وقفوهم إنهم مسؤولون
م. محمد يوسف حسنة
" أخرجوني من هذا القبر الجماعي، أريد سكناً يحفظني ويستر بناتي"، هكذا ودون مقدمات كان رد ربّ أسرة مكونة من خمسة أطفال وأبوين على سؤالي ماذا تريد منا؟ وقبل أن يكمل قاطعنا بكاء طفلته التي تتألم وجعاً ومرضاً دون أن يملك القدرة على نقلها للعيادة الصحية أو شراء مُسّكن ألم لها، لم يُبقِي جوابه وبكاء طفلته أي داعٍ لكلماتي أو مبرراتي.
خرجت من بيته أفكر كيف يحيا هذا الرجل في غرفة صغيرة، فيها نومه وفيها حياته هى المطبخ والحمام وقضاء الحاجة؟ غرفة وإن سترت عوراتهم فهى لا تقيهم برد شتاء قارص، ولا تقيهم حر صيف حارق، غرفة تحتار أشعة الشمس في عنوان الوصول إليها.
كانت علامات اليأس والإحباط وفقد الأمل بادية على حديثه وحديث أقرانه الأشد فقراً في المخيم، فهذا زارته الحكومة والمؤسسات التقطت الصور ووثقت، ووعده الجميع خيراً ثم لم يرجع أحد، وذاك حضر لبيته وفدٌ دولي من 50 متضامناً شاهدوا ما هو فيه من عذابات جُل ما فعلوه تبرع أحدهم بمائة جنيه مصري وآخر بعشرة دولارات.
واقعٌ مرير تحياه أسر فلسطينية تعيش ظروفاً لا إنسانية في ظل دخلٍ معدوم وبيت شبه مهدوم، يعيشون تحت خط الفقر المُدقع، حيث حدّد المركز الفلسطيني للإحصاء خط الفقر لأسرة مكونة من 6 أفراد - الأبوين وأربعة أطفال - يقل دخلها عن 2375 شيقلا شهرياً، أما خط الفقر المدقع يكون لدى الأسر المكونة من ذات القدر من الأفراد ودخلها يقل عن 1957 شيكلاً، وهو ما لا ينطبق على أي من الأسر الفلسطينية شديدة الفقر التي لا يكاد دخلها يتعدى مبلغ 400 شيكل شهرياً، في حين ارتفعت أسعار المستهلك خلال الفترة من بداية عام 2011 وحتى نهاية أيلول بنسبة 3.1% مقارنة مع نفس الفترة من عام 2010، مما كان له دور في انخفاض القدرة الشرائية، وتعقيد الحياة على هذه الشريحة المهمشة والفقيرة.
هم بين مطرقة الطبيعة التي تداهمهم مطراً مُغرقاً حاجياتهم، وسندان عجز الصمود أمام متطلبات الحياة، ولكم أن تتخيلوا الأثر النفسي وما قد يتبعه من شرخ اجتماعي وفرط عقد مجتمعي.
إن مأساتهم لجديرة بالتوقف عندها ومحاولة إيجاد الحلول لها، والمشكلة أنهم كما القرّاء قد ملّوا طرح الحلول التي لا ترى للنور طريقاً، فهم صرعى طلبات أبنائهم التي لا تُلبى ومثقَلين بهموم آمال زوجاتهم التي تتحطم على صخر البؤس والفقر.
والحق أن مشاهدة مآسي تلك العائلات جعلتني أتساءل، أي دولة نستحق؟ وارتقى من أجلها الشهداء وما تطلع قادتها للأكثر حاجة فيهم، وهم يستطيعون إن أرادوا - بقليل من حسن إدارة مالية وترشيد إنفاق وتوجيه دفة الأموال المتدفقة - أن يُحدثوا فرقاً كبيراً.
أي نصر في الأمم المتحدة واليونيسكو ستسجله سعادة السيد محمود رضا عباس وهنالك من شعبك من يتضور جوعاً ولا يجد للنوم مكاناً ويكتفي بالنوم متكئاً على حائط غرفة امتلئت أرضيتها بصغاره.
وأي صمود وتحدي سعادة السيد اسماعيل عبد السلام هنية وأي نجاح يُسجل؟ حين تفشل الحكومة بتوفير متطلبات وحاجيات مواطنيها.
وأي دولة مدنية سعادة السيد سلام فياض فاقت أقرانها من الدول العربية في النظم ما زالت عاجزة عن معرفة احتياجات وأولويات قاطنيها، وتتلمس أخبارهم عبر المواقع الإلكترونية وما يُعرض من فضائيات لتصدر بعدها التوجيهات بالاهتمام والمتابعة؟
وأي دولة قانون سعادة نواب المجلس التشريعي المنتخبين من قبل الفقراء لتتحدثوا باسمهم، متى كانت آخر جولة تفقدية على الأسر الأشد فقراً، ومتى كانت آخر مساعدة عينية أو مالية ساعدتم في توفيرها، أم علينا أن ننتظر كرمكم على أعتاب الانتخابات القادمة – إن حدثت.
من المعروف بداهة أن حل المشكلة يقتضي علاج مسبباتها والقضاء على جذورها وهو أقل تكلفة من علاج مظاهرها التي لن تنتهي، وعلى الجميع أن يقف أمام مسؤولياته تُجاه هذه المشكلة المجتمعية لما لها من تداعيات خطيرة على سلامة وتماسك المجتمع الفلسطيني.
وهم – أي الفقراء- لم يطلبوا الكثير، مسكن يليق بهم ويحفظ كرامتهم وصورتهم أمام أبنائهم وبناتهم، ودخل بسيط يقيهم ذل السؤال، مطلبان يقعان في قاعدة هرم ماسلو لتحديد الاحتياجات، وتحقيقهما مرتبط بحق الإنسان في حياة كريمة ويُصنف من ضمن أولويات الحكومات التي تُعنى بمواطنيها وتشتغل لهم لا بهم، والحقان مُقدمان على الأمن فبدونهما لا أمن ولا أمان وإن ساد الهدوء وسُترت المخالفات وغُطى على انتهاك المحرمات والحرمات.
100 ألف وحدة سكنية هذا عجز قطاع غزة وحده في قطاع الإسكان، تكلفة الوحدة الواحدة تصل ل 40 ألف دولار، إجمالي تغطية العجز 4 مليار دولار، فهل يمكن جسر هذه الهوة في ظل الحصار والتكلفة المالية العالية؟! تُفيد التقارير الخاصة بدخل المؤسسات الدولية والمحلية بأن متوسط ما يصل لغزة في العام يفوق المليار دولار ناهيك عما تقوم الحكومة بصرفه، فأين تذهب الأموال ولمَ تبقى مشاكل الناس دون حلول؟ ثم إن مشكلة السكن ليست المشكلة الوحيدة التي يعانيها القطاع فهنالك البطالة والصحة والتعليم فلمَ الإسكان؟
يُفيد مركز الأحصاء الفلسطيني بأن نسبة البطالة بلغت خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2011 في الأراضي الفلسطينية 20.9% بعد أن كانت 23.8% خلال نفس الفترة من عام 2010. حيث ارتفعت في الضفة الغربية من 17.3% إلى 17.5%، وانخفضت في قطاع غزة من 37.9% إلى 28.1%.
كما ارتفع إجمالي عدد العاملين خلال الأرباع الثلاث الأولى من عام 2011 بنسبة 11.9% مقارنة مع نفس الفترة من عام 2010، وجاء ذلك نتيجة ارتفاع في عدد العاملين في قطاع الإنشاءات والخدمات والصناعة في الأراضي الفلسطينية.
إن ما تم ضخ جزء كبير من الأموال المتدفقة في قطاع الاسكان، ورافقه إفراج عن الأموال المخصصة لإعمار غزة فهذا يعني حركة نشطة في قطاع الانشاءات الذي سيوفر آلاف فرص العمل للمتعطلين عنه، والذي بالتالي سيوفر فرصة لقدرة أرباب الأسر على تعليم أبنائهم وضمان توفير خدمات صحية مميزة لهم، مع يقيني بضرورة ترتيب الأولويات وأن المشكلة من الصعب حلها في غضون عام أو اثنين، ولكن أنا متيقن إن تم وضع خطط مناسبة ورؤى تلامس الواقع وترقب مستقبل طموح سنخرج بحلول عملية وترتيب أوراق.
وأتوقع بأننا بحاجة إلى ترشيد الإنفاق الحكومي فيما يتعلق بوزارة الداخلية خصوصا فيما يتعلق بموازنة السيارات وصيانتها والطعام وإدارته، وإعادة جدولة رواتب الموظفين العموميين بما فيهم القضاة وموظفي الفئات العليا وإعادة النظر في الرتب العسكرية وإلغاء بعض الامتيازات الخاصة بهم بما يوفر جزء من الموازنة لصالح الفقراء.
وحتى الفصائل نفسها مُطالبة بإعادة النظر في أوجه الإنفاق وما توفره لعناصرها من امتيازات وعليها ألا تنسى أن الدعم الذي يصلها هو نتيجة أنها مُؤمنة على المجتمع والقضية الفلسطينية.
وعلى صعيد القوافل ووفود التضامن يجب أن يتم التواصل معهم بشكل مُسبق وفق الحاجة ومتطلبات الناس، فما معنى أن تأتي القوافل بسيارات لا حاجة لنا بها ولا ينتفع منها الناس؟ وما معنى أن تُحمل القوافل بمساعدات لا تنسجم ومتطلبات الاحتياج.
نهاية لنواب التشريعي همسة، تواجدكم بين من انتخبكم ووقوفكم عند مسؤولياتكم تُجاه متطلباتهم أهم وأولى المهمات، الشارع بانتظاركم لتتلمسوا همومهم وتقفوا على معاناتهم، سيفرحون بكم أيما فرح إن ما زرتموهم وتناولتم الطعام معهم وأشعرتموهم أنهم جزء أساس، شاركوهم أفراحهم وأتراحهم، زورا بيوتهم المهترئة وشاهدوا مأساتهم ومدى الأمل الذي سيتجدد في عيونهم بوجودكم.