قراءة في الواقع الراهن
فشل سياسي بالتزامن مع مبادرات وحلول بلا آفاق
أولاً: الملامح العامة
1- مقدمة: المشهد المحلي
2- الائتلاف الوطني إلى أين؟
3- جريمة الكيماوي والشراكة الجديدة
4- تنظيم الدولة الإسلامية وطوق النجاة الجديد
ثانياً: مشاريع الحل السياسي
1- مؤتمر جنيف ودبلوماسية الضجيج
2- مبادرة ديمستورا وتضييع الحلول
3- موسكو والعنب المسموم
4- لقاءات القاهرة: البناء على الوهم من جديد
ثالثاً: حزب الجمهورية: رؤيتنا للواقع الراهن
1- الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة
2- الحكومة السورية المؤقتة
3- مبادرة السيد دي مستورا
4- لقاء موسكو المنشود
5- لقاءات القاهرة
6- بعض المشاريع الأخرى المطروحة
رابعاً وأخيراً
المكتب السياسي في حزب الجمهورية 5 كانون الثاني / يناير 2015
قراءة في الواقع الراهن:
فشل سياسي بالتزامن مع مبادرات وحلول بلا آفاق
أولاً: الملامح العامة
1- مقدمة: المشهد المحلي
كشفت الثورة السورية عن عقم كبير في العقل السياسي السوري، فمن ناحية أولى هناك طغمة حاكمة لم تتوان يوماً عن استخدام كافة الوسائل والأساليب التي تمكنها من الحفاظ على السلطة، بالتوازي مع استخدام آلتها الإعلامية في محاولة تصوير ما يحدث في سورية على أساس صراع طائفي، فمنذ اليوم الأول لانطلاق التظاهرات في درعا، خرجت المستشارة الإعلامية لرأس النظام لتتحدث عن بعدٍ طائفيٍّ لهذه التظاهرات، في الوقت الذي كانت فيه هذه التظاهرات تؤكد شعارها الأثير "الشعب السوري واحد"، وقد عملت الأجهزة الأمنية على توكيد هذا البعد الطائفي وتحويله إلى وقائع على الأرض، وذلك من خلال تسريب عشرات الفيديوهات التي تصور جنوداً يقتلون مواطنين أو يعاملونهم بشكلٍ حاطٍّ للكرامة وهم يستخدمون مصطلحات طائفية وشعارات مذهبية. وبالتزامن مع ذلك، قامت بتيسير الحصول على السلاح، وبثه في أكثر من مكان، والإفراج عن مجموعة من المعتقلين الذي لديهم تجارب "جهادية سابقة" في العراق وأفغانستان.
من ناحية ثانية، للأسف، كان تفاعل بعض الشخصيات التي أطلقت على نفسها اسم "معارضة" مع آليات وممارسات الطغمة الحاكمة ساذجاً وسطحياً للغاية، إذ بدأت تردِّد كردة فعل مجموعة من المقولات الطائفية، وأخذ خطابها مدى واسعاً بعد أن تُرك لها مساحات كبيرة في بعض وسائل الإعلام العربية، من دون الانتباه إلى أنهم يقدمون خدمات جليلة للطغمة الحاكمة. بالمقابل، لا يمكن إنكار أن تقاعس المجتمع الدولي، وبقائه متفرجاً على قتل السوريين والتنكيل بهم بشتى الوسائل والطرق، قد كان له دور حاسم في تحويل الثورة إلى العمل المسلح.
وأدى استخدام الطغمة الحاكمة للسلاح بشكل مكثف، ومن دون أي رادع، وبلا أي محرمات أو خطوط حمراء، وجلبها لميليشيات طائفية ومذهبية من لبنان والعراق، واعتقال عشرات الآلاف من الناشطين السلميين، إلى جعل الساحة السورية حكراً على حملة السلاح، ليتم في المآل تحييد الجزء الأكبر من السوريين الذين شاركوا بكثافة في التظاهرات والاحتجاجات السلمية. وفي ظل عدم وجود قيادات سياسية ناضجة تقود العمل الوطني، بشقيه السياسي والعسكري، برزت لدينا قيادات ميدانية جديدة، بعضها من المعتقلين السابقين على خلفية مشاركتهم في العمل الجهادي.
ثم كنا أمام حالة عشوائية في تشكيل الكتائب المسلحة وتعدّد مصادر الدعم العسكري والمالي لها، حتى أصبحنا أمام واقع يتحرك فيه أكثر من 1800 فصيل مسلح بحسب آخر الدراسات البحثية. هذا التشظي في العمل المسلح، وتراكب الوضع السوري مع صراعات ومنافسات إقليمية ودولية على حساب الشعب السوري، وعدم وجود قيادة سياسية سورية حقيقية قادرة على طرح مشروع وطني متكامل، كل ذلك أدى إلى واقعٍ مرير يتميز بصراعات متعدِّدة الأوجه والخلفيات، الأمر الذي أفسح المجال لبروز الحركات الأكثر تطرفاً بما تحمله من سلوك مماثل لأساليب الطغمة الحاكمة. وعلى الرغم من أن هذه الطغمة قد بزت الجميع، في الواقع الراهن وعبر التاريخ البشري، في ممارساتها الإجرامية، إلا أن أخطر ما يشير إليه وجود تلك الحركات المتطرفة هو افتقاد الشعب السوري اليوم إلى بوصلة سياسية وطنية واضحة المعالم والغايات والأساليب.
2- الائتلاف الوطني إلى أين؟
يعاني الائتلاف الوطني من أزمة بنيوية في أساس تشكيله، فقد تم تأسيسه بمبادرة إقليمية ودولية بهدف تأهيل جسم سياسي معارض للحلول محل النظام السوري، وقد رحبت الأطراف الدولية بتأسيسه، خصوصاً بعد فشل المجلس الوطني واعتماده خطاباً أحادياً متشجناً، كانت أوضح تجلياته في رفضه الموافقة على بيان جنيف الصادر بتاريخ 30 حزيران/يونيو 2012.
لقد اعترفت نحو 117 دولة بالائتلاف كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، كما أصدرت الجامعة العربية قرارها رقم 7595 بتاريخ 6 آذار/مارس 2013، الذي اعترفت بموجبه بالائتلاف ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري، كما دعته إلى تسلم مقعد سورية في الجامعة العربية بعد تشكيله لهيئة تنفيذية. وكان من الممكن، وفقاً للزخم العربي والدولي آنذاك، أن ينجز الائتلاف الكثير في سبيل إقناع المجتمع الدولي بضرورة البدء بتنفيذ عملية الانتقال السياسي في سورية.
لكن الخلافات الداخلية، المستندة إلى خلافات شخصية أساساً، والتنازع على المواقع والنفوذ، والعقليات الضيقة لبعض الأحزاب والتيارات المكونة له بما تحمله من أنماط تفكير وعمل معيقة وخطرة قائمة على المحاصصة وتوزيع المكاسب بينها، إلى جانب القصور السياسي الواضح في المستويات كافة، خصوصاً عدم القدرة على بناء مشروع سياسي وطني مقتع لأغلبية السوريين، والعجز الإداري والتنظيمي، كل ذلك أدى إلى انهيار الثقة الدولية والعربية والسورية بالائتلاف كجسم سياسي قادر على قيادة المرحلة الانتقالية، ليتحول في المآل إلى كتلة هشة غير محددة المعالم لا تملك أي تأثير في أي مستوى، ويبقى الأخطر أن هذه الحال لم تدفع أعضاءه، حتى اللحظة، في اتجاه الوقوف وقفة جدية ومسؤولة، والبحث عن حلول إنقاذية في ظل التحديات التي تواجه الوطن والمشروع الوطني برمته.
3- جريمة الكيماوي والشراكة الجديدة
كان التطور الكبير الذي نقل القضية السورية إلى مستوى جديد من مستويات الصراع، جريمة النظام السوري باستخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق بتاريخ 21 آب/أغسطس 2013، والتي بدت أشبه بعمل استراتيجي مدروس بعناية فائقة ومخطط له، فقد جاءت هذه الجريمة في لحظة زمنية دقيقة كان النظام فيها في وضع حرج، فأراد استثمار الهاجس الإسرائيلي المتعلق بالسلاح الكيماوي السوري، مدركاً أن القوى الدولية ستبادر إلى مطالبته بتسليم السلاح الكيماوي، ولن تقدم على أي عمل عقابي في حقه.
وبالفعل، بعد استخدامه للكيماوي، تمت صفقة روسية أميركية تلزم النظام بتسليم سلاحه الكيماوي خلال مهلة ستة أشهر، وصدر القرار الدولي عن مجلس الأمن رقم 2118 بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2013 القاضي بهذا الأمر. وبذلك ضَمِنَ النظام فترة ستة أشهر من الشراكة مع المجتمع الدولي يستطيع خلالها تغيير الوقائع على الأرض، لإدراكه أن القوى العظمى لن تقوم خلال هذه المدة بتقديم أي نوع من الدعم العسكري الجدي الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام كي يتمكن من إتمام تدمير الترسانة الكيماوية السورية. وبالفعل استطاع النظام خلال تلك الفترة التي انتهت في منتصف عام 2014 تحقيق مجموعة من المكاسب على الأرض، إذ استعاد نقاطاً إستراتيجية مهمة، ولا سيّما في القلمون وحمص وريف حماة.
4- تنظيم الدولة الإسلامية وطوق النجاة الجديد
كان توقيت إعلان الخلافة من جانب تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لافتاً للنظر، فقد كان هذا الإعلان في نهاية شهر حزيران/يونيو من عام 2014، وهو الشهر نفسه الذي يفترض أن يكون النظام السوري قد أنجز فيه مهمة تدمير وتسليم السلاح الكيماوي، وفقاً للجدول الزمني الموقع بين النظام السوري ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
لقد استطاع تنظيم الدولة السيطرة على مساحات شاسعة في سورية والعراق بشكل غريب لا يتفق مع قوة هذا التنظيم وتعداد عناصره، في ظل انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة العراقية، ولا سيّما الجيش والمؤسسة الأمنية في غرب العراق. وقد شكل إعلان الخلافة بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2014 في مسجد الحدباء في الموصل بداية مرحلة جديدة تتسم بالتهويل الشديد من قوة هذا التنظيم وقدراته، إذ قامت الولايات المتحدة الأميركية بتشكيل تحالف دولي يضم نحو 60 دولة لمحاربة هذا التنظيم.
غاب الاهتمام الدولي بجرائم النظام وبضرورة رحيله لمصلحة الاهتمام بجرائم "داعش" وما يقوم به، بل لقد وصل الأمر إلى الحد الذي يقال فيه إن الخيار السيء هو بقاء بشار الأسد، لكن الخيار الأسوأ هو رحيله وترك "داعش" يتمدد، وبدأت بعض الجهات الدولية تنادي بضرورة إشراك رأس النظام في الحرب ضد الإرهاب لتحقيق النصر على "داعش".
ثانياً: مشاريع الحل السياسي
1- مؤتمر جنيف ودبلوماسية الضجيج
بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2118 بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2014، والذي تضمن في فقرته السابعة عشرة ضرورة الدعوة إلى مؤتمر دولي في أسرع وقت ممكن لتنفيذ بيان جنيف لعام 2012. توالت الاجتماعات الدولية لبحث انعقاد هذا المؤتمر والأطراف المشاركة فيه، إذ قام الأمين العام بتوجيه الدعوة إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بصفته يمثل المعارضة لحضور المؤتمر الذي بدأ جلسته الافتتاحية بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2014 بحضور عددٍ كبيرٍ من الدول. وفي اليوم التالي بدأت اللقاءات بين وفد المعارضة ووفد النظام، وكان واضحاً منذ البداية أن هذا المؤتمر لن يفضي إلى أي نتيجة، إذ لم تقم الدول الفاعلة بممارسة أي ضغط جدي على النظام لدفعه إلى الالتزام بخارطة طريق الحل السياسي المنصوص عليه في بيان جنيف، وهو ما جعل المؤتمر مجرد ضجة إعلامية وديبلوماسية من دون جدوى، وتم تعليق المفاوضات بعد رفض النظام لجدول الأعمال المقترح من الوسيط الدولي السيد الأخضر الإبراهيمي.
2- مبادرة ديمستورا وتضييع الحلول
بعد استقالة السيد الأخضر الابراهيمي من مهمته كمبعوثٍ خاص إلى سورية، تم تكليف السيد استيفان دي مستورا كبديل له، والذي بدأ مقاربته للوضع السوري من زاوية مختلفة، فقد لامس القضية السورية من زاوية الإرهاب "خطر داعش الداهم"، ومن زاوية الحرب الأهلية الشاملة، وهو بهذا المعنى يكون قد اسقط جوهر القضية السورية المتمثلة بثورة شعب قدم تضحياتٍ كبرى في سبيل خلاصه من نظام مستبد مجرم.
قدم السيد دي مستورا مبادرة تقوم على تجميد النزاع في حلب، وتتضمن فيما تتضمنه خلق إدارات محلية للمناطق التي يسيطر عليها كل طرف. للاسف لم تقدم المعارضة السورية رؤية واضحة أو موقفا محدداً من مباردة دي مستورا، بل كانت تصريحات المعارضين المختلفين متناقضة ومشوشة ولا يمكن استخلاص أي موقف منها.
3- موسكو والعنب المسموم
بعد زيارة مفاجئة لرئيس الائتلاف الوطني السابق، السيد معاذ الخطيب، إلى موسكو، بدأت الديبلوماسية الروسية تحركاً واسعاً لترتيب عقد اجتماع بين ممثلين عن النظام وممثلين عن المعارضة في موسكو في بداية عام 2015، إذ قام معاون وزير الخارجية الروسية، يوري بوغدانوف، بزيارات إلى اسطنبول وبيروت ودمشق، التقى خلالها عدداً كبيراً من الأطراف السورية، لبحث عقد هذا اللقاء المزمع.
وكان واضحاً منذ البداية أن موسكو لا تملك في جعبتها أي خطة عمل، وكان الهدف المعلن من اللقاء هو حصول اللقاء بحدِّ ذاته، من دون أن يكون هناك أي ورقة عمل مطروحة على الطاولة يمكن للأطراف التي ستحضره مناقشتها. تردّدت الأطراف السورية المعارضة في بيان موقفها من لقاء موسكو، ولم تقدم رؤية واضحة حول ما تريده من هذا اللقاء، وكان التخبط بالتصريحات والمواقف المتناقضة هو السائد في الوسط السياسي السوري، وكان النظام السوري الطرف الوحيد الذي أعلن صراحة قبوله المشاركة في لقاء موسكو عبر بيان رسمي صدر عن وزارة خارجيته.
4- لقاءات القاهرة: البناء على الوهم من جديد
جرت في القاهرة لقاءات بين بعض أطياف المعارضة السورية للاتفاق على رؤية مشتركة للحل السياسي، وقد جاءت هذه اللقاءات بعد التحرك الروسي، وضمن مسعى مصري الهدف منه ترتيب تفاهمات بين بعض ما اصطلح على تسميته بـ "المعارضة الداخلية" والائتلاف الوطني وأحزاب الإدارة الذاتية الكردية، وغيرها. تباينت الأنباء الواردة من القاهرة حول حقيقة ما يدور، وهل هناك مباردة مصرية أم لا، إذ تضاربت تصريحات أعضاء الوفود أنفسهم، فبعضهم صرح بأنه لا وجود لمبادرة مصرية بينما قال بعضهم الآخر إن هناك مبادرة مصرية كاملة.
ثالثاً: حزب الجمهورية: رؤيتنا للواقع الراهن
من خلال العرض السريع السابق لمجمل الانعطافات البارزة في مسار القضية السورية، يؤكد حزب الجمهورية على ضرورة وضوح الرؤية في مقاربة القضية السورية من خلال إدراك جوهرها الحقيقي، باعتبارها ثورة شعب نهض ضد طغمة مستبدة ومتغولة على مناحي الحياة كافة، ومن خلال الفهم العميق للحوادث ومسبباتها وآثارها.
1- الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة
إن حزب الجمهورية يرى أن الثورة السورية العظيمة لم يواكبها تمثيل سياسي يليق بها، شجاع ومبدئي، عاقل ورزين، وهذا الأمر أصبح معروفاً عند جميع السوريين وغيرهم، وغياب هذا التمثيل بات يشكل مصدراً أساسياً لآلام وأخطاء جديدة على الدوام، فضلاً عن ما يسببه، بشكل أو آخر، وبدرجة ما، من انفضاض العالم عن الثورة السورية، تحت ذريعة عدم وجود قوى سياسية ناضجة، واضحة ومتبلورة. لا أحد يستطيع أن ينكر حجم الضرر الذي تسبب به “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” للقضية السورية، وهو التشكيل السياسي الذي تصدرته مجموعة من الشخصيات التي خلق بعضَها الإعلامُ من لا شيء، وجاء بعضها إليه بحكم علاقات شخصية تربطه بهذا أو ذاك، وبعضها الآخر بحكم علاقات غير صحية وغير واضحة مع دول عربية وإقليمية لها برامجها وسياساتها التي لا تتقاطع بالضرورة مع مصالح الشعب السوري، والأنكى اندراج بعضها في آليات مخزية من الفساد المالي، وفي عمليات شراء وبيع الذمم.
يُضاف إلى ذلك سيادة حالة طفولية من الفوضى وعدم التخطيط والفشل الإداري، وترك مصير الشعب السوري لتحدِّده مجريات الحوادث التي يفعل فيها بعضٌ ممن لا يتوافر على حد أدنى من المعرفة والخبرة، أو بعض الدول التي ما فتئت تتدخل في الشأن السوري بآليات متنافرة فيما بينها، ولا تلتقي بالضرورة، أو على طول الخط، عند مصلحة سورية والسوريين. على الرغم من ذلك، لا نستطيع بالطبع إلا الاعتراف بوجود شخصيات مخلصة وعارفة داخل الائتلاف، تبذل طاقتها في سبيل تحسين أدائه السياسي وتصحيح بوصلته، وإن كنا لا نتوقع لها النجاح في هذا المسعى، بحكم غلبة العناصر والآليات المعرقلة والرديئة في داخله.
هذه الصورة التي نقدمها حول "الائتلاف الوطني" ليست خفية على أحد، وما كنا لنعيرها اهتماماً أو انتباهاً لولا اعتبار كثير من الدول للائتلاف الوطني ممثلاً للشعب السوري، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية بحكم الأداء الهزيل له، وليس مصدرها بالتأكيد أسباب لها علاقة بالمنافسات السياسية السلبية أو التنازع على مناصب ومكتسبات، بل إن مصدرها بوضوح هو بوصلتنا الوطنية فحسب، فلسنا في وارد الدخول في أي منازعات سطحية ووهمية، أو في وارد التكسب من ثورة شعبنا.
وعلى الرغم من جميع هذه الحقائق، فإن تدمير الائتلاف من دون إيجاد بديلٍ حقيقيٍّ، متفقٍ عليه، ينبثق من مؤتمر وطني سوري عام تشارك فيه القوى السياسية السورية، ويقدِّم مشروعاً متكاملاً للعمل الوطني، ويحدِّد ملامح المرحلة، وسبل الحل، وآليات العمل، ويؤكد الثوابت التالية:
- حماية الدولة السورية والمجتمع السوري من التشظي والتقسيم.
- حماية المجتمع السوري من التذرر الطائفي والمذهبي والإثني.
- حماية الدولة السورية من الانهيار الشامل الذي بدأت ملامحه ترتسم الآن.
- تحقيق عملية الانتقال السياسي للسلطة خلال مرحلة انتقالية لا تزيد على عامين.
- بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة على أسس الحرية والمواطنة والمساواة الكاملة من دون أي تمييز في أي مستوى.
هذه هي منطلقاتنا في أي عمل يهدف إلى عقد مؤتمر وطني سوري عام، وهذا العمل بات ضرورة ملحة في ظل التعثر الكبير الذي يعاني منه الائتلاف، أما إنهاء الائتلاف من دون إيجاد البديل المتفق عليه فسيؤدي إلى فراغ كامل بحيث لن يبقى سوى النظام ومجموعة من الأطياف السياسية الضيقة والباهتة، والتي ضاعت الحدود بينها وبين النظام، وظهر أن خلافاتها فيما بينها، ومع أطياف المعارضة الأخرى، أكثر من خلافاتها مع النظام في بعض الأحيان.
2- الحكومة السورية المؤقتة
منذ بداية تأسيس الائتلاف الوطني، جاء من يسوِّق هذا المشروع ببشارات ووعود كثيرة، فخزائن الدول ستفتح على مصراعيها للوليد الجديد، وبمجرد تأليفه لحكومة مؤقتة ستنهال الاعترافات عليها، وسيتم تسليمها مقعد سورية في الجامعة العربية، ومن ثم سيكون بإمكانها أن تطرد وفد النظام من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحل محله باعتبارها صارت تمثل الشرعية الوحيدة لتمثيل الدولة السورية، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية طلب المساعدة العسكرية الأجنبية باعتبارها الحكومة الشرعية.
راودت هذه الأحلام أذهان الكثيرين، وساهم البعض، جهلاً أو مكراً، في تغذية هذا الوهم، وأصدرت الجامعة العربية في هذا السياق قرارها الشهير رقم 7595 في 6 آذار/مارس 2013، والذي نص على اعتبار الائتلاف الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، ونص في فقرته الثانية على دعوة الائتلاف الوطني إلى تشكيل هيئة تنفيذية لتسلّم مقعد سورية في الجامعة العربية.
كان التعبير المعادل للهيئة التنفيذية هو الحكومة المؤقتة التي نصّ النظام الأساسي للائتلاف على تأليفها في المادة 27 منه، والعجيب في الأمر أن أعضاء الائتلاف فشلوا في تأليف حكومة مؤقتة آنذاك بسبب صراعاتهم على الحصص والنفوذ، فقد تمت تسمية السيد غسان هيتو في شهر نيسان/أبريل من عام 2013 رئيساً لها، لكنه فشل في تأليفها بسبب خلافات أعضاء الائتلاف حول حصص كل كتلة من كتله، الأمر الذي فوت على الائتلاف فرصة إحراج الجامعة العربية على الأقل، بمطالبته بشغل مقعد سورية فيها، خصوصاً أن المناخين، العربي والدولي، كانا ملائمين نسبياً آنذاك.
وما يثير الاستهجان أن أعضاء الائتلاف أنفسهم، قاموا فيما بعد بالاتفاق على تأليف حكومة مؤقتة في الوقت الذي كان واضحاً فيه أن الأحوال قد تغيرت ولم تعد ملائمة، فقد تم تأليف هذه الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، أي بعد الهجوم الكيماوي الذي قام به النظام في 21 آب/أغسطس 2013، وبعد توقيع الاتفاق الدولي بين النظام ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في 27 أيلول/سبتمبر 2013، والذي تبناه مجلس الأمن بالقرار رقم 2118 الصادر في التاريخ نفسه. هذا يعني أن الائتلاف عندما ألّف حكومة مؤقتة كان يعلم علم اليقين أن النظام أصبح شريكاً للمجتمع الدولي في اتفاقية نزع السلاح الكيماوي، ومن غير المعقول أن يقوم بنزع شرعية النظام بعد توقيع هذه الاتفاقية معه، وكان واضحاً تغير موقف الجامعة العربية التي رفضت تسليم المقعد للحكومة المؤقتة بعد تأليفها من جانب الائتلاف، وكانت قمة الكويت واضحة في دلالاتها الرمزية، فبعد "علم الثورة" الذي رفرف في قمة الدوحة في آذار/مارس 2013، ظهر "علم النظام" على طاولة القمة، ومُنع وفد الائتلاف من الجلوس إلى هذه الطاولة، ثم صارح الأمين العام لجامعة الدول العربية وفد الائتلاف الذي زار القاهرة في شهر أيلول/سبتمبر 2013 بأن تسليم مقعد سورية للمعارضة أمر مرفوض.
إن تغير الوقائع يقتضي اليوم إعادة النظر في جدوى وجود حكومة مؤقتة تحمل هذا الاسم، ولا تتمتع بأيٍّ من خصائص الحكومة وإمكانياتها، خصوصاً في ظل الخوف المشروع من انخراط الحكومة في إدارة بعض المناطق التي تستطيع الوصول إليها، ما يفضي إلى واقع تقسيمي قد يؤدي لاحقاً إلى تكريس مفهوم الإدارات الذاتية للمناطق السورية، وهو الأمر الذي يلتقي مع خطط المبعوث الدولي السيد دي مستورا، ومع حديث متواصل عن ضرورة حل القضية السورية عبر التشجيع على إنشاء إدارات ذاتية في المناطق السورية المختلفة تدخل في هدنات جزئية مع النظام.
هذه الوقائع تملي على الجميع ضرورة التعقل والتوقف عن ممارسة السياسة من باب المطامح الشخصية و"النكايات" الصغيرة، فسورية اليوم بكل وجودها المادي والحضاري في خطر، وفي هذا الإطار يدعو حزب الجمهورية الجميع إلى الالتزام بأهداف الشعب السوري في قيام دولة موحدة، أساسها المواطنة والحريات، بدلاً من الانخراط، الواعي أو غير الواعي، في إقامة كانتونات محكومة من هذا الطرف أو ذاك.
3- مبادرة السيد دي مستورا
إن الموقف الوطني الصائب اليوم يتمثل في الرفض المبدئي أو الأولي لمبادرة السيد دي مستورا القائمة على فكرة تجميد النزاع في حلب فقط، وإيجاد إدارات ذاتية تدير المناطق المختلفة، فهذه المبادرة تشكل خروجاً واضحاً على قرارات الشرعية الدولية، ولا سيّما القرارين رقم 2042 لعام 2012، ورقم 2118 لعام 2013، الصادرين عن مجلس الأمن. كما أن وقف إطلاق النار، الشامل والكامل، على الأراضي السورية كافة هو التزام قانوني غير قابل للبحث والتفاوض إلا في شقه الفني البحت، وهذا الالتزام مفروض على النظام بموجب خطة النقاط الست التي تم تبنيها في القرار رقم 2042.
إن محاولة الدخول إلى القضية السورية من باب توصيف ما يحدث بالحرب الأهلية هو تزوير للواقع، وإهدار لتضحيات الشعب السوري، فما يحدث في سورية هو ثورة شعبية عميقة وأصيلة واجهها نظام مستبد، بوحشية لا نظير لها، مستخدماً أنواع الأسلحة كافة، وإن وجود الفصائل المسلحة التي ترفع شعارات إسلامية لا يغير من جوهر الأمر، ولا يحوِّل الواقع إلى مجرد حرب أهلية بين "السنة" و"العلويين"، فهذا التوصيف باطل، والنظام السوري ليس نظاماً "علوياً"، ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن حكم "الطائفة العلوية"، على الرغم من قيام النظام بممارسة سياسات طائفية قاصداً إخافة "الأقليات" جميعها، وتحريضها للانفضاض عن الثورة السورية. لقد ثار الشعب السوري ضد هذا النظام بسبب سياساته وسلوكه الإجرامي وفساده المالي وقمعه للحريات، وليس بسبب مذهب رئيسه أو ديانة بعض مسؤوليه.
هذه الحقائق لا يجوز تجاوزها، فما زال الشارع السوري في أغلبيته المدنية متمسكاً بشعارات الوطنية السورية، لكن صوته أصبح بعيداً اليوم من وسائل الإعلام بسبب إنهاكه بالقصف المستمر والتشريد والتجويع. ومن هنا توجسنا من مبادرة دي مستورا، لأنها تعتبر إهداراً لقرارت الشرعية الدولية من ناحية، وتشكل محاولة لتفكيك وحدة الدولة السورية وقفزاً فوق حقيقة أن سبل الحل في سورية هي من خلال تحقيق عملية انتقال سياسي للسلطة في سورية.
4- لقاء موسكو المنشود
إن الدعوة إلى لقاء موسكو، أياً كان باعثها وسببها وهدفها المعلن وجدول أعمالها، تحمل خطراً أساسياً ربما يكون هو المبتغى فعلياً. فطريق الحل السياسي، الذي أصبح قاعدة متفقاً عليها، هو إعلان جنيف الصادر في 30 حزيران/يونيو 2012، والذي تحول إلى قرار دولي ملزم بعد تبنيه بالكامل بقرار مجلس الأمن رقم 2118 في 27 أيلول/سبتمبر 2013. وبالتالي، فإن أي مبادرة لا تضع هذا القرار أساساً ومنطلقاً لها هي مبادرة مشكوك فيها، وتحمل خطر تمييع القضية السورية.
المشكلة الأساسية في إعلان جنيف تتمثل بأنه يُفترض في أي حل سياسي أن يكون لدينا طرفان متعيِّنان ومحدّدان. ووفقاً للإعلان، فإن النظام السوري محدّد وواضح ومتعيِّن باعتباره الطرف الأول، بينما الطرف الثاني، الذي يفترض أن يكون الشريك في العملية السياسية، غير متعين بذاته، بل متعين بصفته، وهنا الخطورة، فالفقرة (أ) من المادة 9 في النص العربي لوثيقة جنيف تقول إن هيئة الحكم الانتقالي تؤلف بالموافقة المتبادلة بين الحكومة الحالية والمعارضة.
كلمة المعارضة هنا جاءت من دون تعيين بالذات، وبالتالي كل من يحمل صفة المعارضة أو يدعي حمله لها، يقع في خانة المعارضة الشريكة في الحل، ما يعني أن الطرف الآخر المفترض به أنه سيشارك في قيادة المرحلة الانتقالية هو طرف مجهول بذاته متعيِّن بصفته، وهنا مكمن الخطورة، لأن هذه الصفة، أي "المعارضة" تشمل طيفاً واسعاً، ومن ضمنه مثلاً الأحزاب التي تم ترخيصها في ظل "قانون الأحزاب" الذي صدر مؤخراً، وقوى أخرى متفاهمة أصلاً مع النظام، وتدعو إلى بقائه، وتمجد الحل العسكري للنظام.
التطور البارز الذي حدث هو صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262/67 في 15 أيار/مايو 2013، الذي جاء في الفقرة 26 منه "الترحيب بإنشاء الائتلاف باعتباره يضم المحاورين الذين يمثلون فعلياً تلك القوى اللازمة لعملية الانتقال السياسي". هذا النص مهم للغاية، فقد عَرّف "المعارضة" الواردة في إعلان جنيف، ونقلها من التعريف بالصفة إلى التعريف بالذات. لكن مشكلة هذا القرار أنه صادر عن الجمعية العامة التي تعتبر قراراتها مجرد توصيات غير ملزمة، فضلاً عن أن لغة هذا القرار لم تكن حاسمة بل اكتفت بالترحيب بإنشاء الائتلاف الوطني.
التطور الآخر المهم هو رسالة الدعوة التي وجهها السيد بان كيمون إلى الائتلاف الوطني للمشاركة في مؤتمر جنيف في كانون الثاني/يناير 2014، إذ على الرغم من عدم ذكر كلمة الائتلاف في متن الرسالة، إلا أن توجيهها وترويسها باسم رئيس الائتلاف، وتكرار كلمة الطرفين في الرسالة، يفيد بشكلٍ واضحٍ أننا إزاء طرفين هما النظام والائتلاف الوطني، وليس إزاء تعبير "المعارضة" الغائم وغير المحدد، وهذه قضية أساسية ومهمة للغاية.
إن أهمية وجود جسم تمثيلي يكون شريكاً في عملية الانتقال السياسي يكمن في أن غياب هذا الشريك الواضح والمحدّد سيسمح للنظام بالتحلل من جميع الالتزامات القانونية المفروضة عليه، وهذا ما يسعى له النظام. بالتالي، فإن لقاء موسكو في هذه الأوضاع، وفي ظل عدم وجود كيان تمثيلي حقيقي يمثل الثورة السورية، سابق لأوانه، ولن يكون له أي جدوى سوى تحسين صورة النظام باعتباره يبحث عن حل سياسي، في الوقت الذي يمارس فيه شتى أنواع الوحشية ضد السوريين. من هنا تصبح المهمة الأكثر إلحاحاً هي إصلاح الائتلاف إصلاحاً جذرياً وواسعاً، وإعادة النظر بأعضائه وقواه السياسية، ودعوته إلى مؤتمر وطني سوري عام يشارك فيه أوسع طيف سياسي ممكن، شريطة وضع سمات محدّدة وصارمة للقوى المسماة "معارضة"، والتي يمكن أن تشارك فيه.
5- لقاءات القاهرة
من البديهي الترحيب بأي لقاء يعقد بين القوى السياسية السورية للتفاهم فيما بينها، لكن من الضروري التأكيد على أن أهمية أي لقاء تنبع من الهدف الذي يعقد من أجله. للأسف، ما تزال عقلية المحاصصة والتقاسم هي السائدة في الذهنية السياسية لبعض القوى السورية، وعلى هذه القاعدة عُقدت لقاءات القاهرة مؤخراً في كانون الأول/ديسمبر 2014 لبحث حصص مشاركة كل طرف سياسي في أي وفد مفاوض مستقبلاً، وعلى هذه القاعدة عُقدت جميع لقاءات المعارضة السابقة، في الدوحة واسطنبول والقاهرة، خلال السنوات المنصرمة من 2011 حتى 2014، بما فيها من تنافس سلبي ونزاع شخصي، ومن تصنيف ساذج أو ماكر بين "معارضة داخلية" و"معارضة خارجية"، على الرغم من محاولة البعض تصدير خلافاتهم للعموم على أنها خلافات سياسية، بقصد إيجاد التبريرات للمواقف المستهجنة للقوى والشخصيات التي تستند إلى مصالح ضيقة، لا إلى بوصلة وطنية حقيقية. فهذه الخلافات لم تناقش بشكل جدي في أي لقاء لقوى المعارضة، بل استخدمت لتشهير القوى والشخصيات ببعضها بعضاً على الفضائيات.
نرى أن المهم هو صوغ مشروع وطني سوري متكامل من خلال مؤتمر وطني عام، وليس الانهماك في تحديد حصص ومكاسب هذا الطرف أو ذاك، أو التنازع على التمثيل في أي وفد مفاوض، فعندما يكون هذا المشروع التوافقي بين أيدينا لا مشكلة في من يذهب لتمثيله والحديث باسمه.
6- بعض المشاريع الأخرى المطروحة
تناولت بعض وسائل الإعلام مشاريع حلول للقضية السورية تصل إلى حد المطالبة بأن يكون الحل عبر فيدرالية طائفية أو إثنية. وفي هذا السياق، إننا ندين تطييف الحياة السياسية السورية، ومحاولة تقسيم الشعب السوري على أساس طائفي وإثني، فإيماننا ثابت بالدولة الوطنية، دولة المواطنة، الدولة المحايدة إزاء العقائد الأيديولوجية والدينية والقومية، مع إيماننا المطلق بحقِّ كلِّ إثنية في الوجود والتمتع بحقوقها اللغوية والثقافية وإبراز هويتها الحضارية، فهذا التنوع لا يمكن صونه وضمانه من خلال ذهنية المحاصصات القائمة على أساس مذهبي أو طائفي أو إثني، بل عبر تثبيت ركائز الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، وأي حلول تنطلق من هذه الحقيقة وتحترمها وتلتزم بها هي وحدها الحلول المقبولة والقابلة للعيش والقادرة على نشر السلم الأهلي.
رابعاً وأخيراً
إن شعور بعض "المعارضين السياسيين"، وبعض "قوى المعارضة" بالهزيمة والعجز إزاء الواقع الراهن، لا يعني أن هزيمتهم هي هزيمة للمشروع الوطني، ولا يعني أن نعمل بوحي هزيمتهم، بل يعني أن رؤاهم وتصوراتهم وممارساتهم وحلولهم مهزومة، ولا تستحق أن نركن إليها كدليل موجِّه في العمل السياسي واجتراع الحلول، فما زال المشروع الوطني السوري قادراً على النهوض وتحقيق آمال الشعب السوري في الحرية والكرامة الإنسانية.
المكتب السياسي في حزب الجمهورية
5 كانون الثاني / يناير 2015
موقع الحزب على الشبكة العنكبوتية: http://www.rp-syria.com