر هو صاحب اليد العليا، وقد بسط سيطرته على العشرات من مراكز الفروع الأمنية والحزبية وكتائب الدفاع الجوي والثكنات والسجون والمطارات العسكرية، حتى ليقال أن بشار الأسد لم يعد يسيطر إلا على مكان تواجد مدرعاته وراجمات صواريخه ومدفعيته التي هي في طريقها للوقوع بيد الجيش الحر عاجلاً أو آجلاً.

وكان آخر هذه المبادرات ما كتبه الشيخ أحمد معاذ الخطيب من ترنيمات على صفحته على التويتر من منطلق إنساني لوقف شلال الدم، والتي طالب فيها النظام بالإفراج عن 160 ألف معتقل ومعتقلة ومنح السوريين خارج سورية جوازات سفر، وأعرب عن استعداده للقاء فاروق الشرع للتفاوض حول الانتقال السلمي للسلطة ورحيل بشار الأسد، وتلقفها الغرب وراح يسوقها على أنها مبادرة، ولكن النظام الباغي الذي لا يريد ان يتنازل عن أي شيء ويريد كل شيء أجهض هذه المبادرة في مهدها ورفضها على تواضعها.

الغرب وأمريكا لا زالا يراهنان على موسكو لتبني مبادرة سلمية تقودها لاستنساخ النظام بلون باهت جديد بدون الأسد، بعيداً عن إرادة الشعب السوري والمطالب التي حددها الثوار: (رحيل الأسد وكل رموز حكمه وأركانه)، رافضين أي تدخل أو حتى السماح بوصول السلاح النوعي للجيش الحر ليتمكن من إيجاد حظر جوي، يحول دون صب طائرات نظام بشار حمم قنابلها وصواريخها وبراميلها المتفجرة والحارقة والمدمرة على رؤوس المدنيين والعزل، بحجة الخوف من وقوع هذه الأسلحة بيد المتطرفين والإرهابيين، في حين لا تزال روسيا وإيران تمدان النظام بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة وقطع الغيار إضافة إلى الخبراء، ورفد النظام بكل ما لديهم من ذخائر متنوعة وفتاكة بعيداً عن أي رادع أخلاقي أو إنساني.

وقد ذهبت إيران وروسيا بعيداً في التدخل في سورية لصالح النظام السوري، فقد أعلن لافروف أن الأسد باق ولن يرحل، في حين أعلنت إيران وعلى لسان بعض قادتها في قم أن سورية هي المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين، وأن طهران لو خيرت بين بقاء محافظة خوزستان الغنية بالنفط وبين سورية، لفضلت سورية على خوزستان، وإيران لا تخفي دعمها العسكري للنظام السوري فقد أمدته بعشرات الآلاف من الخبراء والفنيين والمقاتلين من عناصر الحرس الثوري، يقاتلون إلى جانب بقايا الجيش النظامي الذين لا يزالون موالين للنظام من منطلق طائفي بحت، في حين قامت ميليشيا حزب الله باحتلال عدد من القرى الحدودية مع لبنان وهي تقاتل إلى جانب النظام منذ شهور، وقد أكد رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، في مقابلة خاصة مع "العربية"، أن "سوريا اليوم محتلة من قبل إيران، ويديرها اللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وليس الرئيس بشار الأسد".

وأعلن حجاب في ذات السياق أن "هناك نحو خمسين ألف إيراني وخمسين ألف عنصر من حزب الله يقومون بقتل الشعب السوري ويناصرون النظام".

وتناغمت واشنطن مع موسكو وطهران بموقفها السلبي من الثورة السورية عندما رفض الرئيس الأمريكي أوباما الاستماع إلى توصية من وزراء الخارجية والدفاع ورئيس الجهاز الأمني تطالبه بالتدخل في سورية حفاظاً على مصالح أمريكا وحلفائها العرب في المنطقة، وجاء رفضه التدخل بحجة عدم الوقوع فيما وقعت به أمريكا في العراق وأفغانستان، والتي نتج عنها كارثة اقتصادية لم تستطع التعافي منها حتى الآن، والحقيقة التي تمنع أوباما من التدخل هو الضغوط الهائلة التي تمارسها الدولة العبرية عليه والتي لا تريد سقوط نظام آل الأسد، وهو الذي حمى حدودها الشمالية لأكثر من أربعين سنة، وتخشى ممن سيأتي بعده، وإلا ما هو تفسيره للتدخل في ليبيا بعد أسبوعين من انطلاقة الثورة فيها، ومن تدخله في مالي لمساعدة القوات الفرنسية فيها، ومن تدخله اليومي والمستمر منذ سنوات في إرسال طائراته بدون طيار لتقصف مناطق في باكستان واليمن، وقد كشفت هلري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، في مقابلة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام، أكدت فيها أن إخفاق واشنطن في سورية كان نتيجة عدم إصغاء الرئيس أوباما لعرضها خطة تقدمت بها مع مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية دافيد بترايوس، في نهاية حزيران 2012 لتقديم دعم عسكري للمجموعات المسلحة في سورية، رفضها الرئيس أوباما الذي كان مشغولاً بحملته الانتخابية لمصلحة وثيقة جنيف التي قدمها كوفي عنان.

ختاماً نقول للعالم وللمجتمع الدولي ولداعمي النظام السوري: "أنتم تريدون ونحن نريد والله يفعل ما يريد"!!