نايف حواتمة معول هدم ومسمارٌ في نعش
د. مصطفى يوسف اللداوي
يأبى نايف حواتمة دوماً إلا أن يكون صوتاً نشازاً، ورأياً غريباً، وفكراً مندساً، وعقلاً متآمراً، وصاحب مفرداتٍ منبتة، وكلماتٍ منفرة، وتوصيفاتٍ حاقدة، وشعاراتٍ مفرقة، وردودٍ قاسية، واجاباتٍ مستفزة، وحضورٍ محرج، وزياراتٍ مشبوهة، ولقاءاتٍ مريبة، يجتمع مع الخصوم، ويصافح الأعداء، ويبش في وجوههم، ويرق لهم في الحديث، ويبرئ ساحتهم، ويزين صورتهم، ويهاجم من ينتقدهم، ويستعدي من يخالفهم، ويدعو إلى القبول بهم، والاعتراف بوجودهم، ويستنكر من يدعو لإنكارهم، وهو الذي سبق وبشر باللقاء، وهيأ للاعتراف، ودعا للوفاق مع العدو كجارٍ وصديق، والتسليم له بما سرق واغتصب، اعترافاً بالواقع، وقبولاً بالحال.
نراه في كل المحافل العربية والدولية، مخالفاً للإجماع، ومعارضاً للوفاق، ومقسماً للجمع، ومتعالياً على الشعب، ومتكبراً على الصحب، ومنتقداً للرفاق والإخوان، يغلظ في القول، ويبالغ في النقد، ويستهزئ بالعقل، ويستخف بالعمل، وينكر الجماهير، ولا يعترف بالتغيير، ولا يقر بالواقع، ولا يسلم بالمستجدات، ولا يقبل بالتطور، ولا تعنيه المتغيرات، ولا يلتزم برأي الشعب، وإرادة الأمة، ويريد أن يسوق الشعب خلفه، وأن يصغي لصوته، وأن يلتزم بقوله، وكأنه الحكيم العاقل، والشيخ الراسخ، وصاحب العلم والتجربة، وأهل الحل والعقد، ممن يثق به الناس، ويلجأ إليه المواطنون في الأزمات والملمات.
رجلُ قد تكلس في ماضيه، وتجمد في تاريخه، وانقطع عن حاضره، وتقوقع في مكانه، وانحبس بين جدرانه، وغاب بين ثيابه، وتخشب في أفكاره، وأصاب عيونه العمى، وصمَّت أذناه عن الحق، فكانت أٌذنه أذن شر، وسماعة قر، وانعقد لسانه إلا عن الباطل، فلا ينطق إن صمت إلا كفراً، ولا يبين إن سكت إلا غدراً، ولا يظهر إن غاب إلا متآمراً، معتمداً على ماضٍ لا يحترمه سواه، ولا يقر به غيره، ولا يجله من عرفه، ولا يصدقه من عاصره، ولا يعترف به من كان معه أو شهد أيامه، إذ يدعي مجداً لم يرمه، ويقول فخراً لم يستحقه، ويعلق سيفاً لم يحمله، ويلقي بندقيةً كانت لغيره، ويصف معركةً لم يخضها، ويباهي نصراً لم يصنعه، ويتهم في كلامه بريئاً، ويبرئ مجرماً، ويدنس بالرجس طاهراً، ويطهر بالحق فاسقاً، ولا يخجل من باطله، ولا يستحي من شيبته، ولا يحترم ماضي شعب، وعطاء أهل، وتضحياتِ فصيلٍ أو تنظيم.
نجده دائماً يغرد خارج السرب، ويستغل الظرف، وينتهز الأحداث، ويمرق من الأزمات، ويتحدث من قوقعته التي تجاوزها الزمن، وتخطاها الشعب، وأعرض صفحاً عنها غير ملتفٍ إليها، ولا آبهٍ بها، إذ لم يعد لها أثر، ولا يظهر منها فعل، إلا من أصواتٍ مجلجلة، كطبلٍ أجوفٍ يصدر صوتاً مع كل طارق، ومع كل ريحٍ تصفر، أو زوابع تهب، إذ يحرص على أن يكون حاضراً في كل عرسٍ وحفل، يدعوه إليه كل حاقدٍ وكارهٍ، ومتآمرٍ وخائنٍ، يستغل صوته، ويستفيد من اسمه، ويستخدمه من موقعه، ليضرب به آخرين، ويتهم مقاومين، ويشكك في عطاء مجاهدين، ويستخف بدماء الشهداء ومعاناة الأسرى والمعتقلين.
كالأستاذ يظهر، وكالمرشد يتصرف، وكالحكيم يوجه، وكالعاقل ينصح، ولكنه يخرب من حيث يدري، ويسيئ من حيث يتعمد ويقصد، ويضر من حيث يريد، وينتقي مفرداته بتأنٍ، ويختارها برويةٍ، ويعني بها ما يقول، ويفرضها على السامع والمتلقي، ويجترح المصطلحات المؤذية، والتسمياتِ المسيئة، التي لا أصل لها في اللغة، ولا وجود لها في الأثر، ولا اعتراف بها بين البشر، ليسيء إلى حضارةِ أمةٍ بأكملها، وتاريخ شعبٍ عظيمٍ، وتضحياتِ أهل كرام، منتشياً بمن يسمع إليه، ومغتراً بالبوق الذي يوضع أمام فيه "فمه"، لينطق بما فيه، غير مبالٍ بالأذى الذي يلحقه بشعبه وأهله، وإن كان عنهم منبتاً، وبينهم غريباً، وإليهم لا ينتمي، ومعهم لا ينسجم، وفيهم لا يقدر.
إن الاتهامات التي كالها حواتمة لحركة حماس، اتهاماتٌ مرفوضة، وهي مغلوطةٌ ومقصودة، ومجيرةٌ ومهدفة، وهي تتماهى مع الخصوم، وتتفق مع العدو، وتتآمر على الأخوة والرفاق، وتضر بالشعب والقضية، وتهين الشهداء والرموز، وتتطاول على القامات والمقامات، خدمةً لغيره، وتسخيراً لمشاريع معادية، ومخططاتٍ متآمرة، إذ يشهد العدو بمراس حماس وشدتها، وعزمها ومقاومتها، وأنها أضرت به وألحقت به الأذى، وأنها جيشت الشعب، وأطرت المقاومة، وطورت أساليبها، وحسنت أداءها، وضاعفت مداها، وأنها كانت السبب وراء انكماش مشروعها الكبير، وتراجع صوتها الهادر بدولة إسرائيل الكبرى، إذ نجحت حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية في تحجيم الجيش الإسرائيلي، وكشف عورته، وإظهار عيوبه، وبيان ضعفه.
كل التحية والتقدير إلى كتائب المقاومة الوطنية، الجناح المسلح للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، التي قاتلت في غزة، ودافعت عن أهلها، وتصدت للعدوان، وواجهته مع بقية القوى والفصائل الفلسطينية بكل قوةٍ وثبات، وساهمت مع غيرها في قصفه ومقاومته، وأبلت بلاءً حسناً، نشهد به ونشيد، ونقدر لها ونشكر، وقد حازت كغيرها فضل المقاومة، وشرف الصمود، ونبل الدفاع، وسقط منها شهداءٌ وجرحى، فنحفظ لهم فضلهم، ونذكر اسمهم، ونسجل صفحاتهم، ونذكرهم ولا نغمط حقهم، ولا ننكر جهدهم، ولا نتطاول على عطائهم، ولا نبخس تضحياتهم، ولا نتهمهم في نواياهم، ولا نسيئ إليهم في حضورهم وغيابهم، ولا نسمح لأحدٍ بأن يعتدي عليهم، أو يهين رموزهم الشهداء، وأعلامهم المقاومة، ورجالهم الأماجد.
وفي الوقت نفسه نأمل من رجال كتائب المقاومة الوطنية، الذين كانوا شركاء في الميدان، ورفاق في السلاح، ومعاً في الزنزانة وخلف القضبان، ألا يسمحوا لأحدٍ ولو كان أمينهم العام، ورئيس تنظيمهم الأول، أن يسيئ إلى المقاومة الفلسطينية، وأن يهين فصيلاً فلسطينياً كان له شرف المقاومة الأول، وشهد له العدو قبل الصديق بأنه قاوم بشرف، وضحى بصدق، وأعطى بسخاء، وثبت بثقة، وصمد بيقين، وأن برنامجه الأول والأخير كان المقاومة، وأنه لم يقاتل رياءً، ولم يقاوم مناورةً، بل إنه كان مع غيره من القوى والفصائل، وراء الصمود الكبير الذي حققه شعبنا في مواجهة آلة العدو الهمجية، وإلا فإنه يوافق على معوله الهدام، ويشارك معه في دق مسمار الفرقة في نعش الشعب، الذي يرفض منطقه، ويعارض قوله، وينتقد كلامه.