الاحتلال الأمريكي
هل أزفت ساعة الهروب؟
د. ياسر سعد
تكررت الأحاديث الأمريكية عن فعالية خطة زيادة القوات في العراق وعن انتكاسات وتراجعات لتنظيم القاعدة, الخصم الرئيسي المفترض للقوات الأمريكية وعن تحسن كبير في الوضع الأمني. غير أن التطورات المتلاحقة على الساحة العراقية تشير إلى أن الرياح تهب على نقيض ما تشتهي سفن الاحتلال الأمريكية. فلقد هزت صباح يوم الأحد المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد والتي تضم والسفارة الأمريكية والمقرات حكومية انفجارات متتالية استمرت أكثر من ربع ساعة يعتقد أنها نتجت عن قصف صاروخي. كما استهدف صهريج مفخخ في نفس اليوم قاعدة عسكرية تابعة للجيش العراقي في مدينة الموصل مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 30 آخرين بجروح من بينهم 15 جنديا.
خسائر الجيش الأمريكي شهدت تغيرا ملحوظا في شهر مارس الجاري, ففي العاشر من هذا الشهر اعترفت القوات الأمريكية بخسارة ثماني جنود في يوم واحد, بعدها بيومين سقط ثلاثة جنود أمريكيين بقصف صاروخي قرب الناصرية, وبعد ثلاثة أيام قتل ثلاثة آخرين وفي نهاية الأسبوع الماضي أعلن جيش الاحتلال عن خسارته لأربعة جنود في حادثتين منفصلتين. من ناحية أخرى اندلعت الاشتباكات بين الشرطة العراقية ومقاتلي جيش المهدي في جنوب بغداد مما يلقي بظلال من الشك على هدنة بدأت قبل سبعة أشهر تبناها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر داعيا أنصاره إلى وقف إطلاق النار, أو على تماسك نفوذ الصدر الغائب منذ أشهر على ميليشيات جيش المهدي. الاشتباكات الأخيرة جاءت بعد تفجر أعمال عنف في مدينة الكوت بجنوب العراق والتي اشتبك فيها مقاتلو جيش المهدي مع القوات الأمريكية والعراقية.
هناك عوامل كثيرة تدفع للاعتقاد أن مقاومة الاحتلال الأمريكي ستشهد تصاعدا كبيرا في الأيام القادمة, منها الأوضاع المعيشية الصعبة لعموم الشعب العراقي والافتقاد لأبسط أساسيات العيش ومقومات الحياة الكريمة في حين ينتشر سرطان الفساد بين سياسي الاحتلال, مما يجعل من مقاومة الاحتلال خيارا كبيرا لجموع البائسين والذي يعانون من الظروف التي أفرزها الاحتلال. الأسلوب الأمريكي الاستعلائي الفج في التعامل مع الحلفاء والعملاء والاستهتار بأرواحهم ومشاعرهم يؤجج مشاعر السخط والغضب باتجاهه. فقد قالت مصادر عراقية مسؤولة إن مروحية عسكرية أمريكية قتلت بالخطأ ستة من الحلفاء من مجالس الصحوة في هجوم جوي استهدف نقطة تفتيش جنوبي سامراء يوم السبت الماضي, وأوضح قيادي من مجالس الصحوة أن القوة الأمريكية كانت على علم بهوية المجموعة حيث تجاذب أفرادها أطراف الحديث مع دورية أمريكية قبيل الهجوم بساعتين. قبلها بأيام قال الجيش الأمريكي إن جنودا أمريكيين قتلوا خطأ ثلاثة من الشرطة في محافظة كركوك بشمال العراق.
القوات الأمريكية وصلت إلى درجة من الإنهاك والتعب واضحة مع تدني كبير في معنويات افرادها, كما إن مواردها المادية والبشرية استنزفت وبدرجة كبيرة. أضف إلى ذلك التحديات الكبيرة التي تواجهها تلك القوات في أفغانستان خصوصا مع تصاعد عمليات المقاومة الأفغانية والازدياد الواضح في خسائر جنود قوات التحالف هناك, كما أن شعبية الحرب في العراق والاقتناع صوابية قرار شنها تدنت في الشارع الأمريكي بدرجة حادة. هذه العوامل تجعل الخيارات الأمريكية في مواجهة أي تصعيد للمقاومة العراقية أو حتى لعمليات تنفذها ميليشيات متحالفة مع إيران في سياق صراع النفوذ الأمريكي-الإيراني محدودة تماما.
الزيارات المفاجئة للسيناتور الأمريكي جون ماكين ولنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني للعاصمة العراقية ومن غير إعلان تظهر صعوبة الوضع الأمني, وتفضح مأزق أمريكي متعاظم عكسته تصريحات تشيني في العراق والتي قال فيها, من المهم جدا أن ننجح وان لا ننسحب قبل إتمام المهمة, وقوله إن بلاده ستبقى في العراق حتى لو تعب الآخرون!! السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز دعا مؤخرا، الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى مواجهة الحقيقية والاعتراف بواقع الحال في العراق قائلا: ليخبرنا بالحقيقة بشأن تكلفة هذا النزاع فيما تنؤ أمريكا تحت ثقل اقتصاد مترنح وخسائر بشرية متصاعدة.
عام الاحتلال السادس, سيكون عاما ساخنا وسيطوي بوش ولايتيه بأيام مهينة يسدد فيها فواتير مظالمه الكبيرة وحروبه الإجرامية البائسة. لن أستغرب إن ارتفعت أصوات في الولايات المحتجة تطالب بمحاكمة بوش بعد نهاية ولايته على تصرفات وحروبه والتي سقط فيها مئات ألوف من الأبرياء وسقط في اقتصاد الولايات المتحدة وهيبتها وسمعتها للحضيض.