بيان مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في سورية
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان مجلس الشورى
لجماعة الإخوان المسلمين في سورية
في ختام دورته العادية الأولى
(محرم الحرام 1436– تشرين الثاني 2014)
في مرحلةٍ مهمةٍ وظروفٍ ثقيلة الوطأة، من عمر ثورة شعبنا السوريّ، الذي تجاوز الأربعين شهراً، حافلةً بالصبر والثبات والتحدّي، وإصرارِ شعبنا الأبيّ على دَحْر الطغيان، ونَيْلِ الحقوق المشروعة في الحرية والكرامة.. انعقدت الدورة العادية الأولى لمجلس الشورى الجديد، لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، ليرسمَ معالمَ المرحلة القادمة. وانتخب الدكتور محمد وليد مراقباً عامّاً للجماعة، بعد استقالته من رئاسة الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد)، خلفاً للمهندس محمد رياض شقفة، مُـمَهِّداً الطريق أمام انتخاب قيادةٍ جديدةٍ للجماعة، تتصدّى للمهامِّ الجسامِ الموكلة إليها، في تعزيز الالتحام بثورة شعبنا المباركة، واتّباع ما يلزم من السُبُل الكفيلةِ بتحقيق أهداف هذه الثورة في الحرية والكرامة بإذن الله عزّ وجلّ.
يا أبناء شعبنا السوريّ الحرّ..
إنّ مجلس الشورى الذي اطّلع على آخر المستجدّات المتعلّقة بأوضاع سورية وثورة شعبها، يؤكِّد على موقف الجماعة من مختلف القضايا، بما يأتي:
1- إنّ المنعَطَفَ الصعبَ الذي وصلت إليه الثورة، وهذه المرحلة التي تُستَنزَف فيها على جبهاتٍ عدّة، تستوجبُ إعادةَ تقويمٍ شاملٍ للأوضاع، ويتطلَّبُ من الجماعة ومن كلّ الفصائل السياسية والثورية، توحيدَ الجهود، والمزيدَ من التعاون والتنسيق، والعمل المشترَك، وسوف تواصلُ الجماعة سعيَها بهذا الاتجاه، إذ لا يمكن تحقيق أهداف الثورة بغير ذلك.
2- إنّ التحالفَ الدوليّ ضدّ الإرهاب، لا يمكنُ أن يبلغَ أهدافه، من غير اجتثاث إرهاب النظام الأسديّ وأعوانه، وحلفائه الطائفيين، الذين اجتاحوا سورية واحتلّوها، وما يزالون يعيثون فيها فساداً وإجراماً.. فهذا النظام وحلفاؤه هم أصلُ الإرهاب وأدواتُه، وكُلّ حربٍ ضدّ الإرهاب لا تبدأ بهم، إنما هي - في حقيقتها - تضليلٌ وحمايةٌ للعصابة الأسدية، وتمهيدٌ لإعادة تأهيلها، وإمعانٌ في تدمير البلاد، واستنزافٌ لقوى الثورة، وتعميقٌ لمحنة الشعب السوري.
إننا ندعو المجتمعَ الدوليَّ إلى تحمّل مسؤولياته لحماية الشعب السوريّ، الذي يتعرّض لأبشع مجزرةٍ جماعيةٍ، يرتكبها النظام السوري منذ ما يقارب الأربع سنوات.
إننا نرفض التدخّل بشؤون بلدنا سورية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، فالشعب السوريّ مع فصائل ثواره، قادر – بإذن الله - على اجتثاث إرهاب النظام وقوى الغلوّ والتطرّف، فيما لو رُفِعَ الحظرُ عن حصوله على السلاح النوعيّ، ليتمكن من الدفاع عن نفسه وتحقيق أهدافه في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية..
إننا مع إدانتنا الكاملة لاستهداف المدنيّين، من كلّ مكوّنات الشعب السوريّ، في كافة المدن، نعتقد أنّ اختزالَ المحنة العميقة للشعب السورية، بـما يجري في بلدة (عين العرب)، وإثارةَ الضجيجِ الذي نشهدُه، إنما هي تغطيةٌ على جرائم النظام الأسديّ، التي يرتكبها ضدّ أهلنا في جميع المدن السورية، على مَدار الساعة، ودعمٌ له وتمكين، ليستمرّ في قتل شعبنا واضطهاده.
3- إنّ التطرّفَ والغلوّ، عدوّ للإنسان وللإسلامِ وللثورة، وإنّ جماعتنا التي تميّزت بالوسطية والاعتدال عبرَ تاريخها كله، تؤكِّد على (إيمانها الراسخ بالمفهوم الوسطيّ للإسلام، عقيدةً وشريعةً ومنهجَ حياة). وإنّ هذا التطرّفَ لم يظهرْ في سورية، إلا نتيجةً مباشرةً لإرهاب النظام الأسديّ وحلفائه الطائفيين، وسلوكه الإجراميّ الذي تخطّى كل الخطوط الحمراء.
4- إنّ النظامَ الإيرانيّ، الحليفَ العضويَّ للنظام الإرهابيّ الأسديّ.. صانعٌ للإرهاب، ومنبعٌ له، يُصدِّره إلى سورية وإلى أنحاء المنطقة كلِّها، ولا يمكن أن يكون حليفاً ضدّ الإرهاب.. وإنّ العلاقة الخفيّة التي بدأت تتكشّف، بين هذا النظام وأميركة التي تزعم محاربةَ الإرهاب، وإطلاق اليد الإيرانية في سورية والمنطقة، لتفتيتها، والتدخّل السافر في الشئون الداخلية لدولها، وغَضّ الطرْفِ عن جرائمها، وجرائم فصائل الموت التي تُصدِّرها إلى سورية وغيرها من الدول، ومَنح إيران هذا الدور الإقليميّ.. لأمرٌ يدعو للريبة، ويُنبئُ بحجم الخطر المحدقّ بدول المنطقة وشعوبها. إنّ هذا الدور المتنامي لإيران، يستوجبُ حشدَ كلّ الإمكانات لمواجهته، وصَدّه عن بلوغ أهدافه المهدِّدة لوجودنا ومستقبلنا.
5- إننا نثمِّنُ مواقفَ الدول الداعمة لثورة شعبنا، والدول المضيفة التي تستقبل اللاجئين السوريّين، وتقوم على رعايتهم، ونتوجّه إليها بالشكر والتقدير، ونخصّ الموقف التركيّ، الذي يدعو إلى إقامة منطقةٍ آمنة، تساعدُ المهجّرين من أهلنا على العودة إلى بلدهم، ويطالبُ بفرض حظرٍ جويٍّ على قوات النظام الأسديّ، التي ما زالت تواصل إلقاء الصواريخ والبراميل المتفجّرة والقنابل العنقودية، على المواطنين المدنيّين. ونطالب الدولَ المعنيةَ بأن تضع هذه الرؤيةَ موضعَ التنفيذ، إنقاذاً لشعبنا الذي تخلّى العالَمُ عنه، خلافاً لما تقضي به القوانينُ الإنسانية والشرائعُ الدولية.
كما تؤكد الجماعة حرصها على حسن العلاقة مع كافّة الدول الشقيقة والصديقة، بخاصة تلك التي تقف إلى جانب شعبنا في ثورته المباركة ضدّ الظلم والطغيان والفساد.
6- ندعو إلى تشكيل الحكومة المؤقّتة، على أسسٍ وطنية، وفقَ معايير الكفاءة، بعيداً عن المحاصصات الحزبية والسياسية، وندعو إلى دعمها، لتؤدّيَ دورها المطلوب، في خدمة شعبنا، وتمكينها من تنفيذ خُططها وبرامجها، في إدارة موارد البلاد، وحماية الشعب السوريّ من جرائم النظام الأسديّ وحلفائه، وجرائمِ الفئات المتطرِّفة الإرهابية.
7- إنّ وحدة سورية أرضاً وشعباً، واستمرارَ هذه الوحدةِ وترسيخَها، ينبغي أن يكون هدفَ السوريين كلِّهم، الذي يجتمعون عليه، ويُضحّون في سبيله.
8- قضيةُ اللاجئين، والمهجَّرين السوريّين، قضيةٌ إنسانية لا يمكن للمجتمع الدوليّ أن يتجاهلَها، أو يغضَّ الطرْفَ عن بعض جوانبها وأبعادها، أو أن يتراجَع عن خطواتِ تخفيف وطأتها. وبخاصةٍ قضية اللاجئين السوريين في لبنان، وإننا – في هذا المقام - ندعو اللبنانيين، شعباً وجيشاً وحكومةً، للوقوف إلى جانب هؤلاء المهَجَّرين، وضمان حقوقهم، وكفِّ يد السوء عنهم. ونُذكِّرُ مَن تنفعه الذكرى، بأنّ الشعبَ السوريّ وقف إلى جانب أشقائه اللبنانيين في مـِحَنِهم كلها عبر التاريخ، وأنّ سورية هي الرئة الأوسع والأكبر والأهمّ للبنان الشقيق، وإنّ القوى اللبنانية التي تنسى هذه الحقيقة، تتحمّلُ كاملَ المسؤولية عن العبث بالعلاقات التاريخية بين التوأمين الشقيقين.
يا أبناءَ شعبنا السوريَّ الأبيّ.. إننا على العهد ماضون معكم بإذن الله، بكلّ إمكاناتنا، مهما قَلَّت، يداً بيد، وعضداً إلى عضد.. متلاحمين مع ثورة شعبنا المجيدة، إلى أن نبلغَ معاً – بإذن الله - أهدافَنا في الحرية والتحرّر من الطغيان ومَن حالفَه أو والاه.
يا أحرار العرب والمسلمين.. إنّ ما يُمارسه العدوّ الصهيونيّ من اعتداءاتٍ سافرةٍ على المسجد الأقصى المبارك.. وعلى أهلنا في غزة، وفي كلّ فلسطين، يؤكّد من جديد، ضرورة الالتزام بدعم القضية الفلسطينية، القضية المركزية للعرب والمسلمين، والعمل على تحرير قبلتهم الأولى وإن حرص العدو الصهيوني على بقاء النظام الأسدي يؤكد اشتراكهما في المؤامرة على أمتنا ومقدساتنا الإسلامية
أيتها المرأة السورية الطاهرة الأبية.. يا أمَّ الشهيدِ، وأختَه، وابنتَه.. أيها الثوار الأحرار.. أيها السوريون القابضون على الجمر..
نحيّيكم.. ونحيّي صمودكم وثباتكم على طريق ثورتكم المباركة، ثورة الحرية والعزّة والكرامة، ونؤكّدُ تلاحمنا معكم حتى تحقيق النصر. وإنّنا لواثقون أنّ تضحياتِكم العظيمة، لن تضيعَ سُدىً، وسيسجِّلها التاريخ بأحرفٍ من نور، وستثمرُ – بإذن الله - نصراً قريباً عزيزاً مؤزّرا، (ويومئذٍ يفرحُ المؤمنون بنصر الله، ينصرُ من يشاء، وهو العزيز الرحيم). (وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا، نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)..
اللهم ارحم شهداءَنا، واشفِ جرحانا، وفرِّجْ عن أسرانا، وآوِ مُهَجَّرينا. اللهم آمين.
في 18 محرم 1436 الموافق 11 تشرين الثاني 2014
مجلس الشورى
لجماعة الإخوان المسلمين في سورية