شراع السفينة السورية

الرياض: مشاري الذايدي

ليست المرة الأولى، بل الثانية، التي يطلق فيها فاروق الشرع، تصريحات معادية للسعودية.

ففي أغسطس الماضي، وصف نائب الرئيس السوري السعودية بالمشلولة، وسخر من صفة الاعتدال التي توصف بها، وتهكم باتفاق مكة بين حماس وفتح، وغمز من قناة السعودية بسبب عدم حضورها لمؤتمر دول الجوار العراقي، وكان سبب هذا الحنق، انتظار السوريين لصك تبرئة سعودية لدمشق من الإسهام في الفوضى العراقية. والآن يعود السياسي المخضرم، و«شيخ الدبلوماسية» السورية كما يوصف، ليطلق تصريحات غير متزنة لا تلائم سمات الشيوخ المجربين، مطلقا النار هنا وهناك بشكل عشوائي، فجدد لغة الوصاية السورية تجاه لبنان، وقال بما معناه نحن باقون في لبنان، وأصدقاؤنا هناك، سمى بعضهم بالاسم، اقوى من أي وقت مضى، ضاربا عرض الحائط بأي معنى لكون لبنان دولة مستقلة وعضوا في الامم المتحدة. ثم أطلق طلقة حملة عشوائية أخرى على السعودية، للمرة الثانية، متحدثا عن أن سورية وتركيا وإيران هي من حال دون تقسيم العراق، وان السعودية تخشى تقسيم العراق لسبب مباشر وبسيط هو الخوف على منابع النفط وخروجها من سيطرة أسرة الحكم، ويبدو أنه كان مستحضرا في ذهنه صورة نفط البصرة الذي يقع تحت سيطرة حلفاء ايران في العراق: مجلس الحكيم ودعوة المالكي وتيار الصدر، وايران، حليفة هؤلاء، هي نفسها ايران حليفة الشرع والنظام الذي يمثل. في اغسطس الماضي رد مصدر سعودي على تصريحات الشرع عن «الدولة المشلولة» واصفا تلك التصريحات بأنها «نابية». وحينها قال مصدر سوري ان تصريحات السيد نائب الرئيس قد تم تحريفها، فماذا سيقال الآن بعد ان عاود وزير الخارجية المخضرم، سابقا، ونائب الرئيس حاليا، لهواية التصريحات الهجومية؟

كان من المفترض ان يمضي الشرع على خطى استاذه الرئيس الراحل حافظ الاسد في الهدوء والصبر والتكتيك المتأني، وان يستفيد من أخطاء الماضي، أليس هو من اشار إلى الرئيس الحالي بأن الغزو الاميركي للعراق سيتأخر اكثر من ستة اشهر، في حين ان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك كان يخبر السوريين بأن الأمر قاب أسبوعين او ادنى، واتضح ان تسويف الشرع ومشورته لم يكونا الا ضررا محضا.

كان من المفترض ان تزيد السنين في خبرة الشيخ الستيني، ابن محافظة درعا، ولكنها اضافت المزيد الى استعجال وحماسة الثوري البعثي، واذا كان هذا هو المعلن من الآراء في السياسة السورية، فكيف بالذي يقال بعيدا عن الاعلام ؟

مشكلة أمثال السيد الشرع هي التحجر في التفكير السياسي، والجمود على مزاج مضى ورحل، والاعتقاد بأن الحسبة القديمة هي الحسبة الجديدة، وانه في كل مرة تسلم الجرة، والحق انه قد جرت في الساقية مياه كثيرة منذ انهيار معسكر القوميين واليسار العرب، وسقوط الاتحاد السوفياتي، ولم يعد خطاب الستينات يشتغل في الالفية الثالثة، الا لدى بعض الصحافيين والفنانين الصاخبين هنا وهناك، ممن يزورون دمشق لإطلاق التصريحات المؤيدة أيضا، مثلما كانوا يفعلون مع بغداد صدام حسين. سورية أحوج ما تكون الى استعادة الدور العربي والتحالف مع مصر والسعودية، صحيح ان ايران تقدم خدمات عسكرية واقتصادية وسياسية الى سورية الآن ولكنها خدمات مؤقتة، وقدر سورية هو في المثلث المصري السعودي السوري.

أغرب ما في الأمر أن خريج القانون الدولي من جامعة لندن وسفير سورية لدى ايطاليا ووزير خارجيتها منذ 1984، ونائب رئيس جمهوريتها منذ 2005، لم يستوعب بعد ما هي مصلحة الدولة السورية الجوهرية، وإذا استوعب فإنه لم يقدم النصيحة الحقيقية للنظام الحاكم، ثم إنه لم يقدر على معرفة الكلام المحرم من الكلام المباح. والكلام الذي يقال أمام ثلة من الرفاق، الذين سيصفقون بكل حال، والكلام الذي يقال للجدل وللإقناع مع من هو مختلف مع السياسة الخارجية السورية. المشكلة في تصريحات كهذه، ومن رجل بهذا الموقع، هي أنها تنم عن الخلل العميق الذي وصل اليه خياله السياسي، اذا ما علمنا ان مسؤولية فاروق الشرع الأساسية في موقعه نائبا للرئيس هي السياسة الخارجية والإعلام.

السفينة السورية ليست بحاجة للمزيد من الثقوب، وعلى المحبين لسورية أن يشيروا بوضوح إلى هذا الثقب الكبير الذي يثقبه نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع في جدران السفينة التي تشكو من ثقوب الداخل والخارج، من الأعداء العاقلين أو الأصدقاء الجاهلين.