حين يهيمن على القرار،
اللئام والجهلة والأغرار!
ماجد زاهد الشيباني
· القرار ، أيّ قرار ، يحتاج إلى عقل سليم ، أولاً ، وقبل كل شيء !
· القرار العادي السهل ، يكفي فيه العقل البسيط ! فشراء بدلة ، أو قميص ، مثلاً .. لايحتاج إلى عقل كبير، أو ذكاء جيّد ، أو خبرة عالية جداً ! بل يكفيه عقل عادي متوسّط ، وذكاء متوسّط ، وخبرة عادية بسيطة ، في شراء البضائع ، من نوع البضاعة المراد شراؤها !
· أمّا شراء سيارة ، أوبيت ، أو قطعة أرض .. فيحتاج إلى عقل أكبر ، وخبرة أوسع ممّا يحتاجه شراء الحاجيات اليومية البسيطة !
· أمّا القرار السياسي ، فالأمر فيه يختلف ! فهو يحتاج إلى عقل راجح كبير ، وإلى حكمة، وإلى خبرة عالية في صناعة القرار، وإلى قسط كبير من التجرّد والموضوعية والمنهجية ، وإلى معلومات واسعة عن القرار المدروس ، وإلى خيال سياسي ، قادر على الاستشراف والتوقع ، وحساب المآلات المتصوّر حدوثها ، نتيجة للقرارات والأفعال والمواقف المتّخذة .. وحساب التداعيات المتوقّعة ، من النتائح المتوقّعة ، أو المطلوبة ، من وراء القرار !
· لذا :
(1) الأشخاص المؤهلون للرأي والمشورة ، ليسوا مؤهلين ، بالضرورة ، لصناعة القرار التنفيذي. وكذلك المجالس المؤهلة لصناعة الرأي والمشورة ، لاتصلح ، بالضرورة، لصناعة الرأي التنفيذي الناضج السديد ، الذي يحتاج إلى قدر كبير، من الخبرة والحكمة ، والاستعداد لتحمل المسؤولية .. لاسيّما إذا كانت هذه المجالس ، منتخبة من جماهير، لا يَعرف كثير من أفرادها ، لماذا ينتخبون الشخص المرشح لهذه المجالس ، ولا يفرقون بين الصفات الفردية العادية ، التي يحبّها كثير من الناس ، كالشجاعة والكرم .. وبين الصفات والمؤهلات ، التي يحتاجها صنع القرار المعقد ، لدولة ، أو حزب ، أو تجمّع سياسي من أيّ نوع ! فيبدو التفاوت بين المنتخَبين لصناعة المجالس الشورية ، حتى التشريعية منها ، يبدو كبيراً ، وكبيراً جداً أحياناً ، من حيث الثقافة والوعي ، والخبرة في صناعة القرار، والتجرّد والنزاهة ، والقدرة على حساب القرار الصعب والمعقد والخطير! وأحياناً يكون المنتخَبون أميّين ، أو جهلة ، لايعرفون القراءة والكتابة ! فلايستطيع أحدهم أن يقرأ كلمة ، ممّا هو مطروح في وسائل الإعلام ، حول مسائل السياسة المحلية والخارجية .. أو لايرى حاجة ، لأن يكلّف نفسه قراءة شيء ممّا يقتضيه موقعه ، من أخبار ومعلومات ، وتحليلات ودراسات ! وقد يبدو هذا سائغاً ، أو مقبولاً ، في المحالس التمثيلية ، التي ينتخبها الناس على اختلاف مدراكهم ومشاربهم ، لتمثلهم في التعبير عن آرائهم ، داخل مؤسسة شورية ، أو تشريعية ، من مؤسّسات الدولة !
(2) أمّا الهيئات التنفيذية ، فالأمر فيها مختلف ! إنها هيئات صناعة قرارات ، ذات طابع عملي على الأرض ، سياسياً كان ، أم اقتصادياً ، أم تربوياً .. خارجياً كان ، أم داخلياً ! فهي ، بالتالي ، بحاجة إلى عناصر متقاربة المستوى ، من حيث الكفاءة والخبرة والاطلاع . وحتى لو كان بينها اختلاف في طرائق التفكير، فإن هذا الاختلاف ، هو اختلاف أناس ذوي كفاءات وخبرات ومؤهلات ، متقاربة المستوى، تمتح من مصادر معرفة موحّدة ، أوشبه موحّدة ، فيما يتعلّق بقراراتها ! فلا يستقيم الأمر، مثلاً ، لو وجِدت بعض الصور التالية ، ضمن مؤسّسة صناعة القرار التنفيذي :
ـ دراسة قرار سياسي ، أواقتصادي ، ضمن فريق عمل ، فيه عضو يحمل أعلى الدرجات العلمية ، وأعلى الخبرات العملية ، فيما يتعلّق بنوع القرار.. وعضو آخر لايفقه شيئاً ، ألبتّة ، من طبيعة القرار، وكيفية حساب معادلته ، والنتائج المرجوّة منه ، والبدائل المتاحة أمام صانع القرار فيه ! ومع ذلك يعَدّ كل منهما ، شريكاً كامل الشراكة ، في الرأي والمناقشة ، والتصويت على القرار.. ليجد فريق العمل نفسَه ، مكبّلاً بجهل الجاهل ، الذي يسعى إلى فرض رأيه ، في موضوع لا يفقه منه شيئاً ، أو في معارضة دراسةٍ حول الموضوع ، دون أن يعرف لمَ يعارضه ..وذلك لجهله بجملة الموضوع وتفصيلاته !
ـ دراسة موقف معيّن ، من قضيّة ما ، في هيئة تنفيذية ، فيها أعضاء يتابعون أولاً بأول ، كل خبر يتعلّق بهذه القضية ، وكل دراسة ، وكل تحليل ! وأعضاء آخرون لايتابعون أيّ خبر، عن القضية المطروحة ، ولا يعرفون ما يكتب حولها، أو يقال ، وليس لديهم أيّ استعداد ، لمتابعة مايجري فيها على أرض الواقع ! ومع ذلك ، يجعل هؤلاء من أنفسهم ، أحياناً ، أوصياء على القرار، وعلى المصلحة العامّة ، التي يدرَس القرار لخدمتها ، وانطلاقاً منها !
ـ وجود شخص أحمق ، في الهيئة التي تصنع القرار، يعكّر الأجواء بصخبه وضجيحه ، كلما همّت الهيئة بصناعة قرار لايعجبه ، أو قرار يخالف رأيه !
ـ وجود شخص ضعيف الإرادة ، في الهيئة ، لايستطيع أن يناقش الآراء المطروحة ، بجرأة ، مخافة إثارة الغضب ،أو الاحتجاج ، لدى أحد أعضاء الهيئة !
ـ وجود شخص سفيه أناني ، صاحب مصلحة خاصّة ، يحرص ، دائماً ، على صناعة القرارات التي تخدم مصلحته ، ويصنع المشكلات ، ويضع العقبات ، في وجه أيّ قرار يخالف مصلحته الخاصّة هذه !
ـ وجود شخص معتدّ بنفسه ، إلى حد الهوس ، يعاني من عقدة الإحساس بالعظمة ، وتوهّم العبقرية لديه ! فهو لا يقبل رأياً ، مالم يصدر عنه ، هو شخصياً ، أو ينسَب إليه الفضل فيه ! فيشلّ الهيئة عن صناعة أيّ رأي ، أو موقف ، أو قرار .. حتّى يرضى هو عنه ، بأن يعيد صياغته ، بما يجعله منسوباً إليه ! وقد يسفّه رأياً يعرض في الهيئة ، لمجرّد التسفيه ، ثم يذكّر بأن هذا الرأي هو رأيه الخاصّ ، الذي طرحه قبل يوم أو يومين ! فيسوّغ تناقضه بما يعزّز إحساسه بعظمته .. كأن يزعم أن الموقف اختلف ، بين الأمس واليوم .. أو أن الظرف اختلف ، أو غير ذلك !
ـ وجود شخص مصاب بعقدة الكبر، تمنعه عقدته من التراجع ، عن رأي رآه ، بدايةً .. حتى لو أيقن ، بينه وبين نفسه ، أنه على خطأ ، بعدما يتبّين له أن الصواب يكمن في الرأي المخالف !
(3) نماذج تطبيقبة ، من واقع صنع القرار، في سورية :
* الأسرة الحاكمة ، مجموعة الخمسة ، المؤلفة من : بشار وماهر وآصف وبشرى وأنيسة .. اجتمعت فيها الصفات السلبية ، المذكورة آنفاً ، كلها :
- الجهل في صناعة القرار، لدى أفراد المجموعة كلهم !
- قلّة الخبرة ، في القرارات التخصّصية ، السياسية والعسكرية ، وسائر القرارات الأخرى ، التي تحتاجها إدارة شؤون الدولة !
- الحماقة والغرور، والإحساس بالعظمة ، والمصلحية ، والكبر.. لدى الجميع !
* إذا جرى توسيع الدائرة ، بإشراك آخرين ، من المقرّبين .. أضيفت عناصر جديدة ، منها :
- العناصرالمؤهلة لصنع القرار ، التي لاتجرؤ على طرح الرأي المخالف ، ولو كان مدروساً جيداً ، مخافة إغضاب واحد من أفراد المجموعة !
- العناصر التي تحكمها مصالحها الخاصّة ، وأهواؤها الخاصّة ، والتي تحرص على صناعة القرار، بصورة تحقّق مصالحها !
- العناصر غير المؤهلة ، والتي وضِعت في مواقع ليست جديرة بها ، ولاتملك الخبرة ، ولا الأهلية المطلوبة لها !
* وإذا جرى تقسيم الدوائر، والتدرّج بها نزولاً ، ظَهر التسلسل ، في طبقات الألوهية والعبودية ، من أعلى درجات السلّم ، حتى أدناها! كل مسؤول يرى نفسه ، عبداً لمن هو فوقه ، وإلهاً لمن هو دونه .. حتى تصل نهاية السلسلة ، إلى العريف ـ في الجيش ، أوفي المخابرات ـ الذي يرى نفسه إلهاً للجندي ، والجندي الذي يرى نفسه إلهاً للمجنّد الذي يخدم العلم !
(4) فإلى أين تسير أسرة أسد بسورية ، في الظروف الصعبة الراهنة !؟
هذا السؤال مطروح على كل سوري عاقل ، للتفكير فيه ملياً ! لأن آل أسد يصنعون قرارات دولة ، فيها ما يقرب من عشرين مليوناً من البشر..وهم ، جميعاً ، ضحايا قرارات الأسرة الأسدية الرشيدة !