تهمة الاتصال بالخارج ...هذه الأسطوانة المشروخة
تهمة الاتصال بالخارج ...هذه الأسطوانة المشروخة
هروب من استحقاق الداخل والخارج!
إبراهيم درويش*
دأب النظام المجرم الحاكم في دمشق على إلهاء أطراف المعارضة ـ الشريفة والمرتبطة على السواء ـ بفزّاعة الارتباط بالخارج، من أجل إحداث التغيير في هذا النظام الذي لم يتورع عن ارتكاب أي جريمة ـ مهما كانت خسيسة ومنحطة ـ بحق أبناء شعبه، الأمر الذي يؤكد أن هذا النظام بتركيبته الحالية لا يمتّ إلى الشعب السوري بصلة، كما يؤكد أنه لولا الدعم الخارجي له لما صمد لحظة واحدة في السلطة، مما يعني أنه رمى المعارضة بدائه وانسلّ، في محاولة رخيصة لتشويه صورة هذه المعارضات وسمعتها، وتسويغ سياساته تجاهها، وجعلها في موقف الدفاع بدلاً من موقف الهجوم على سياسات النظام ومخازيه وموبقاته!
وإذا كان مفهوماً لدى بعض أطراف الشعب في سورية والمنطقة أن هذه التهمة من جانب حكام دمشق للمعارضة السورية أضعف من أن تصمد أمام الواقع والمنطق، فإن قطاعات واسعة من الشعب العربي، فضلاً عن سوريين كثيرين، لا يزالون في حاجة إلى توضيحات ونظر إلى الأمور بعين العقل، بعيداً عن الدعاية الرخيصة التي يسوّقها نظام آل أسد.
ماذا تريد المعارضة السورية؟
إن المعارضة السورية ـ على اختلاف مشاربها وتوجهاتهاـ تطالب النظام الأسدي بجملة من المطالب، تعدّ الحدّ الأدنى التي في حال تحققها يحيا الإنسان السوري إنساناً موفور الكرامة:
أ ـ إلغاء الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، التي فُرضَت أصلاً عام 1963م بذريعة أن البلد في حالة حرب مع العدوّ الصهيوني، والتي ذاق المواطن السوري في ظلها الأمرّين على يد الأجهزة الأمنية التي لا تعرف حدوداً لصلاحياتها ومظالمها وابتزازاتها وساديتها. ومنذ ذلك العام المشؤوم وحتى الآن يجلس ممثلو النظام مع العدو الصهيوني على طاولة المفاوضات وجهاً لوجه، ولا حرب، ولا تحرير للأرض المغتصبة! وكذلك إلغاء القانون 49 لعام 1980 (هذا القانون العيب الذي يظل وصمة عار في جبين كل من سنّه ووافق عليه وعمل به، وتلاحقهم اللعنات بسببه إلى قبورهم)، الذي يحكم بالإعدام على كل متهم بالانتساب لجماعة الإخوان المسلمين، وكذا كل قانون أو مرسوم يحدّ من حرية العمل الفكري والسياسي والنقابي.
والسؤال: ألم تكن سورية في حالة حرب مع العدو الصهيوني قبل مجيء البعث إلى الحكم عام 1963م؟ لماذا لم تفرض حالة الطوارئ على سورية في ظل الحكومات الوطنية التي تعاقبت على هذا البلد منذ الاستقلال حتى تسلّق الطائفيين المغامرين على كراسي الحكم عبر انقلاب أسود مشبوه؟ ألا تكفي ستة وأربعون عاماً من حالة الطوارئ لتثبّت العصابة الحاكمة أقدامها في السلطة؟ أي وضع مهزوز وانفصال عن القاعدة الشعبية تعيشهما هذه العصابة المشبوهة؟
ب ـ إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري التي تنص على أن حزب البعث هو قائد المجتمع والدولة. لأن الشعب السوري صاحب الإرث الثقافي والتاريخي الموغل في القدم لا يحتاج إلى وصيِّ عليه، لا سيّما من قِبَل عصابة حكمت البلد وأثبتت إخفاقها في كل مجال من مجالات الحياة، منذ مجيئها إلى السلطة حتى الآن. بل تترك للشعب حرية اختيار المنهج الذي يرتضيه لنفسه.
ت ـ حرية العمل السياسي والإعلامي وتشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الهادفة إلى رفع الوعي والمستوى الثقافي والاجتماعي لدى طبقات الشعب، وتبصيرها بحقوقها وواجباتها.
ث ـ الكشف عن مصير المفقودين والمغيّبين والمعتقلين السوريين واللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين والعراقيين وغيرهم في السجون والمعتقلات السورية التي فاقت في عددها المدارس والجامعات والحدائق والمستشفيات والمصانع. هؤلاء المعتقلون الذين مضى على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاماً، وفق قانون الطوارئ والقانون 49 لعام 1980م، ولا يعرف ذووهم عنهم شيئاً.
ج ـ إعادة الجنسية السورية للكرد السوريين الذين سُحِبت منهم بعد الإحصاء الاستثنائي الجائر عام 1962م، وإعادة ممتلكاتهم وحقوقهم إليهم، والتعويض عليهم عن هذه العقود المديدة التي اتصفت تجاههم بالجور والقهر ومحاربة لقمة العيش. والاعتراف بحقوقهم الثقافية والسياسية وغيرها، وإيلاء مناطقهم اهتماماً خاصاً للتعويض عما لحق بها من جراء سياسات التمييز العنصري.
ح ـ إجراء انتخابات حرة ونزيهة لاختيار مجلس شعب يمثل السوريين تمثيلاً حقيقياً، يعالج أخطاء ومصائب عهد النظام الطائفي الشمولي، ويرسم لمستقبل يليق بسورية القرن الحادي والعشرين.
خ ـ معالجة آثار الفساد الإداري والاقتصادي والسياسي والعسكري الذي تسبب به النظام الجاثم على صدور السوريين بقوة الحديد والنار منذ استيلائه على السلطة حتى لحظة استجابته لهذه المطالب.
إننا على يقين أنه لن يجادل عاقل أو يحمل بين جنباته قلب بشر في أحقية هذه المطالب ومشروعيتها وضرورة مبادرة النظام إلى تحقيقها، رغبة في رص الصفوف وخلق مناعة سورية ضد التهديدات الداخلية والخارجية التي تتهددها.
والسؤال الذي يطرحه متفلسفون أو يثيرون زوابع حول كل طرح مشروع هو:
ولكن لماذا في هذا الوقت بالذات؟ لماذا هذه المطالب في الوقت الذي تشتدّ الضغوط على سورية( ولا يقولون على النظام الحاكم الوالغ في دم السوريين واللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين وغيرهم). ونسي أولئك المتذاكون أن الوقت الذي يناسب النظام ليلتفت إلى هموم شعبه لن يأتي أبداً! أما هموم الأمريكان في حفر الباطن، وهموم المخابرات الغربية والأمريكية مع الإرهاب والإرهابيين وقيام نظام دمشق بتزويدها بأكثر من خمسة وثلاثين ألف وثيقة على أنها لإرهابيين وهي لأبناء السوريين المبتلين بالإجرام الأسدي، وقضية التمديد للرئيس اللبناني اميل لحود واغتيال رفيق الحريري لتمرير تلك الصفقة، والارتهان للإرادة الإيرانية وفتح أبواب سورية على مصراعيها للتغلغل الإمبراطوري الفارسي... أما هذه الأمور فلها الأولوية في ذهن صانع القرار السوري!!
ونذكّر هؤلاء المنظّرين بأن أحداث أواخر السبعينيات إلى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي في سورية إنما جاءت نتيجة قانون الطوارئ وتكميم الأفواه ومحاربة الناس في تفكيرهم والمبدأ الذي يرغبون في اعتناقه دون إجبار أو تدخّل من أحد. ووقتذاك ألم يكن الوقت مناسباً لحل هذه المعضلات التي تستفحل في سورية بمرور الوقت؟ ولا حتى أحداث عام 2004م في المناطق الكردية، التي تتحمل السلطة وحدها ما جرى خلالها وبعدها!
نعود إلى أصل الموضوع وهو تهمة الاتصال بالخارج، أو الاستقواء بأعداء البلد لإجراء تغيير النظام الحاكم في سورية. لنقول: إن هذه التهمة أسخف من أن تلوكها الألسن! ذلك لأن أطراف إعلان دمشق ـ مثلاً ـ التي أجرت انتخابات تحت سمع السلطة وبصرها لقيادتها المرحلية، وتعلن للقاصي والداني أنها تسعى بالجهد الوطني الذاتي، وبالأساليب الديمقراطية السلمية، ودون تدخل خارجي، إلى التغيير في سورية وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة...وبالرغم من ذلك ماذا كانت النتيجة؟ وقبل ذلك ماذا كان مصير منتديات ربيع دمشق؟
وما قيل عن إعلان دمشق يقال عن جبهة الخلاص الوطني السورية والأحزاب والحركات الكردية، التي تؤكد جميعها أنها مع التغيير السلمي المنطلق من الداخل السوري دون ارتباط بأجندة خارجية أو على يد أطراف خارجية.
إن العمل السياسي والإعلامي الذي تقوم به المعارضات السورية المعتبرة بإمكاناتها الذاتية المتواضعة، والنشاطات التي تمارسها، والزيارات والمقابلات التي تجريها مع مراكز صنع القرار في الأماكن التي تصل إليها تركز فقط على فضح الممارسات غير الأخلاقية لنظام دمشق، والمطالبة برفع الدعم الذي يقدّم إليه، وهذا ليس عيباً في المعارضة، وإنما هو واجب وطني وديني وإنساني، لأن سورية ليست مزرعة لآل أسد وآل مخلوف وشاليش وأضرابهم، يتصرفون فيها تصرف السيد في مزرعته!.
إن نظام دمشق مدعوّ الآن إلى تحقيق هذه المطالب العادلة لشعبه الذي يئن تحت وطأته، بدلاً من اتهام الأحرار والشرفاء بالتهم التي يتصف بها هو لا غيره.
أيّ عمالة في مطلب المعارضة أن يعامل الأسديون شعبهم بالكرامة؟ وأي اتهام لمعارضة بالعمالة للخارج إذا دعت إلى احترام حقوق الإنسان والاعتراف بحق الناس في أن يعيشوا دون خوف على حياتهم وأعراضهم وأموالهم، وأن يسود القانون لا الأحكام العرفية، ومبدأ تكافؤ الفرص لا الانتماء الطائفي والحزبي والمناطقي؟
ولكن لماذا يلجأ نظام دمشق إلى إلصاق هذه التهمة الرخيصة بمعارضيه؟
الجواب على هذا السؤال واضح، يعرفه كل من له إدراك وعقل، إنه الهروب من استحقاقات الداخل السوري المحتقن، الهروب من الإصلاح الملحّ، الهروب إلى الأمام في مواجهة الطوفان المنتظر، الإمعان في اتباع النهج المذلّ السابق المبني على تجاهل نداءات العقلاء والحكماء والمراهنة على الصراعات الدولية واللعب على التناقضات الإقليمية، في وقت لم يُبقِ الانترنت والفضائيات مستوراً!
إن اتهام نظام دمشق لمعارضته بالارتباط بالخارج يكذّبه الواقع السوري الذي يتردى يوماً بعد آخر، وتكذبه الممارسات التسلطية الأسدية على أرض الواقع في سورية أولاً، وعلى صعيد العلاقات الأسدية الصهيونية والأمريكية ثانياً.
إن من يتهم معارضته بالارتباط بالخارج عليه أن يكون سجلّه نظيفاً من حقيقة الاستجداء للصهاينة والأمريكان والسعي الحثيث لإرضائهم، في سبيل الإبقاء في السلطة والنجاة من الجرجرة إلى المحكمة الدولية على تهم بات يعرفها القاصي والداني.
إن ادّعاء المومس للشرف لا يجعل منها شريفة، كما أن ادّعاء السارق للأمانة لا يحوّله إلى أمين. وإذا جاء اتهام الشريفة من جانب المومس والأمين من جانب السارق فهو الدليل على شرف الشريفة وأمانة الأمين.
*المشرف على موقع وحدة العمل الوطني لكرد سوريةsyriakurds.com