درس فرنسي في العدالة

درس فرنسي في العدالة...

مازن كم الماز

[email protected]

الغرب بنفسه يحدد اليوم لأنظمة العالم الثالث الطريقة المثلى "للتعامل معه"..بعد الممرضات البلغاريات و التي ضاع فيها أي أثر للأطفال الليبيين بموافقة النظام الليبي أولا جاء دور أطفال دارفور , لكن هذه المرة ليس بسبب مجازر الجنجويد أو النظام السوداني..لا تملك تشاد النفط و لا حتى أية موارد طبيعية قد تغري الفرنسيين و خاصة السيد ساركوزي لزيارتها , لكن العقل الغربي اكتشف هناك سلعة يمكن بيعها و شراؤها بطريقة مربحة ألا و هم الأطفال و هم مورد طبيعي متوافر بكثرة , ربما أكثر من المطلوب , في كل الدول النامية عدا عن رخص ثمنهم مقارنة بالبضاعة الغربية الصنع..يجب هنا الاعتراف أن هؤلاء الأطفال – إذا استمرت الأمور في هذا العالم على ما هي عليه حتى اليوم – سيموتون على الأغلب من المجاعة أو الحروب أو حتى في زوارق صغيرة بحجم أحلامهم يحاولون بواسطتها عبور البحر إلى فرنسا نفسها..هنا ستبدو عملية تهريب هؤلاء الأطفال أكثر إنسانية من حياتهم الحالية و المنتظرة , لكن من جهة أخرى فإن الأفارقة لا يريدون من فرنسا ساركوزي عدالتها هذه , إن آخر ما يمكنك أن تعد به الأفريقي حتى في فرنسا اليوم هو شيء أو نزر بسيط من العدالة , إن هؤلاء المساكين يسعون فقط وراء الفرنكات الفرنسية..إذا ما يحتاجه اليوم أي ديكتاتور في هذا العالم هو أن يعتقل بعض الفرنسيين ثم ينتظر المكالمة من قصر الإليزيه لتعلمه بموعد وصول السيد ساركوزي و أن يعد هو بالمقابل الغنيمة التي يتوقعها السيد ساركوزي..لقد أصبح الحكم معروفا مهما كان الجرم الذي يرتكبه أي فرنسي أو أمريكي في هذا العالم , كتعويض عمن قتلهم السيد رامبو في ملابس حراس بلاك ووترز في شوارع بغداد كانت زيارة السيدة رايس بل و وعدها بالتحقيق في "الحادثة" أما في تشاد كما في ليبيا فلا حاجة لا للاعتذار و لا للتحقيق , يكفي أن يتفضل السيد ساركوزي للزيارة و يصطحب معه من يشاء من نزلاء السجون الحكومية ما دام ليس من السجناء السياسيين..هناك أيضا بزنس الثورة الذي ظهر بعد أن أخذ الغرب يتحدث عن "ضرورة التدخل" في دارفور "لحماية أهلها" , اكتشف البعض ذلك و أخذوا على الفور بتشكيل "منظمات معارضة" لتشارك في المؤتمرات التي تدعو إليها الأمم المتحدة و الدول الراغبة بإرسال قواتها إلى هناك بل و تبين أن تجار الثورة هؤلاء هم وطنيون متطرفون لا يقبلون حتى بمشاريع الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي و أنهم لن يتوقفوا عن خوض "النضال" حتى وصول القوات الأجنبية , ليس الحكام وحدهم يتقنون هذا النوع من البزنس..أما العدالة التي تعد بها باريس أولئك الناجين من رحلات قوارب الموت فهي لا تختلف كثيرا عن هذه العدالة التي تصدرها إلينا , حيث العنصرية ضد الأجانب و خاصة الأفارقة و المسلمين شائعة كالماء و الهواء..لم يشرفنا بعد السيد ساركوزي إلى دمشق و لو أنه قد وعد بالانفتاح على النظام بمجرد انتخاب رئيس لبناني ترضى عنه فرنسا و بالتأكيد أمريكا و أنا لا أعرف , رغم اكتظاظ السجون السورية بالكثيرين من أبناء هذا الوطن الشرفاء – أيا قد يثير اهتمام السيد ساركوزي , لكن أنا أمنيتي فيما لو شاءت الظروف و تشرفنا به في دمشق أن يصطحب معه بشار الأسد شخصيا و يغادران سوية أرض بلدي بعيدا بعيدا , فنحن كسوريين بسطاء مثلنا كمثل أطفال دارفور , في غنى عن عدالة الاثنين...