النخبة
محمد الرمادي
فينا - النمسا
هل يمكننا القول : أن الأقلية المصرية وإن تعدت 30.000 (رقم تقديري) في فيينا/النمسا تحديداً؛ تمتلك هذه الفئة/ الثلة؛ أي " النخبة "؛ تلك المجموعة العبقريّة ذات التطلعات العاليّة الرائعة؛ والتي تنظر من خلال الضباب لغد أفضل مشرق وتعمل له والقادرة على التفكير الراقي والخصب وليس التفكير المتدني المتعلق فقط بحاجات الإنسان الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومنكح وشراء "الڤله" والتي تُسكن لسويعات في العام الواحد أو السيارة المرفوعة في جراجها، وهما ـ "الڤله" و السيارة ـ تم الصرف عليهما من قوت الأبناء الذين تصرف لهم الدولة المعونة الإجتماعية أو مساعدة السكن لتتمكن الأسرة من شراء لوازم الأطفال ليعيشوا عند مستوى المواطن الأوروبي وليس عند مستوى المواطن العادي المطحون في دول ما يسمى بــ " العالم الثالث "، تلك الفئة ـ النخبة ـ المفكرة التي في مقدورها إيجاد حلول عملية لمشاكل الأقلية على تنوعها وكثرتها، ومعالجة الأمور المستعصية عند عقول العامة؛ بعقلانية، أو المسائل العادية بهدوء، وهما ـ الأمور المستعصية/ المسائل العادية ـ غالباً ما تحدث في أي مجتمع بغض النظر عن رقيّه أو درجة انحطاطه؛ مع القدرة على وضع المسائل الهامة أو التافه في نصابها الطبيعي، وترتيب أولويات القضايا المتعلقة بالأقلية على حائط الواقع لمعالجتها؛ هذه الفئة تكون من عليَّة القوم ذهنياً/ عقلياً في المجال الثقافي/ الفكري/ العلمي، أم ـ وهنا مكمن الخطر أو بداية التلاشي من فوق خريطة البشر ـ أن السيدات/السادة الحضور على الشاشة المرئية، ويتبؤون مقعد قيادة قطاعات عريضة في تجمعات مختلفة يملكون فقط (!) حناجر عالية النبرة أو يسيرون بضجيج مفتعل في الطرقات؛ الذين يتعلقون بكرافته كرواتية المنشأ ويحشرون أنفسهم في البنطال الإيطالي الصنع، أو تضع على رأسها منديل محلاوي أو طاقية ارستقراطية من محلات محمد فايد " الإسكندراني " على طريقة ملكة بريطانيا أو تسكب؛ فتستحم بنصف قنينة العطر الفرنسي الشهير والتي لا تحسن نطق اسمه سواء أشترته من المطار الدولي أم جلبته من سوق الأمم المتحدة دون دفع الضرائب؛ هؤلاء الذين يظهرون على الشاشة المرئية : هم فقط مجرد فقاعات صابون إذا لامست الهواء النقي تتلاشى، أو مرتزقة مناسبات عند الحاجة إليهم يختفون، أو متسلقي أكتاف الفئة الكادحة لا يحملون همومهم ولا يقدرون مشاعرهم، ولا يتعاملون معهم على أننا جميعاً أبناء تسعة؛ فالجميع آتوا من نفس المخرج وولدوا وكلهم لآدم وآدم من تراب؛ كما وكلهم من أمنا حواء، السيدة الأولى على قولين خلقت إما من طين وإما من حي، وبالتالي فهولاء السادة/السيدات لا يحلون مشكلة ولا يتعمقون في معضلة، ولا ينظرون لمستقبل أقلية ثبتت الأقدام منذ زمن في مواضعها المتعددة وعلقت الأفئدة بحب دولة لنظامها الإجتماعي والصحي والتعليمي، وربطت معدتها بها؛ ومعدة الكثير مِن مَن يعولونهم في الوطن الأم " مصر المحروسة " أم الدنيا " هبة النيل؛ صانعة الإهرامات؛ مصدرة عقول علماء العالم الأول في عدة مجالات تخصصية؛ يطمع فيها كل حاقد؛ فيموت كمداً، ويستعمرها كل ناهب؛ فيخرج بخفي حنين؛ والمصيبة تأتي من أبناءها، وهنا موضع الداء العضال، ومخرج السم من فم الحية.
والسؤال المحير مَن آتى بتلك الوجوه التلفزيونية إلى مقعد القيادة وهم يفتقدون أهم عناصرها : " القيادة " ورعاية شؤون بشكل حقيقي وليس بإخراج مسرحي هزيل وبتذاكر مجانية.
وجود الأقلية المصرية على خريطة أوروبا /الغرب صار له سنوات طوال، وتتوزع أفرادها على العديد من الوظائف والمناصب وتعمل في العديد من الهيئات والمؤسسات كما ويعملون في مجال التجارة والصناعة، فأنت ترى الطبيب في عيادته الخاصة أو مستشفاه الحكومي، ويصرف دواءك صيدلي منا، ويأتي لبيتك من يركب لك لاقط القنوات الفضائية منا، أو من يصلح لك البوتاجاز/السخان أو التلفزيون أو الكهرباء منا، ومن يركب لك ورق الحائط ويدهن الجدران وإذا تعطلت سيارتك على الطريق السريع فتوجد ورش لإصلاحها منا، بل وجدت في الآونة الأخيرة عدة مدارس و رياض أطفال كذلك منا، نحن تشعبنا في كل قطاعات المصالح، وتمركزنا (نظرياً) على مواقع فوق خريطة الدولة، بيّد أن " النخبة " تختبئ خلف جدران النسيان، ونقف أمام مرآة الخوف، وكأن هناك محاولات لتغييب هذه الثلة : " النخبة " من فوق خريطة المجتمع ليتمكن الفاشل من قيادة جموع الإفراد؛ أو إخفائها!.
كما غابت بالقصد ونية مبيتة ثلة آخرى وتوأم الأولى وهي " أهل الحل والعقد " رجالات الأقلية : فيُسمع لحكمهم في الخصومات ويرجع لرأيهم في النوازل ويستأنس بوجودهم في الخطوب والمصاعب؛ ثلة تحنو على الضعيف فتأخذ مظلمته من ظالمه فيعود الحق لصاحبه، وتضع يدها الحنونة على رأس يتيم فتقف بجوار أرملة وتساعد مطلقة، يدهم طولى فتعين المديون وتسد الثغرات فإذا جاء عرس كانوا هم أهل الفرح ومستقبلي المعازيم وإذا جاء الآخر كانوا أول من يقبل التعازي.
في حقيقة الأمر : نحن نملك تلك الفئة الغائبة الحاضرة وأختها، والغريب أن الكثير يبحث عنها بضوء شمعة في رابعة النهار، عجبي لتلك الأمة.