اللي فات مات
جميل السلحوت
مضى عام 2011 بما حمله من خيرات وشرور، لكنه كان عاما مبشرا بالخير للشعوب العربية في مجمله رغم ما صاحبه من هِنات هنا وهناك، فالربيع العربي ترسخ بدماء الشهداء والجرحى، وسيأتي أُكُلّه هذا العام 2012، فالخلاص من حكم ثلاثة طغاة في تونس ومصر وليبيا، سيتبعه آخرون هذا العام أيضا، في حين ترتعد فرائص آخرين خوفا من أن تصلهم نيران المارد العربي الذي انطلق من قمقمه، بعد عقود من الزمن عانت فيه الشعوب ويلات لا تُحتمل في مختلف المجالات، وسيبقى هذا المارد يقظا بعد أن كسرت الشعوب حاجز الخوف، فثارت ثأرا لكرامتها وكرامة أوطانها، ولعل تونس التي كان لشعبها العظيم الريادة بالإطاحة بالدكتاتور الذي طغى وتجبر ونهب وسرق وأفسد ودمر وخرب، هي الرائدة أيضا في بناء دولة الحريات والديموقراطية، واجراء الانتخابات الحرة الديموقراطية التي أفرزت ممثلي الشعب، وتتبعها مصر قلب العروبة النابض، التي أطاحت بنظام الخيانة والفساد، بانتخاباتها الحرة الديموقراطية، وبالتأكيد فان الشعب العظيم متنبه للمؤامرات الامبريالية والرجعية التي تحاول سرقة مكاسب الثورة، والالتفاف عليها، ولن تجدي المليارات التي تصرف لاجهاض الثورة شيئا، فالشعب أمسك زمام المبادرة، وسيقضي على بؤر الفتنة والردة كلها، وستنتصر الثورة التي ستعيد مصر الى دورها الريادي والقيادي، والشعب الليبي الذي تخلص من نظام التخلف والجهل الذي هدم الدولة الليبية، سيواصل طريقه لبناء دولته الحديثة، ولتحتل ليبيا مكانتها التي تليق بها وبشعبها، ولن يقبل بأن تكون ليبيا الحرة مرتعا للطامعين، ولن يقبل استبدال نظام الطغاة باحتلال أجنبي وإن بطريقة غير مباشرة، وسيبني الشعب الليبي العظيم دولته الديموقراطية الحرة، وهذا ديدن أحفاد عمر المختار.
وفي فلسطين أدركت قيادة الفصيلين الرئيسيين فتح وحماس أن شعب الشهداء لن يقبل باستمرار حالة الانقسام على ساحته، هذا الانقسام الذي ساعد المحتل في تحقيق أطماعه الاستيطانية، والتهرب من متطلبات السلام العادل، فسارعت القيادات الى المصالحة التي يجب أن تنفذ على أرض الواقع، كي تتوحد قوى الشعب في مقارعة المحتل لإجباره كي ينهي احتلاله البغيض..وبالتأكيد فان حالة الضعف العربي التي كانت سائدة بفضل أنظمة الطغيان والفساد، هي التي شجعت المحتلين وحلفاءهم على التمادي في الخروج على القانون الدولي والشرعية الدولية، وسلب الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية والانسانية المشروعة، ومنعه من تقرير مصيره على أرضه واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، بعد كنس الاحتلال وكافة مخلفاته، فرغم عنت وصلف حكومة نتنياهو وهروبها من متطلبات السلام العادل، واستعدادها فقط لادارة الصراع كما صرح بذلك وزير خارجيتها ليبرمان، إلا أن هذه الحكومة ترتعد فرائصها خوفا من ثورات الشعوب العربية، التي ما عادت تسكت على الهزائم، وبالتأكيد فان أمريكا واسرائيل تدركان أن السياسة الاسرائيلية التوسعية العدوانية، والدعم الأمريكي اللامحدود لاسرائيل في كافة المجالات هي أحد دوافع ثورات الشعوب العربية، وأن استمرار الحال أصبح أمرا محالا، فالشعوب العربية ما عادت تطيق الخنوع، وأن من يبذل الدماء الغالية رخيصة في سبيل الخلاص من حكم طاغية، لن يبخل بها لكبح عدوان أجنبي، وهم يدركون جيدا أن يد اسرائيل الطولى في المنطقة، ما عادت طليقة كما كانت، تماما مثلما أن أمريكا التي اضطرت الى الانسحاب من العراق تجر أذيال هزيمتها، وهي في طريقها الى الانسحاب من أفغانستان أيضا، ستعيد حساباتها مرغمة في الشرق الأوسط، فـ"ما فات مات" بعد ثورات الشعوب العربية وتوالي سقوط الأنظمة التي نصبتها امريكا، مع أن الاستعمار لا يتعلم من التاريخ، إلا أنه يُدرك أن ارادة الشعوب لا يمكن الوقوف أمامها...
وفي العام الجديد سيترسخ الربيع العربي، وستتضح سياسة"عضّ الأصابع" والشعوب هي الأقدر على الصمود بالصبر والمثابرة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون.