الهجوم على رفح.. التوقيت والأهداف

الهجوم على رفح.. التوقيت والأهداف

د. سعيد الحاج

لم أستغرب كثيراً تلك الحملة الإعلامية التي بدأت ولم تهدأ في بعض وسائل الإعلام المصرية على كل ما هو فلسطيني، منذ وقع الهجوم على الحدود المصرية، مسلمة بذلك لفرضية أن "الفلسطينيين" هم من خططوا للهجوم ونفذوه..!! أقول لم أستغرب الأمر لأنني أحسب وأزعم أن هذه الحملـة الإعلاميـة تحديداً هي أحد أهم أهداف من خطط للهجوم بهذه الطريقـة البشـعـة.

لا أحد يُنكر بشاعة وفظاعة ما حدث، وخطورة دلالاته السياسية والعسكرية على حدٍ سواء، وإننا إذ نُعزي أهلنا في مصر ونُعزي أنفسنا ـ فدمهم دمنا وشهيدهم شهيدنا ـ بارتقاء الشهداء على الحدود، لنتفهم أن يُطالب الجميع بالقصاص وأخذ دم الشهداء. ما لم نتفهمه في الحقيقة أمران:

الأول: أنه تم التسـليم بفرضيـة إتهام الفلسـطينيين، بل وبدأت بعض الإجراءات والمطالبات بإجراءات أخرى ضد قطاع غزة قبل أن تتضح معالم الهجوم وخيوط الجريمـة، بل حتى قبل أن يُجرى تحقيق في الأمر!

الثاني: أن ردة الفعل "المفتعلة" ضد الفلسـطينيين كانت أعلى صوتاً وسـقفاً (لدى أصحابها) بكثير عن تلك التي كانت ضد الصهاينـة لدى قتلهم سـتـة جنود مصريين على الحدود، في حادثـة واضحـة جداً لا لبـس فيها..!!

ففي حين كان من المنطقي جداً أن يؤدي هذا الهجوم الغادر إلى مطالبات بزيادة عدد وجاهزيـة الجنود المصريين على الحدود مع فلسـطين، ومراجعـة البند الأمني من إتفاقيـة (كامب ديفيد)، التي منعت مصر ـ ولا زالت ـ من السـيطرة الكاملـة على بقعـة من أراضيها، توجهت السـهام والاتهامات إلى قطاع غزة والفلسـطينيين، مطالبـة بإغلاق معبر رفح وقصف الأنفاق، الأمور التي تم بعضها واتُخذت قرارات تخص بعضها الآخر..!!

من سارع إلى اتهام عناصر من المقاومة الفلسطينية بتدبير الهجوم تسرّع جداً دون دلائل محددة، متناسياً ـ عن غفلة أو عن عمد ـ قانوناً مهماً جداً في كل جريمة يقضي بالبحث عن الدوافع وعن صاحب المصلحة! فإذا ما نظرنا إلى السياق الزمني والظروف السياسية التي سبقت الهجوم، لرأينا تغيراً في سياسة مصر تجاه القطاع، وقرارات بزيادة ساعات عمل معبر رفح، ووعود بالتسهيل على المسافرين الفلسطينيين، وإلغاء "طقوس الترحيل" المتبعة معهم، وللفتت أنظارنا زيارة العديد من السياسيين الفلسطينيين لمصر هذه المرة من باب القصر الرئاسي.

وإذا ما يممنا بنظرنا شطر نتائج ومآلات الهجوم حتى الآن لرأينا إغلاقاً لمعبر رفح، ومطالبات بالعودة عن وعود التخفيف عن غزة ومطالبات أخرى ـ صهيونية هذه المرة ـ بالتعاون على الحدود للحد من "الإرهاب الفلسطيني"!

لا يمكن لعاقل أن يظن أن المقاومة أو حكومة "حماس" في غزة قد خططت للأمر ونفذته بعد كل هذا التغيّر في السياسات المصرية الرسمية تجاه القطاع كالتي نكثت غزلها..!! كما لا يستطيع أحد أن ينفي تماماً مشاركة بعض العناصر الفلسطينية في الهجوم. لكن السؤال هنا ليس عن فرد أو أكثر "نفذوا" أو استُخدِموا، بل عمن خطط وعمن يملك القدرة والإمكانات العسكرية والاستخاباراتية لتنفيذ عمل كهذا بكل تفاصيله التي أُعلنت ـ أستغرب ممن يظن أن الفصائل الفلسطينية تملك هذه المقومات، لكانت فلسطين تحررت منذ زمن ـ...!!!

إضافة لهذا، أعاد الهجومُ مصرَ إلى الحديث عن الأمن بديلاً عن الإصلاحات الاقتصادية وخطة المئة يوم الأولى للرئيس محمد مرسي، وأعاد المبادرة والقرار نوعاً ما للقيادات العسكرية، مما يُعطي مصداقية كبيرة لمن يرى في الهجوم محاولة لإفشال الرئيس، أو وضعاً للعصي في عجلات خطته.

في ظلال هذه الفوضى الإعلامية والشحن المقصود، تقع مسؤولية كبرى على القيادة ووزارة الإعلام على طرفي الحدود المصرية ـ الفلسطينية، لتناول الأمور بحكمة وتعقل وروية، تؤدي إلى كشف الملابسات وكشف الفاعلين ومعاقبتهم، دون تعقيد المشكلة أو تعميقها، أو حرف الأمور عن نصابها وسياقها الصحيح.

(إسرائيل)، المستفيدة الأكبر من الهجوم، استغلته للحديث عن "إرهاب فلسطيني" وضرورة التعاون مع مصر لمواجهته، بل تخطت الأمر إلى حد السماح لطائرات مصرية بالتحليق في سيناء للمرة الأولى منذ توقيع الاتفاقية (!). الأمر الذي يطرح جدلية مهمة: إذا كنا ندعو مصر إلى تحويل المحنـة إلى منحـة واسـتثمار الحادث الأليم لوضع (كامب ديفيد) على طاولـة التقييم والتعديل، فيجب أن لا تتحول هذه المنحـة مرة أخرى إلى محنـة: يجب أن لا نغفل عن خشية الصهاينة من الدعوات إلى تعديل الإتفاقية ومحاولتهم إستباق الأمور لتعديلها فعلاً، ولكن في سياق وظروف مختلفة تضمن لهم استمرار ما يُريدونه منها، من باب "إذا أردت أن تحل مشكلة، فافتعل مشكلة"...!!!