أصابع أربعة

أصابع أربعة

عزة مختار

[email protected]

التوافق ، لم شمل الصف الثوري  علي مبادئ ثورة الخامس والعشرين من يناير .

تعالت الصيحات وكثرت الأصوات العاتبة علي الأحرار الثابتين الصامدين  تحت نير العسكر لعام ونصف لم يغادروا الشوارع يوما ، ولم تسكت أصواتهم ، ولم يتراجعوا لحظة ، يعتبون عليهم تمسكهم بشارة رابعة ، ورفع صور الرئيس الشرعي المختطف  ، صورة رئس تآمروا عليه مجتمعين لمدة عام وقف وحده بصدر عار وبلا مؤسسات تعمل معه كأي رئيس دولة منتخب انتخابا حرا ، وقف وحده يحفر الصخر أمام قادة جيش عملاء ، وجهاز مخابرات معادي ، ومؤسسات دولة فاسدة حتى الثمالة

يعتبون علي أربعة أصابع لا تعبر عن  مكان ، ولا تعبر عن اعتصام ، ولا تعبر عن إرادة جزء من شعب حر اختار يوما بإرادة حرة ، وقرر أن يدافع عن إرادته بالروح وبالدماء ، لأول مرة في مصر لا تصير شعارا لضعفاء مستعبدين ، وإنما لأحرار مختارين .

أربعة أصابع لا تعبر عن رقم ، مجرد رقم في سلسلة  الراحلين أو المصابين ، أو من اختطفوا ولم يعودوا حتى اليوم .

أصابع أربعة تعبر عن آلاف الحكايات خلف أبواب الحزن والضنى ، ابن بار كان حلم والديه ، متفوق ، خلوق يعرف حق ربه ، محب لوطنه ، حر ، تاقت روحه للحرية فوهب حياته ثمنا لها ، هو قرة عين والديه ، لم تبرأ جروحهما بعد ، ولم يجف دمعهما شوقا وحرقة لنور عينيهما ، والد لأبناء لم يهنأ أحدهم بطبع صورة والدهم في ذاكرته بعد ، أيتام لم تهنأ الزوجة بوجود أب لأبنائها حملت لقب أرملة ، وحملوا لقب أيتام ، ضحت بأغلى ما تملك امرأة ، وهي أن تكون محصنة  من الناس ، وضحوا بأغلى ما يملك طفل  ثمن لحرية وطن مسروق ، طفل يصرخ " اصحي يا ماما  بالله عليكي "  ، هو عندهم رقم ، طفل واحد ، وهو عند الله يتيم ، تهتز له السموات حين يبكي ، وينادي الله في ملكوته من يبكي من واريت أبويه التراب ، فماذا إذا كان من أبكاه هو من يتمه ؟

يوم واحد راح ضحيته الآلاف حتى أولئك الباكيين علي التوافق هللوا وصفقوا بل ومنهم من شارك وتباهي بذلك ، علي شاشات العهر السياسي

هؤلاء اليوم بسم الثورة يرفضونها لأنها تربط بين الرئيس والشرعية وبين شارة رابعة وأنه علي الثابتين أصحاب المأتم أن يصمتوا وينسوا ويتوافقوا كي يرضي هؤلاء بالمشاركة يريدون التوافق ولم شمل من فرقه الله ، " ما كان الله ليذر المؤمنين عل ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ، وما كان الله ليطلعكم علي الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وان تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم "

نعم أيها الباكون علي التوافق لم يعد من حق أحد أن يتنازل ، لم يعد من حق أهل الشرعية ، أن يتفاوضوا ، لم يعد من حق مسئول أن يقرر

وقد أتهم الكثيرين التيار الإسلامي وعلي رأسه الرئيس المنتخب بأنه قسم الشعب ، وحقيقة الأمر ، أن الشعب لم يقسمه سوي الفرعون .

إن مصلحة الفرعون دائما ما تكون في فرقة الشعب فهو يعمل علي تقسيمه بالوقيعة ونشر بذور الشقاق والتشويه لتلك الفئة القليلة المستضعفة المنادية بالإصلاح ورفع لواء الحق غير مبالية بالتضحيات مهما بلغت درجتها

حقيقة الأمر أن الله عز وجل خلق الخلق ووهبهم حق الاختيار ، فمنهم من شاء ومنهم من أبي ، منهم من استقام ومنهم من عصي ، منهم من حمل هم دعوة الله ، ومنهم من حمل هم كيف يقضي علي هؤلاء الذين يحملونها

خلق الله عز وجل الجنة والنار ، وجعل الأرض بلاءا وابتلاءا  ، كما قال سبحانه ، حتى يميز الله الخبيث من الطيب "

يقول الله عز وجل في سورة القصص :

" إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا ، يستضعف طائفة منهم ، يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين "

جعل أهلها شيعا ، يمزقهم أولا ، من يستجيب هو من تتفق أهواءه مع أهواء الفرعون ، أو أنهم يخشونه ، المحصلة أنهم يخاصمون أهل الحق ، ويتفرقون عنه ، ويصيروا أداة للظالمين ، بهم يضربون الناس ، وبتفويضهم يتحركون فيهم بالقتل

في نظر البعض هم برءاء من المشاركة ف القتل المباشر ، لكن الحقيقة أنهم أداة القتل وإن كانوا لا يعلمون ، هم مشاركون في القتل بتسليمهم أهل الحق والتخلي عنهم والتشيع تبعا لإرادة كل طاغية.

ثم يتحرك الطغاة في هذا الجو العفن ، تلك هي سياساتهم في كل زمان ، " يستضعف طائفة منهم "

يذبحوا الأبناء ، وقد حدث في رابعة

بل لقد حرقوا الموتى بعد قتلهم ، تجرؤوا علي الله مرتين بل ملايين المرات ، حين قتلوا ضحاياهم ملايين المرات .

اعتقلوا النساء والبنات

سرقوا إرادة وطن وقتلوه في غيبة من ضمير العالم

تجبر الفرعون

واستجاب له أصحاب المصالح ومسلوبي الإرادة وضعيفي الإيمان وفاسدي الطوية

ثم هم الآن من يطالبون ، ويضعون الشروط ، ويطالبون الحر بالتنازل

لكن لله إرادة أخري

" ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون "

وجنودهما يا من تحسبون أنفسكم أنكم مجرد عبد للمأمور وما كان لكم أن تعصوا أوامره ، أليست أوامر الله كانت الأولي بالطاعة

وجنودهما أيها الصامتون يا من تحسبون أنفسكم في مأمن ومعزل من العقاب ، والله لسوف يسلط الله الطغاة عليكم بصمتكم ، وما يحث في بلادنا كل يوم من دماء علي الطرق بالمئات أسبوعيا عنكم ببعيد ، ولن نخرج من تلك الدائرة حتى يقتص الله من الجميع للشهداء

ورسالتي لأهل الصلاح ، إنكم لن تستطيعوا أن تنتصروا إلا في حالتين ، أن تتساووا مع الظالمين أو تفوقوهم قوة ، وإما أن تتمسكوا بالعروة الوثقي ، وتنهجوا نهج أهل بدر حتى تكونوا من أولئك القلة التي ينصرها الله " وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله "

لن ننال حتى نعد كل ما في استطاعتنا ، طوروا أنفسكم ، جددوا لغة خطاباتكم للناس ، لا تنسوا أنكم دعاة قبل أي شيء ، وأن الحكم جزء من الدين ، وأن الدفاع عن الحرية هو المطلب الأول لكل مسلم علي وجه الأرض وهو ما أعلنه نبيكم في مكة في بادية الدعوة " خللوا بيني وبين الناس " ، كان مطلبه الأول عليه الصلاة والسلام ، أن يدعوه ليسمع الناس ، فإذا سمعوا كان لهم أن يؤمنوا أو يرفضوا ، اجعلوا مطلبكم الأول حرية ، والشرعية جزء من حرية الناس في الاختيار ، الدفاع عنها واجب وجزء من كل ، والكل هو الشريعة كاملة ، الهداية للناس ، لسنا عليهم مسلطين ، وإنما لهم منقذين.