الشرطي الإسرائيلي
معين الطاهر
مازال البعض يعتقد أن دور اسرائيل في المنطقة العربية، يتجسد في كونها شرطيا، يحمل هراوة غليظة، بما وفره لها الغرب من أسلحة حديثة ومتطورة، ليهدد بها أي اعتداء على مصالح الغرب، أو اي محاولة للتغيير في المنطقة . و يتوهم البعض أن هذا الكيان الغاصب قادر على حمايته، اذا ما أصبح طرفا فاعلا في المنطقة، وجزءا من نحالفاتها ومحاورها الاقليمية، معيدا بذلك لهذا الكيان دورا فقده عند الغرب الاستعماري ذاته.
ربما كانت هذه الفرضية صحيحة عندما قام الغرب بتأييد قيام اسرائيل باعتبارها شرطيا ينوب عنه في بلادنا العربية، ويساعده في الحفاظ على مصالحه الحيوية. واستمرت هذه المقولة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحققت حين شارك الجيش الاسرائيلي في العدوان الثلاثي على مصر، مع فرنسا وبريطانيا، سنة 1956, قبل أن ينسحب سريعا من سيناء بعد تدخل الرئيس الأمريكي ايزنهاور في ذلك الوقت.
على أن هذه المقولة بدأت في التراجع عمليا مع انحسار النفوذ الاستعماري الأوروبي، وزيادة النفوذ الأمريكي، وحلول الولايات المتحدة وقواعدها العسكرية وأساطيلها، محل القوة العسكرية للإمبرطورية البريطانية التي غابت عنها الشمس.
ويلاحظ في تلك المرحلة أن مجمل الأحلاف العسكرية التي شكلتها الولايات المتحدة مثل حلف بغداد (الحلف المركزي أو السنتو) والذي ضم العراق وايران وباكستان وتركيا، وحتى حلف الناتو قد غابت عنها اسرائيل، رسميا على الأقل، في حين شاركت فيها بعض الدول العربية والاسلامية مثل تركيا والعراق وايران وباكستان .
ما بعد 1948 وباستثناء العدوان الثلاثي على مصر، لم تشهد المنطقة أي تدخل اسرائيلي مباشر لحماية المصالح الغربية ، أو الأنظمة الموالية للغرب، مع الأخذ بعين الاعتبار تحليق الطيران الاسرائيلي فوق المدرعات السورية عندما دخلت الى الأردن في سنة 1970 ، حيث اعتبر بمثابة انذار اسرائيلي، تم على اثره سحب تلك المدرعات من الأراضي الأردنية .
في حرب تشرين 1973، اضطرت الولايات المتحدة إلى تسيير جسر جوي مباشر إلى المطارات في سيناء، لتعويض الجيش الاسرائيلي عن خسائره في المدرعات والذخائر، وتبين حينها أن على الغرب أن يساعد اسرائيل للبقاء، ونشطت الدبلوماسية الأمريكية لمساعدته في تقليص النتائج السياسية للهزيمة ، وتحويلها الى نصر .
انهارت تماما نظرية أن اسرائيل هي شرطي المنطقة في حرب الخليج الأولى، إذ تبين أن اسرائيل هي عبء ثقيل على الغرب، لم يوافق التحالف الغربي على مشاركة الجيش الاسرائيلي في الحرب ضد العراق، بل وأطلق تعهدات كاذبه بأنه سيهتم بحل القضية الفلسطينية بعد الحرب . وطلب الرئيس بوش من اسحاق شامير عدم الرد على الصواريخ العراقية التي سقطت قوق الكيان الصهيوني، وأرسل بطاريات صواريخ باتريوت للتصدي لهذه الصواريخ . لم تستطع اسرائيل أن ترد بطلقة واحده نتيجة للضغط الأمريكي المباشر عليها، ولم تستخدم الولايات المتحدة حتى التسهيلات اللوجستية من اسرائيل تحسبا من أي حساسيات قد يسببها ذلك، وبدا واضحا في هذه الحرب أن هذا الشرطي المزعوم بحاجة إلى من يحميه، وأنه قد تحول عبئا حقيقيا على حماته والمدافعين عنه .
منذ مشاركة اسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر، وحتى اعلان الحرب ضد داعش، لم تتمكن اسرائيل أن تكون جزءا من أي تحالف علني في المنطقة، ودوما هرعت الجيوش والأساطيل والطائرات الغربية الى المنطقة لتدافع بنفسها عن مصالحها وحلفائها .
على أنه يجدر الانتباه إلى أن الكيان الصهيوني يبذل جهودا كبيرة من أجل استعادة دوره المفقود، وهو يدرك تمام الادراك أنه لن يستطيع العودة الى دور الشرطي في المنطقة ، بالاعتماد على تفوقه العسكري فحسب، وانما يتوجب علية أن يكون جزءا من المنطقة التي ينبغي له أن يكون شرطيها .
في غمرة الحرب على غزة، صرح نتنياهو بأن أحد أبرز انجازات الحرب على حد زعمه، هو سعيه لبناء لعلاقات استراتيجية نمت وتطورت قبل وخلال الحرب مع أطراف عربيه . ولعل هنا بيت القصيد، إذ أن اسرائيل تسعي لأن تكون جزءا من الصراعات العربية في المنطقة، وأن يكون لها علاقات مع الوسط العربي المحيط بها، وعندها تسطيع أن تكون جزءا من المعادلة الاقليمية، ويسمح لها بأن تكون الشرطي والجلاد والحاكم بأمره، أذا أصبحت جزءا من نسيج المنطقة المتهالك، وطرفا في محاورها وصراعاتها .
على أن ذلك كله لا يمكن تحقيقه علنا الا عبر البوابة الفلسطينية، فلا يمكن للكيان الصهيوني اقتحام القلاع العربية، الا عبر حصان طروادة الفلسطيني، الذي قد يبرر بتنازلاته المتتالية، وتنسيقه الأمني للوضع العربي القيام بمثل ما يقوم به.
ومن هنا تنبع أهمية المقاومة بكل أشكالها في فلسطين ، ليس دفاعا عن فلسطين فحسب, وانما دفاعا ومن الحندق الأمامي، عن الأمة العربية بأسرها وضد محاولات التطبيع والاعتراف والتعاون بأي صورة مع العدو .
ان عدم تمكين العدو من معاودة القيام بدور الشرطي في المنطقه، سيفسح المجال واسعا لهزيمته، بعد أن ينكشف زيف مشروعه الاستعماري، وهنا ينبغي خوض حرب شاملة تستخدم فيها كل أدوات الضغط العربية، الشعبية منها والرسمية، على الغرب، وفي الطليعة منه الولايات المتحدة الأمريكية، لوقف دعم هذا الكيان الذي استحال عبئا عليه، يحيث يبقي ورما غريبا يلفظه جسم الأمة، وعبئا لا حاجة لصانعيه به .