الحمير لا يدخلون الجنة
ممدوح أحمد فؤاد حسين
[email protected]
خلال ثورة الجزارين التي أنهت خضوع قرى المنطقة للحمير نال الحمار ضربة قاتلة,
وأدرك أنه ميت لا محالة, وتذكر الجنة والنار, وما كان من الذاكرين, تذكر ذنوبه,
وكان يظن نفسه من المتقين, فأخذ يردد:
ما أغني عني ماليَ
هلك عني سلطانيَ
سامحوني
ثم طاف على أهل القرية يطلب العفو والغفران , وعلى باب دار للأيتام قال:
سامحني
أيها الطفل اليتيم
ما مسحت يوما علي رأس يتيم
ما كنت للمسكين طعيم
ما داويت منكم سقيم
لم أجعل لكم حظ من تعليم
وعلى الشاطئ أخذ يخاطب الغرقي فقال:
سامحني
أيها الشاب الغريق
في البحر ذي العمق السحيق
حرمتكم من خير البلد الوفير
لم تجدوا غير الأبواب المغاليق
صادرت الأحلام وظننت أنني رزيق
ما كنت للحق حقيق
فحييتم بلا زفير ولا شهيق
وتحت شرفة دار للفتيات قال:
سامحيني
أيتها العروس
لم تري قمرا في ليل طويل
ولا حلم بل كابوس وبيل
لم تفرحي بعرس ولا حب نبيل
لم تلاعبي طفلا في نهار جميل
حياتك ضباب وغيوم وعويل
وامام باب للمسنين أخذ يقول:
سامحيني
يا أم الشهيد
ما كنت أدري أن الله شهيد
لم تشهدي يوم عيد سعيد
كنت للرحمن عنيد
ثم هام على وجه في طرقات القرية يطلق صيحاته:
سامحوني
بالزقوم سيطعموني
بالحميم سيسقوني
بماء الصديد سيغسلوني
بسرابيل من قطران سيكفنوني
في قعر الجحيم سيلقوني
فهل تسامحوني ؟
وانقسم أهل القرية إلى فريقين: فريق يقول: أرحموا عزيز قوم ذل, وفريق أخر يرفض أن
يسامحه. فذهبوا إلى شيخ القرية ليحكم بينهم.
بعدما أستمع شيخ القرية للفريقين, مصص شفتيه, وضرب يدا على يد, وقال: عجبا لكم, أما
علمتم أن الحمير لا يدخلون الجنة.
وبعدما لفظ الحمار أنفاسه الأخير.. سمع أهل القرية أنكر الأصوات يقول:
أخذوني فغلوني
بسلسلة ذرعها سبعون ذراعا قيدوني
في سجيل رموني
عن ذنوبي ما سألوني
بالنار صلوني
من الحميم والصديد سقوني
وبالغسلين أطعموني
في العذاب المقيم تركوني
من جنة النعيم حرموني
عن الحور العين حجبوني
الحب والرمان ما أطعموني
الماء السلسبيل ما سقوني