?العفريت داعش والشيخ أوباما

العفريت داعش والشيخ أوباما

سالم قواطين

كلما نظرت إلى مسرح الأحداث في سوريا والعراق ودور داعش والتحالف ودول الجوار ،كانت هناك صورة دخيلة تفرض نفسها في ذهني بإلحاح ،وكأنها تطرح تفسيراً او بديلاً منافساً للصورة الأصلية .وهي صورة كنت قد شاهدتها على إحدى القنوات المرئية لإمرأة مصابة بالمس الشيطاني او الصرع، يحاول الشيخ المعالج أو المشعوذ إجبار العفريت الذي تلبَّسها على الخروج منها بالضرب الشديد والمتواصل بالعصا ،بإعتبار أن الضرب يقع في الحقيقة على العفريت او الجن الذي يتلبسها وليس على جسدها،ويستمر الضرب وصراخ المرأة المصابة ،وسط تشجيع وتهليل الحاضرين من أهلها واهل قريتها،وعندما ينتهي الصراخ ويتوقف الضرب ،يكتشف الجميع مذهولاً ومصدوماً ،أن المراْة المسكينة قد ماتت وان العفريت الذى لم نعرف إسمه قد إختفى.

في الصورة الأصلية جميع الأطراف معروفة وتظهر على مسرح الأحداث بأسمائها الحقيقية ،والعفريت الذي تلبَّس المنطقة أُختير له أسم بشع ومخيف يتناسب مع الطبيعة الشيطانية الشريرة لمردة الشياطين وهو»داعش « ،بحيث يثير الرعب في قلوب الصغار والكبار ، في مسعى ماكر بقصد الإساءة للصورة الحضارية السامية للإسلام، وتشويهه أمام أهله ، وتنفير المحبين والمعجبين به من غيرهم، وفوق ذلك تسفيه صورة الدولة الإسلامية ،التي سادت وقادت العالم على إمتداد ثلاثة عشر قرنا متواصلة ،قدمت فيها للبشرية حضارة وقيما وإنجازات ،ما زالت تشكل مصدرا أساسياً،للتقدم والتطور الإنساني ،يقابل للأسف بالجحود والنكران والعداء.

وبإعتبار أن تشخيص الحالة ومعرفة ظروف وتاريخ الإصابة بالمرض أو المس ، أنجع واسرع في العلاج ،فعلى الشيخ اوباما وإئتلافه ،أو فريقه من الشيوخ المختصين بمعالجة حالات المس الشيطاني والجن والإرهاب ،وفيما يتصل بالحالة الداعشية وغيرها من الحالات المشابهة،ملاحظة ما يلي:

أولاً :أن هناك أكثر من ألف وخمسمائة مليون مسلم، الغالبية المطلقة منهم مسلمون سنيون معتدلون في دينهم ،بلا إفراط ولا تفريط ،ينكرون أية ممارسة لأي مسلم أو تنظيم او جماعة او دولة ،لا تتفق مع مبادىء وتعاليم وقيم الإسلام السمحاء ،ومن هذا المنطلق هم يدينون كل منكر يثبت قيام الدولة الإسلامية به في العراق والشام أوحيثما كان، وهم بهذه الأغلبية المطلقة أيضاً ، يدينون ويعارضون بشدة العدوان السافر الجديد على العرب والمسلمين ،تحت ذريعة التحالف ضد داعش ،ويعتبرونه عدواناً مبيتاً ومخططاً له مسبقاً، لمواصلة تدمير مقومات هذه الأمة ومنع نهضتها ووحدتها ،ولإجهاض ثورات الربيع العربي وإفشالها ومنع إنتشارها ،وحماية بقايا النظام الرسمي العربي المستبد والمنتهك لكرامة وحقوق الإنسان العربي ،وإعادة السيطرة الإستعمارية بصيغة جديدة على المنطقة العربية لسلب نفطها وغازها وإستنزاف ثرواتها.

ثانياً: إن إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة ،أو اي شكل من أشكال الوحدة او الإتحاد بين الدول العربية والإسلامية ،هو حق من أهم حقوق الأُمة وواجباتها ، يجد أُسسه ودعائمه، تاريخياً في وجود دولة الخلافة المتواصل على إمتداد قرون طويلة إنتهت بسقوط الدولة العثمانية ،وجغرافياً على إمتداد خريطة الأقاليم والأقطار العربية والإسلامية المتصلة والمتجاورة ،وثقافياً وتراثياً ولغوياً يقوم على الإسلام كإطار جامع مانع حافظ لكيان الأمة ووجودها .ولا يحتاج قيام دولة الخلافة الإسلامية إلى موافقة وقبول الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها ،وعندما يقول الرئيس الأمريكي «أوباما « أنه لن يسمح بقيام دولة الخلافة الإسلامية ،فهو يصادر حق وحرية إختيار كل عربي ومسلم ،ويفرض وصاية لا يقبل بها أي إنسان حر .

كما ان إقامة الدولة الإسلامية لايتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية ،بل على العكس يعزز الإستقرار والسلم الدولي،وخاصة ان هناك نماذج دولية مشابهة ،أدى قيامها إلى التقدم والقوة والإزدهار الحضاري،منهاعلى سبيل المثال ،دولة الخلافة المسيحية «الولايات المتحدة الأمريكية «التى تضم إحدى وخمسين ولاية ،وهي رغم علمانية الدستور ومدنية الدولة ،إلا انها دولة مسيحية الفكر والمضمون والممارسة ،ولم تكن زلة لسان عندما أعلن بوش الإبن الحرب الصليبية على ما سماه الإرهاب الإسلامي ،إثر أحداث الحادى عشرمن سبتمبر 2011م.

ومنها أيضاً الإتحاد الأوروبي الذي يشكل إتحاداً مسيحياً ويضم دولاً وامماً مختلفة ، لغة وتاريخاً وعرقاً، لا يجمع بينها سوى الدين المسيحي ،وقد تأكد ذلك من خلال رفض قادة الأتحاد المستمر قبول عضوية تركيا المسلمة،رغم انها نجحت في إستيفاء جميع الشروط المطلوبة للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي ،وبشكل أوفى وأكمل من العديد من دول أوروبا الشرقية التى رحب الإتحاد الأوروبي بقبول عضويتها فقط لأنها دول مسيحية .