إعلان انقلاب الحوثي اليوم في اليمن على غرار انقلاب السيسي في مصر
إعلان انقلاب الحوثي اليوم في اليمن
على غرار انقلاب السيسي في مصر
محمد شركي
من تداعيات إجهاض ثورات الربيع العربي على الأنظمة الفاسدة حدوث ثورات مضادة تأخذ شكل الانقلاب على ما أفرزته الثورات من شرعية . وكانت البداية في مصر حيث انقلب لواء عسكري نصب نفسه فيما بعد مشيرا ،وهو من ضباط النظام الفاسد الذي أطاحت به ثورة يناير على ما ترتب عنها من شرعية . والجدير بالإشارة أن قوى دولية غربية وإقليمية كانت تربطها علاقة بالنظام المنهار ساهمت بشكل مكشوف في الثورة المضادة لثورة يناير ، وأضفت عليها الشرعية ، ومولتها نكاية في نظام حكم ذي مرجعية إسلامية راهن عليه الشعب المصري بعد ثورة يناير. ولقد صادفت الثورة المضادة في مصر أو الانقلاب العسكري هوى في نفس القوى الدولية الغربية التي تتوجس مما تسميه الإسلام السياسي، فخططت للإطاحة عن طريق انقلاب عسكري بأول تجربة ديمقراطية حقيقية في مصر ،وباركت هذه الإطاحة ، ومارست وصايتها على القوى الإقليمية وتحديدا الدول الخليجية لدعمها ماديا ومعنويا . وهكذا عاد النظام الذي أسقطته ثورة يناير من النافذة بعد طرده من الباب ، وأكد على ذلك إخلاء سبيل الرئيس المخلوع قضائيا هو وحاشيته . والحقيقة أنه ظل يزاول حكمه الديكتاتوري خلف قضبان وهمية لذر الرماد في العيون إلى أن تم التأكد من خنق ثورة يناير بثورة مضادة قوامها انقلاب عسكري لأحد الضباط الموالين للرئيس المخلوع الذي لم يتخل عن صلاحيته في مسرحية سياسية هزلية تورطت فيها قوى دولية غربية وإقليمية بشكل فاضح . ولا غرابة أن تحذو الأنظمة المنهارة حذو النظام المصري المنحل شكليا وحذو ثورته المضادة ، بحيث يزاول الرؤساء المخلوعون شكليا حكمهم وهم في وضعية الخلع . وهكذا ظل الرئيس التونسي الفار يحكم تونس عن بعد بعدما وفرت له القوى الإقليمية الخليجية الملجأ لأن وضعيته لم تكن كوضعية الرئيس المصري المحتمي بضباطه والمتأكد من ولائهم ومن حماية القوى الدولية الغربية له في مصر. وبشكل درامي ومفاجىء انقلبت نسبة فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس، وعاد الرئيس الفار من النافذة أيضا بعد فراره من الباب ، وعاد حزبه بلافتة توهم بجدته وأخذ بزمام الأمور كما كان من خلال مسرحية انتخابية هزلية ذرت الرماد في العيون بالطريقة المصرية ، ولكن بأسلوب انقلاب انتخابي . وما حدث اليوم في اليمن هو استمرار للثورات المضادة في بلدان الربيع العربي . وعلى غرار الرئيسين المخلوعين في مصر وتونس ظل الرئيس اليمني يزاول مهامه كما كان بعدما ضمنت له القوى الدولية والإقليمية الخليجية المكوث في البلاد ، وهو يدير الأحداث بالشكل الذي يضمن استمرار حكمه . وهكذا عاد هو الآخر من النافذة بعد خروجه من الباب . وإذا كان الرئيس المصري المخلوع قد راهن على ضباطه الذين أغدق عليهم بنعمه ، والرئيس التونسي المخلوع قد راهن على حزبه النافذ في البلاد ، فإن الرئيس اليمني قد راهن على عشيرته القبلية المسلحة وعلى ميلشيات الحوثي المدعوم من إيران نكاية في الثورة الشعبية عليه ، وجميعهم راهنوا على دعم القوى الدولية الغربية والإقليمية التي آلت على نفسها إحباط ثورات الربيع العربي الشعبية بثورات مضادة في شكل انقلابات بأساليب تختلف من بلد إلى آخر . واليوم تم الإعلان عن انقلاب الميلشيات الحوثية وميلشيات عشيرة الرئيس المخلوع على الشرعية في اليمن من خلال ما سمي إعلانا دستوريا وضعه الحوثي الذي نصب نفسه وليا فقيها على غرار ولاية فقيه دولة إيران ،علما بأنه يتلقى الأوامر من ولاية الفقه الإيرانية . وإذا ما سأل سائل : وهل يعقل أن تتوافق القوى الإقليمية الخليجية والإيرانية المتصارعة إيديولوجيا أو كيف يقع التقارب بين أنظمة عقيدتها سلفية وهابية ونظام عقيدته شيعية ، كان الجواب إن السياسة لا تقوم على الأخلاق وإنما تقوم على المصالح . ومعلوم أن في هذا الظرف بالذات تخوض القوى الغربية سلسلة محادثات مع دولة إيران حول ملفها النووي ، وهي محادثات تدور حول فكرة تقاسم المكاسب أو المصالح . فإيران من أجل صيانة مصالحها في المنطقة تتخذ من ملفها النووي فزاعة لتهديد القوى الغربية التي تتكفل بحماية أمن إسرائيل الذي هو خط أحمر يعتبر المساس به مساسا بمصالح الغرب الاستراتيجية في منطقة ثورة بترولية هائلة تتحكم في الاقتصاد العالمي . ومعلوم أن المحادثات بين القوى الغربية وإيران عرفت مؤخرا انتعاشا ملحوظا بسبب الأوضاع المتوترة في منطقة الشرق الأوسط التي أريد لها عمدا أن تكون كذلك بحكم صراع المصالح بين القوى الدولية التي توظف قوى إقليمية ترتبط مصالحها بمصالح تلك القوى التي توظفها .فمصالح الروس متعلقة ببقاء النظام البعثي في سوريا ، وهم يوظفون إيران من أجل ذلك . ومصلحة الغرب في ظرف المحادثات حول ملف إيران النووي اقتضت غض الطرف عما يحدث في سوريا بما في ذلك قتال قوات نظامية إيرانية و ميلشيات لبنانية وعراقية تابعة لها عقديا . وإذا كان الغرب الذي أعلن تأييده للمعارضة السورية وعقد اللقاءات الدولية من أجل ذلك قد تخلى عن دعم هذه المعارضة عمليا فلا غرابة أن يغض الطرف عن انقلاب الميليشيات الحوثية الموالية لإيران من أجل تحقيق مصالحه بخصوص الملف النووي الإيراني . ولما كانت مصالح القوى الإقليمية الخليجية مرتبطة بمصالح القوى الغربية كارتباط مصالح روسيا بمصالح إيران ،فإن زواج المصلحة جعل من يؤيدون الرئيس اليمني المخلوع في الخليج يسكتون بإيعاز من القوى الغربية عن انقلاب الحوثي الذي تآمر معه الرئيس اليمني المخلوع ـ ولكل منهما مصالح ـ نكاية في ثورة الربيع اليمني . ولقد ساهمت الفوضى العارمة في منطقة الشرق الأوسط حيث اختلط الحابل بالنابل والدارع بالحاسر كما يقال في خدمة صفقات المصالح ، ذلك أنه من مصالح القوى الغربية التحالف مع خصومها ضد خصوم آخرين . فالقوى الغربية تخوض حربا ضد ما تسميه الإرهاب في اليمن والعراق وسوريا ، وهي توظف تحالفها مع إيران في حربها مع أنها تصرح بأن إيران خصم أيضا . وهكذا تتحكم المصالح في تحديد أي خصم يجب التحالف معه ضد الخصم الأخطر . ولا يستغرب من القوى الغربية أن تغير تحالفاتها باستمرار بناء على مصالحها . ولنا مثال واضح على ذلك في تحالف هذه القوى الغربية مع نظام البعث العراقي في حربه ضد نظام ولاية الفقيه في إيران لما اقتضت المصالح ذلك . وبناء على تغيير حدث في المصالح الغربية تحالف الغرب مع نظام ولاية الفقيه ضد حزب البعث ، وهو اليوم يتحالف معه من جديد من أجل مصالح مرتبطة بملف نووي إيراني يقض مضاجع الغرب من خلال تهديده للكيان الصهيوني الخط الأحمر الضامن للمصالح الاستراتيجية الغربية . ومن أجل سلام الكيان الصهيوني أو بالأحرى من أجل صيانة المصالح الاستراتيجية الغربية خطط الغرب من أجل استئصال ثورات الربيع العربي عن طريق مؤازرة الثورات المضادة التي ضمنت استمرار الأنظمة التي أطاحت بها ثورات الربيع . وتجدر الإشارة إلى النظام السوري يدعم على أساس أنه ثورة مضادة لثورة الشعب السوري ، كما أن عصابات حفتر في ليبيا تدعم على أساس أنها ثورة مضادة لثورة الشعب الليبي ، علما بأن حفتر من رموز النظام المنهار الذي لم توفر القوى الغربية و الإقليمية الحماية لرأسه على غرار الحماية التي وفرت للرؤساء الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي، نظرا لمزاجه المتقلب ولسوابقه في شق عصا الطاعة على الغرب في عدة مناسبات . وأخيرا لا بد أن نشير إلى أن ظهور ولاية الفقيه في اليمن هي من تداعيات المصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط إلى أن يجد جديد هذه المصالح التي تحدد الخريطة السياسية للوطن العربي.