معالم جديدة في استراتيجية الثورة السورية

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

لو عدنا لتاريخ وبدئ انطلاقة الثورة السورية , ومع أن كل عوامل الثورة كانت موجودة في الشارع السوري , وكانت تحتاج  فقط لشرارة تشعلها , فثورة تونس ومصر وليبيا واليمن , كانت العوامل الخارجية  والتي رادفت العوامل الداخلية لقيام الثورة السورية , ووجدت الشرارة من أطفال درعا الأبطال , وكانت البداية , وانطلقت الثورة على استحياء , وهو ناتج من الخوف من القمع وسياسة النظام القمعية المعهودة  , في الثمانينات كانت هناك ثورة حقيقية قادها مجموعة  من الشباب السوريين , والذين أطلقوا على أنفسهم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين , ومع أن الإخوان المسلمين يعتبرون الطليعة ليسوا منهم , وتسميتهم تلك ألصقوها هم بالاخوان , ولكن النظام جرهم للحرب ضده وتمت جرائم لاحصر لها , وكانت النتيجة مرعبة حقاً , وسكت العالم كله عن تلك الجرائم  المرتكبة بحق الشعب السوري , وبتقديري أن عدم نجاح الثورة في الثمانينات والسبب الرئيسي هو لايوجد استراتيجية محددة للثورة  , ولم يكن هناك خطط مستقبلية تقنع الناس بالانضمام إليها , وفي نفس الوقت كانت العوامل الدولية , ووجود القطبين الشرقي والغربي , وتقسيم الحصص بين المعسكرين , فسورية هي من نصيب القطب السوفييتي

لنعد لعوامل الثورة الحالية , يمكن أن نحددها باختصار وبجملة بسيطة , في كل الدول العربية عوامل الثورة جاهزة , وبالتالي فإن نضوج العوامل الثورية تكون واضحة أكثر وأشمل عند الشعوب والتي تخضع لنظام شمولي استبدادي , فالنظام الشمولي الاستبدادي , يعتمد في سياسة بقائه على ثلاث عوامل هي :

1-    وجود تهديد خارجي دائم , وإيهام الشعب في أنه في حالة حرب مع العدو , هذا العدو الدائم يبرر له أمام الشعب  تقوية الجيش والأمن وتسخير معظم موارد الدولة للقطاعين المذكورين , وبالتالي تصبح آلة القمع عنده قوية  , بحيث يسخر هذه القوة لقمع شعبه , وتجويعهم وإفقارهم , بحيث يصبح المرء لايفكر إلا بلقمة العيش والمغموسة بكل انواع الذل والإهانة

2-    تطهير البلاد من المعارضين والمفكرين وذوي العقول الفكرية والثقافية , لكي تنتشر في البلاد ثقافة التأليه , وإدارة البلاد من قبل أناس يعينون على أساس الموالا ة للحاكم وليس على أساس الاختصاص والمؤهلات

3-    اطلاق اليد للمقربين من الحاكم في أمور الناس , وجعل كل الامور بأيديهم في مقابل خدمات يقدمونها لمن يريد مركزاً ما أو موقعا معين , في مقابل أجر مدفوع مقدماً , مع اضافة صبغة دينية للحاكم كالرجل المؤمن , من قبل مجموعة من علماء الأمة , هذه الأمور مجملة وغيرها لاسبيل لذكرها الآن ولكن من أهمها هو أن الثقة بين الناس تصبح معدومة تماماً , خوفاً من القمع أولا, والفائدة الشخصية المكتسبة من وراء ذلك ثانياً.

فالثورة السورية  هي ثورة شباب حديث , قام فيها فقراء الأمة وعلى عاتقهم الثورة تحمل الآن , غاب عنها كل الأحزاب التقليدية  , فالأحزاب تلك وهي معارضة للنظام , ولكن لم يلج في داخلها شعور مهما كان بسيطاً أو عابراً في أنه يمكن للشعب السوري ان يقوم بثورة شعبية , أو يملك من الجرأة حتى ,على القيام بمظاهرة بسيطة يعترض فيها على النظام الحاكم , وعلى سبيل المثال الشيخ عدنان العرور , عندما دعونا على صفحات الفيس بوك ليوم الغضب السوري في الخامس من شباط , ولم تخرج الناس في ذلك الوقت , طلب بعدها من الشباب في سورية ومع الرجاء من منطلق الخوف عليهم من إجرام النظام المعروف عند الجميع , إياكم والخروج في مظاهرة أو ثورة ضد النظام

استراتيجية الثورة السورية اعتمدت على الثورة السلمية , واستمرار المظاهرات حتى اسقاط النظام , قابل النظام هذه الاستراتيجية باستراتيجية العنف والقتل والترهيب وكل أنواع وسبل الاجرام ضد الثورة السلمية , الثورة السلمية المتبعة  أفرزت للثورة مكاسب كبيرة , هذه المكاسب ومع الألم الشديد على الخسائر الكبيرة من خيرة أبناء الوطن , ولكن سلمية الثورة أفرزت أمور هامة جداً , هي لصالح الثورة وضد النظام الحاكم في سورية

وعندما نأخذ بعين الاعتبار هذه المكاسب يمكننا ذلك من رسم استراتيجية جديدة للثورة , منطلقة من محورين :

المحور الأول : هو انجاح الثورة واسقاط النظام , معتمدين في ذلك على استمرارية الثورة السلمية وحتى لانخسر مكتسباتها والتي منها , على المستوى الداخلي , فقدان الثقة في فئات كبيرة من الذين كانوا مع النظام في أنه سيبقى , وأن نها يته باتت قريبة , كما عبر عن ذلك السفير الأمريكي في سورية , وكذلك حالة التدهور الاقتصادي , وبزوغ قوة لها مستقبل كبير في اسقاط النظام وهذه القوة متمثلة بالجيش السوري الحر , وانضمام المنشقين إليه وهو ككرة الثلج يكبر ساعة بعد ساعة ويقوى يوما بعد يوم بحمد الله تعالى , أهمية وثقل هذا الجيش تكمن في أنهم من خيرة أفراد الجيش السوري , بالاضافة إلى أنهم كانوا من حماة النظام وانقلبوا عليه , وعلى قيادات هذا الجيش تقع مهمة كبيرة في أن وجودهم لايعتمد فقط على حماية المتظاهرين , وإنما تشكيل قيادة ثورية ومجلس عسكري مهمته التحرير وحماية الثورة بعد اسقاط النظام , فأي قوة تابعة للنظام وتريد ضربهم سيعقب ذلك انقسام في تلك القوة وانضمامها إلى الجيش السوري الحر , وخصوصاً بعد تشكيل مجلس القيادة العسكرية .

هذه السلمية وما قابلها من عمل اجرامي من النظام الحاكم , جعلته في عزلة دولية شاملة , هذه العزلة الدولية يجب أخذها بعين الاعتبار في طلب الحماية الدولية , وهو الخطر الأكبر والذي يخشاه النظام الحاكم وأعوانه

المعارضة والتي تلهث وراء الثورة وأي تجمع ينبثق عنها , عليها أن تضع في استراتيجية عملها الحالي, ثلاث محاور رئيسية لتحركها وهي كالآتي :

1-    لابديل عن اسقاط النظام واسسه وتوابعه وبكل ماتعني الثورة الحقيقية في القضاء على النظام كاملاً

2-    الدعم المادي للثوار والدعم العسكري والمادي للجيش السوري الحر

3-    مخاطبة دول العالم كافة  وعليها تحمل مسئوليتها لحماية الشعب السوري , وأن تكون المخاطبة فردية وجماعية للدول , وطلب الحماية الدولية بشكل صريح وبدون مواربة وتحليلات عرجاء وتأويلات لاتفيد , فإن كان عن طريق الناتو فلا مانع وإن كان عن طريق الأمم المتحدة فلا حرج فيه وإن كان عن طريق الدول العربية فهو بعيد حتما

وفيما تقدم يمكننا الان رسم استراتيجيتنا الحالية لانجاح الثورة , والاستراتيجية بعد نجاح الثورة لها حديث آخر.