لن أقول كل عام وأنتم بخير
لن أقول كل عام وأنتم بخير... والمُعايدة ممنوعة
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
[email protected]
فأيّ خير سيأتيني بعدما علمتُ أنّ أبي يُعاني من
سرطان البرستاد الذي انتشر في أنحاء جسده وأنا لاأستطيع لقياه والجلوس معه لخدمته ،
وكسب الدعوات منه ، والترضّي عني ، وبعدما فقدت الوالدة قبله دون القاء نظرة الوداع
، أو تقبيل أياديها وسماعي لكلماتها الأخيرة التي كانت على لسانها وهي لاتزال
تذكرني بألم شديد لطول الغياب وصعوبة اللقاء ، ثمّ الغياب إلى العالم الآخر ، تلك
هي المشاعر الإنسانية العميقة ، الغائرةٌ في الوجدان الآدمي والبشري الذي خلقه الله
من المكونات الفريدة من الأحاسيس والمشاعر، والتي لم يلمسها بعد أو يستشعر بها طغاة
النظام للملايين أمثالي الذين يمرون بنفس الظروف ، ودون أن يتحرك عند بشار وأركان
نظامه الغاشم أيّ مشاعر أو أحاسيس ، لكونهم لايملكون مثل هذه التعابير وهذه
المُفردات ، وبالتالي لايفهمون معناها).
آلمني جداً خبر الوالد الحبيب ؛ الذي زارني طوال
ثلاثة عقود ثلاث مرّات فقط ، ولم أستمتع لحديثه العذب وأتلمس عاطفته الفيّاضة كما
يجب ، وهو الآن يُعاني من الآلام ودون استطاعتي تقديم أيّ معونة له ، سوى باتصال
هاتفي يتجاسر فيه أن يُبين من خلاله لي أيّ شيء ، كي لايزيد غُربتي غمّاً وهمّا ،
ولكي لا أراه ضعيفاً وأنا على بُعد عنه ، ولكي لاينشغل خاطري كثيراً لما يجري له ،
فلا أكاد أنام الليل من قلقي عليه ، ولاتزال دعواتي الى الله سبحانه وتعالى الشافي
المُعافي تتابعه عسى ولعلّ أن يُنجيه مما هو فيه ، ليُبقيه الله لنا ذُخراً وعطاءاً
ومددا ، فهو المُكافح الذي شق طريقه في الصخر ليستطيع أن يؤمن لنا طلباتنا في ظل
ظروف حكم الطاغوت والجبروت على بلادنا ، ومع ذلك لم يستسلم للظروف المُحيطة التي
كان يعمل من خلالها الساعات الطوال لتأمين لقمة العيش ، شأنه في ذلك شأن معظم
الآباء في سورية.
وقصتي مع أبي وأمي هي من لحن قصص الملايين
المظلومين والمحرومين أمثالي من المنفيين قسراً، ومن عشرات الآلاف المغيبين في
أقبية الاستخبارات وزنازين الطغاة ، ممن فقدوا أحبتهم وذويهم ، من دون سابق إنذار
أو ترصّد ، بل كانت الأنباء تصلهم فيما بعد بفقد الغوالي واحداً وراء الآخر، ودون
أن تُصيب هؤلاء المتسلطين أي رزازات من الإنسانية المفقودة لديهم ؛ بعدما ألفوا
حياة الغاب ومنطق الوحوش، ولكل منّا ألف قصّة وقصّة مع أولئك البرابرة سنرويها
للأجيال لنكشف عن قبح وجوه هؤلاء وسواد قُلوبهم ، ولن يرحمهم الزمن ولا التاريخ ،
وكذلك لن يرحمهم العزيز الجبّار المنتقم
وأخيراً أقول : لك التحية ياأبي الحبيب ، ولك الحب
على الدوام ، ولك الدعاء الى الله بأن يُشافيك ويُعافيك ويُسلمك من كل سوء ، فادعوا
لنا ياأبي بأن يُخلصنا الله من هذا النظام المجرم ، لتعود الملايين المُهاجرة إلى
أحضان أهاليها ، ودفئ عوائلها ، ولكي يخرج المعتقلين خيرة أبناء شعبنا السوري من
عتمة السجن ، وظُلمة الزنازين ، ولكي ينال الجلادون عقابهم الصارم ؛ بما فعلوه بنا
وبشعبنا ، ودمت لنا ياأبي على الدوام بإذن الله ، وأسأل الله سبحانه وتعالى لك
ولجميع الآباء العافية والصحّة ، وكل عام وانتم بخير مع أنني قررت ألا أقبل التعايد
، فليس من شيئٍ يسرنا ونحن بعيدون عنكم ، ولكنها ارادة الله بأن لايكون العيد إلا
عيد ، وأن نُخفي مسحة الحزن عن وجوهنا ، فليس للآخرين ذنب لما يجري لنا ، ولذلك
امتثلنا خضوعاً لأمر ربنا سبحانه.