السلطة تحتضر

عرفات الحاج

[email protected]

يعتبر البعض أن مؤتمر الخريف الموعود هو مفترق طرق بالنسبة لمستقبل السلطة الفلسطينية وانه قد يكون بوابة إنعاشها أو هلاكها, لكن النظر بواقعية لطبيعة بنية هذه السلطة ومجمل تجربتها والقراءة السليمة للواقع الحالي تؤكد بما لا يدع مجال للشك انه أي كانت السيناريوهات المطروحة والنتائج المنتظرة لهذا المؤتمر فهذه السلطة ذاهبة لنهايتها وفي أمد ليس بالبعيد, فمنذ نشأتها كانت مشروعا غريبا  عمل ويعمل كمقاول أمن للاحتلال وعلى هذا الأساسي قامت بنيته ولم تكن للحظة نابعة من رغبات ومصالح الجمهور الفلسطيني, الذي عبر  دوما عن رفضه لهذا الاحتلال و املاءاته , وإصراره على خيار المقاومة.

هذا المؤتمر الذي يعتبر العنوان الأول اليوم للجهد الأمريكي الجديد في منطقة الشرق الأوسط والذي كانت ولادته عبر الإعلان عن النية في عقد لقاء دولي لمناقشة مستقبل السلطة وإعادة بناءها.

  وبعد ذلك تم تحميل عناوين سياسية على هذا اللقاء بناءً على حاجة الإدارة الأمريكية والأطراف الأخرى المعنية " عباس - اولمرت", فالولايات المتحدة لها أهداف من هذا المؤتمر  تتعلق  بحالة الصراع مع إيران ورغبتها بحشد حلفائها العرب وراء أي جهد تقوم به ضد إيران في المرحلة القادمة.

 وأولمرت يذهب للمؤتمر بدافع ضغط مشاكله سواء القضائية أو ما يتعلق بتبعات حرب لبنان أو غياب أي برنامج سياسي لحكومته. أما عباس فيراهن على أن الخروج من هذا المؤتمر بنتائج جيدة، هو فرصته الأخيرة لاستعادة شعبيته ولكسب تأييد الشارع الفلسطيني لبرنامجه القائم على المفاوضات كطريق وحيد للتعامل مع "إسرائيل",  ويرى في هذا المؤتمر بوابة لإعادة إحياء عملية التسوية من خلال الخروج باتفاق أولي على قضايا الحل النهائي وجدول زمني للمفاوضات بخصوص هذه القضايا وضمانات دولية ملزمة بهذا الجدول,

 الرجل يعتقد انه استطاع استعادة اهتمام الولايات المتحدة بملف التسوية, وان حاجتها لهذا المؤتمر ولإحداث تقدم ما على صعيد القضية الفلسطينية لإرضاء وتقوية حلفاءها العرب, قد تدفعها للممارسة ضغط حقيقي على "إسرائيل", إلا  انه فوجئ في لقائه الأخير مع رايس بتبنيها الكامل للرؤية "الإسرائيلية" بخصوص هذا المؤتمر, لا جدول ملزم ولا وثيقة مبدأيه ملزمة تحكم هذه المفاوضات, لذلك من الواضح أن ما سيخرج به أبو مازن من هذا المؤتمر لن يعدو إطلاق مفاوضات الحل النهائي.

هذه المفاوضات التي لن تكون مختلفة عن التجربة السابقة كثيرا بالنسبة "لإسرائيل", فهي سعت منذ بدأ عملية التسوية الى إيجاد كيان فلسطيني يعمل على حفظ أمنها ويزيح عن كاهلها عبء السيطرة المباشرة على السكان الفلسطينيين مقابل حصوله على بعض الفتات السياسي, حكم ذاتي أو دويلة كانتونات أو أي شئ من هذا القبيل, فلقد عبر الطرف "الإسرائيلي" بوضوح طوال التجارب التفاوضية عن قناعته بضرورة الحفاظ على وجود أمنى له على حدود الكيان الفلسطيني " المفترض" مع الدول العربية وخصوصا الحدود الأردنية وعن السيطرة على المعبر أو الممر الواصل بين الضفة وغزة.

 "إسرائيل" تعي تماما حجم الظلم التاريخي الذي أوقعته بالفلسطينيين وتدرك أيضا آن أي شعب في هذه الأرض لن يقبل بحياة دون مستوى الحياة الآدمية على أرضه وفي بلاده, وان فرضها لأي حلول على المفاوض الفلسطيني لا يعني انتهاء الصراع أو قبول الشعب الفلسطيني بهذه الحلول والأوهام لذلك تصر على الاحتفاظ بضمانات أمنية تضمن عدم دخول أي وسائل قتالية إلى داخل هذا الكيان وعدم تشكيل هذا الكيان أو أي جماعات داخله أي خطر مستقبلي على إسرائيل.

 اولمرت تحدث علانية أن الحل يحتاج لعشرين عاما, وسيل من التصريحات من مختلف ألوان الطيف الإسرائيلي بنفس السياق,  توضح أن "إسرائيل" ليست متحمسة كثيرا لتقديم أية تنازلات لعباس الضعيف, أو إعطائه كيان أو دويلة حتى, بل تميل اكثر للحفاظ عليه في حالته هذه والعمل على منحه بعض القوة من خلال تسهيلات ميدانية في الضفة الغربية تتعلق بالحواجز وتحسين الظروف المعيشية والمعابر وما إلى ذلك.

هذا السيناريو لا يمكن آن يساعد بمنح هذه السلطة أفق للاستمرار في وقت سيطلب الاحتلال فيه ثمنا أمنيا لكل التسهيلات التي يقدمها, والسلطة في وضعها الحالي على كافة الصعد أضعف من  آن تقدم هذا الثمن الأمني أو آن تخوض صراع ضد فصائل المقاومة, الأمر الذي يعني آن هذه التسهيلات على الأرجح لن تدوم وهذا بالتالي يعني ذهاب مشروع السلطة إلى مزيد من الضعف والتفكك وصولا للانهيار بفعل الضغط الجماهيري الداخلي الذي سيعبر عن نفسه بتصعيد المقاومة, وبفعل غياب أي أفق سياسي لمشروع التسوية التي تعتبر السلطة وليدته وأداته على الساحة الفلسطينية, ومصير هذه السلطة لن يكون افضل حالا لو أقدمت قيادتها على توقيع اتفاق يتضمن التنازلات التي يطلبها الاحتلال في القضايا الوطنية الجوهرية.

 السيناريو الثاني المطروح هو ذهاب عباس بعد هذا الإخفاق المتوقع في مجال التسوية الى الحوار مع حماس ولكن حتى هذا السيناريو لا يعني منح عمر إضافي للسلطة, فعودة حماس أو أي من قوى المقاومة  للشراكة مع عباس في السلطة يعني مجددا تشديد الحصار الغربي و"الإسرائيلي" بشكل أقسى مما كان سابقا على هذه السلطة التي تعتمد بشكل أساسي في وجودها على هذا الدعم الغربي والرضا "الإسرائيلي".

 كما أن وجود حماس" أو سواها من قوى المقاومة" كشريك في السلطة من شانه أن يحدث تغييرا في هوية هذه السلطة وهذا يعني أنها ستتحول لعدو حقيقي لإسرائيل التي لن تسمح ببقائها بعد ذلك, إلا لو افترضنا اتفاق يقضي بتحجيم السلطة وتحويلها لجسم إداري محلي, واعطاء الدور السياسي كاملا لمنظمة التحرير بعد اتفاق على الشراكة فيها.

   ويطرح البعض فرضية أخرى وهي ذهاب الأمور من خلال الوسطاء  إلى تسوية بين حماس و"إسرائيل" قد تسمح بتخفيف الحصار مقابل تهدئة طويلة الأمد ووقف المقاومة، وعلى فرض رغبة حماس بالوصول إلى هذه التسوية، فإن هذا السيناريو حتى وإن نجح في إقامة سلطة ما تقوم بالحفاظ على حالة التهدئة في غزة فانه لن يضمن بقاءها, فالمقاومة بالنسبة للجمهور الفلسطيني ليست فعلا عبثي احتكره فصيل معين بل هي حاجة واقعية لهذه الجماهير كتعبير عن الرفض لجبروت وظلم الاحتلال وتعنته, وبالتالي فان المقاومة ستستمر أيا كانت التسوية التي يمكن آن يصل لها الاحتلال مع أي طرف فلسطيني بل أن هذا الطرف سيفقد شعبيته وثقله لمصلحة أطراف أخرى ستتمسك بالفعل المقاوم.