ربيع الشعوب وخريف الأنظمة
ربيع الشعوب وخريف الأنظمة !!
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
بعد عقود طويلة من القهر والظلم والليالي الحالكة التي فرضتها الأنظمة المستبدة على شعوب المنطقة العربية لتعيش ربيعها في زهو وفى ترف غير عابئة بالآم وعذبات الملايين من الفقراء والمحرومين والمظلومين وبعد الثورات العظيمة التي شهدتها المنطقة مؤخرا في تونس وفى مصر وتدور رحاها في ليبيا واليمن لم تعد الشعوب تقبل بأنصاف الحلول، ولا بثلاثة أرباعها، فإما إصلاح شامل وإما رحيل مؤكد وعاجل، والبداية هي الإصلاح السياسي الشامل الذي يجب أن يتجاوز الترقيع بتلبية بعض المطالب فالشعوب قررت ألا تعود مرة أخرى إلى عبودية الاستبداد المذلة بعد أن تنسمت حياة الحرية ، والشعوب التي ثارت لم تطالب بغير حقوقها والتي تدور حول ثلاثة مطالب واضحة.
- تداول سلمي على السلطة عبر صندوق انتخاب شفاف ونزيه.
- برلمان حقيقي يشرَّع ويراقب ويحاسب الحكومة والقيادات.
- سلطة قضائية مستقلة تحفظ لكل مواطن حقه في التقاضي .
سنن الله الجارية !!
وبنظرة فاحصة لما حدث نرى أن سنن الله الجارية جرت على الأنظمة المستبدة مصداقا لقوله تعالى :" وتلك الأيام نداولها بين الناس " ولم يستطع أحد أن يتنبأ بما سوف تكشف عنه الأيام في المستقبل وماذا تحمل الشعوب في جعبتها لهذه الأنظمة الفاسدة ، فقد فشلت كل أجهزة التوقعات التابعة للمخابرات العالمية في رصد ثورات الشعوب ، ولم تعد أية جهة قادرة على توقع ما سوف تكشف عنه ثورات الغضب، أو على جهة ستهب رياح التغيير بعد أن عصفت بأركانها الأكثر قبضة من المستبدين في عالمنا العربي في تونس وأسقطت الفرعون الأخير في مصر و في طريقها إلى اقتلاع مجنون ليبيا وجنرال الدم في اليمن ومن بعده كل الرموز الفاسدة التي جثمت على صدور الشعوب طويلا.
فأسباب الثورة لم تعد قاصرة على المطالب الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل والمطالب الفئوية بإقرار الكوادر في القطاعات المختلفة .. فالشعوب ارتفع سقفها مطالبها وصرخت في كل ميادين التحرير و التغيير بأن "الشعب يريد إسقاط النظام" في سماء كانت ملبدة بغيوم الفساد ومحتجبة بسياسة الحزب الحاكم المتسلط في كل شئ و طغمة رجال الأعمال الفاسدين الذين نهبوا ثروات البلاد عن طريق الاحتكار وبعد أن نسفوا كل مقومات الحرية والديمقراطية والمساواة بين المواطنين.
ملامح الربيع القادم ..
الثورات التي انفجرت وحملت رياح التغيير وبشرت بربيع الشعوب جاءت لتمحو كل مظاهر الفساد السياسي، والتلاعب بالمال العام، والفشل الاقتصادي ، وتقضى على البيروقراطية في التسيير، وتلفظ التهميش للمعارضين ، والبطالة القاتلة ، وغلاء المعيشة المذل ، وانتشار المخدرات الذي يدمر الشباب والذي ثبت بالأدلة تورط أضلاع من السلطة في ترويجها ، وتُغير مستوى التدهور الأخلاقي للمواطنين ، وتطلق الحريات المصادرة ، و تفتح الأجواء الإعلامية والنقابية والمجتمعية المغلقة من عقود وتلغى أي مخطط لحاكم بالتأبيد في كرسي الحكم، أو الحديث عن "التوريث".
إلى من لم يصبه الدور ..
ثمة رسالة واجبة إلى من لم يصبه الدور من الأنظمة العربية والإسلامية يجب عليها أن تقرأ ما يجري في المشهد العربي قراءة صحيحة ومعمقة وواعية، لأن الشعوب فهمت أدوارها، واسترجعت رسالتها التي ضاعت منها لعقود طويلة قاربت النصف قرن، وبدأت تسترجع ثقتها بنفسها وبشبابها وتأخذ دورها الطبيعي في المشهد السياسي.
وإذا أرادت هذه الأنظمة أن تحفظ ماء وجهها وتعيد ترميم رصيد الثقة المتهالك بينها وبين شعوبها فما عليها إلاّ المبادرة بفتح قنوات الحوار على أوسع نطاق ، ولتكن البداية بالتطهير الكامل لكل هياكل وبؤر "الفساد الرسمي" بشفافية تامة ، ثم التخلي عن سياسة الاحتكار والتهميش و إقصاء المعارضين، ولتحذر هذه الأنظمة من خمس سياسات كفيلة بإسقاط أعتى العروش .
- سياسة إفراغ الساحة الوطنية من المعارضة بالإقصاء.
- سياسة اختزال الدولة في شخص الرئيس وبطانته.
- سياسة الإصلاحات الوهمية والشكلية لكل قطاع دب فيه الفساد.
- سياسة الاستجابة الجزئية لمطالب الشعب في الإصلاح .
- سياسة الانبطاح أمام عدو الأمة واستفزاز عواطف الشعوب.
ولتعلم هذه الأنظمة أن من أقام حكمه على الغدر والخداع والكذب؛ فقد أقامه على حجر متدحرج ، وحكمه لا يدوم وليعلم الحكام أن الحكم المستبد محرقة أو مخرقة وقلّ فيه الخالدون . وليقرؤوا التاريخ مجددا ليعلموا أن كل عصر تلتزم السياسة فيه بمبادئ الأخلاق، يكون عصر ازدهار ورخاء وسلام، وكل عصر تنفصل فيه السياسة عن الأخلاق، تشيع فيه الفتن وتقع الأزمات.
أعداء الإصلاح الحقيقي
أعداء الإصلاح في كل مجتمع ثلاث فئات: فئة ترى في الإصلاح فواتاً لمصالحها المعنوية: من جاه أو رئاسة. وفئة ترى في الإصلاح فواتاً لمصالحها المادية: من مال وشهرة. وفئة تضيق عقولها عن استيعاب بواعث الإصلاح وفوائده، وأخطر هذه الفئات على حركة الإصلاح هي الفئة الأولى، فإذا اجتمعت الفئات الثلاث على محاربته، كان الإصلاح عبئاً لا يحمله إلا أولو العزم من الرجال، ومعركة لا يثبت فيها إلا أولو الشجاعة من الأبطال و لا يثمر الإصلاح إلا بثلاث: دراسة المجتمع، وصدق العاطفة، ومتابعة السير فى التغيير الجذرى الشامل.
رغم الفوضى.. نستطيع !!
وختاما فإن التجربة أثبتت أن الشعوب تستطيع تحقيق حلمها وجلب ربيعها وصناعة مستقبلها رغم تحذير من سقطت عروشهم بتهديد الشعوب ومحاولة وضعها في مأزق بين اختيار الثورة أو الفوضى أو الخوف.