الأتراك والأكراد : رب ضارة نافعة

الأتراك والأكراد : رب ضارة نافعة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

خطفت الأبصار والأسماع حوادث شمال العراق في الأسابيع الماضية ، وتدخلت القوى الكبرى والإقليمية لتوقف حرباً محتملة بين تركيا وحزب العمال الشيوعي في كردستان العراق ، بعد أن قام الأخير بعدة تفجيرات في مدن تركية أهمها : أزمير .

أسفرت التفجيرات الكردية عن مقتل العشرات من الأتراك وإصابتهم إصابات بالغة ، وهو ما استدعى إعلان الطوارئ على الحدود التركية العراقية ، وإبلاغ البرلمان التركي لأخذ موافقته على استخدام القوة العسكرية للقضاء على الخلايا المقاتلة لحزب العمال الشيوعي الكردستاني .. وهو ما جرى بالفعل ، حيث أعطى البرلمان التركي موافقة مفتوحة للجيش التركي كي يتخذ ما يراه مناسباً في شمال العراق !

ويسعى حزب العمال الشيوعي الكردستاني لتحقيق مطالب قومية تهدف في نهاية الأمر إلى تكوين دولة كردستان التي تشمل أكراد العراق وتركيا وإيران وسوريا ، فضلاً عن العائلات الكردية المنتشرة في الأردن ولبنان وبعض الجمهوريات الآسيوية الوسطى ؛ وهذا الهدف يعمل عليه منذ زمان بعيد ، قادة الغرب الصليبي الاستعماري ، في سياق تقسيم العالم الإسلامي وتفتيته ، وزرع الإحن والعداوة والبغضاء وشن الحروب بين أجزائه ليبقى ضعيفاً مستباحاً بلا حول ولا طول .

وكان أكراد العراق طليعة العمل الانفصالي منذ الخمسينيات ، وقاد زعيمهم الملا مصطفى البرزانى ، عمليات القتال ضد الحكومة العراقية ، واستعان بالشيوعيين السوفيت والإيرانيين في عهد الشاه ، واليهود الغزاة في فلسطين ، فضلاً عن دول الغرب ذات الصلة بالمنطقة ، وفى مقدمتها بريطانيا التي احتلت العراق ردحاً من الزمان في النصف الأول من القرن العشرين .

وبعد موت الملا مصطفى ، خلفه ابنه مسعود البرزانى ، الذي يحكم الآن ما يُسمى بجمهورية كردستان العراق ، ويستقل بها استقلالاً شبه تام ، بعد أن أتاح له الحصار الأميريكى للعراق عقب تحرير الكويت فرصة الحركة الآمنة ، وفرض شروطه على حكومة بغداد الضعيفة ، ثم جاء احتلال الأمريكان والحلفاء الصليبيين الغزاة للعراق ، ليدعم أكراد العراق دعماً بلا حدود ، وفضلا عن بروز دور الخبراء اليهود والموساد في الهيمنة على عقلية الحكومة الكردية وتوجيهها وتشجيعها لتحقيق غايات استعمارية واقتصادية .

وصار للأكراد العراقيين حكومة وبرلمان وجيش ونشيد وعلم – بعد أن أنزلوا العلم العراقي – وبعثات لدى بعض الدول .

وراح حزب برزاني ، مع حزب طلباني ، يقتسمان الغنائم في كردستان ، ويعملان على الانفصال الكامل عن العراق ، من خلال دستور وضعه الأميركيون في المنطقة الخضراء ، يكرس استقلال الأكراد ، ويمنحهم نصيباً فوق ما يستحقون من بترول العراق ، ويساعدهم على ضم كركوك ( التركمانية ) إلى دولتهم المستقلة ، وهى غنية بالنفط ، بالإضافة إلى ضم معظم محافظة الموصل إلى هذه الدولة .

ويُلاحظ أن الحزبين المسيطرين على كردستان ( برزاني وطالباني ) شيوعيان ، أو كانا كذلك قبل أن يتحالفا مع الأميريكان نظير إقامة الدولة الكردية على أشلاء العراق ، ويُلاحظ أنه حتى الآن لم تجر أية عمليات مقاومة ضد الغزاة الصليبيين فى كردستان ، كما يُلاحظ أن الشيوعيين الكرد كانوا يُلاحقون وما زالوا ، الحركات الإسلامية فى كردستان ، وتضع أمريكا قادة هذه الحركات على قائمة المطلوبين ومنهم الملا " كريكار " ، لسبب بسيط جداً ، وهو أنهم يرفضون احتلال العراق ، ويُطالبون الغزاة الصليبيين بالرحيل .

أما حزب العمال الشيوعي الكردستاني - زعيمه السجين الشهير عبدا لله أوجلان -  فيتخذ من البيئة الجبلية فى شمال العراق مقراً لمعسكراته وأماكن تدريبه ، ويلقى دعماً عسكرياً من برزاني وطالباني فضلاً عن أمريكا وقوات التحالف واليهود ، ويتصور برزاني رئيس كردستان العراق أنهم درعه الواقي مع البيشمرجه أو البطلة التي تمثل جيش الدولة الكردية وهى  لا تخضع لحكومة بغداد ، ويضع أفرادها على صدورهم العلم الكردي ويتكلمون اللغة الكردية ، مثلما يتكلم بها قادة الدولة وموظفوها ، فقد صارت الكردية لغة رسمية ولغة التعليم فى المدارس الأساسية والعليا بمنطقة كردستان.

ويذكر التاريخ أن صلاح الدين الأيوبي ، كان كردى الأصل نشأ في الشام وتربى ، وجاء إلى مصر ، ليتولى سدّة الحكم ، ويقود جيوشها ليُحرّر القدس من الغزاة الصليبيين بعد احتلال ظل أكثر من سبعين عاماً ، وليُسجل في التاريخ أروع صفحات الشرف والبطولة والإخلاص ، فضلاً عن الإيمان والزهد ، وليُثبت أن المسلمين يتسامون فوق أعراقهم وطوائفهم من أجل مجد الإسلام وعزة المسلمين ..

وعندما نقارنه بالشيوعي مسعود بارزاني رئيس دولة كردستان العراق ، أو الشيوعي جلال طالباني الذي يرأس دولة العراق المحتلة ، نجد الفارق كبيراً جداً ، فشتّان بين من يسخر من دينه ويعده مجرد أوراق صفراء جاء بها محمد – صلى الله عليه وسلم – على جمل أجرب ، ويوالي أعداء الله والإسلام والمسلمين ، وبين من يحقق عزة أمّته ، ويسعى لحمايتها والذوّد عنها والجهاد في سبيلها مهما كان الثمن غالياً وفادحاً ..

هذه المقارنة ضرورية لندرك أي دور تخريبي خياني يقوم به الشيوعيون الأكراد وهم يحتمون بالغزاة الصليبيين واليهود ، ويصل بهم الغرور إلى حد الإعلان عن عدم السماح لجندي عراقي ( غير كردى ) أن تطأ قدمه أرض كردستان ، بل يهددون عرب العراق ويمثلون ( 93 % ) من عدد السكان بالقتال والغزو إذا لم يستجيبوا لإرادتهم المدعومة بالاحتلال .

ومن الغريب الذي ليس غريباً ، أن البرزانى ومن معه يتخلون فجأة عن هذه العجرفة حين يرون العين الحمراء التركية ، ويُعلنون أن كردستان جزء من العراق ، ويجب على العراق أن يدافع عنها ، ويُطالبون بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين بغداد وأنقرة ، وذلك لحمايتهم وحماية البيشمرجة وبقية الشيوعيين الخونة !

ومع أننا نحن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها نتمنى أن تحل الأزمة دون قطرة دم واحدة ، فإننا نأمل أن يستفيد منها ومن درسها ، أولئك الذين باعوا أنفسهم للشيطان من أجل مصالحهم الخاصة ، ولو جاءت على حساب الإسلام والمسلمين ، ورب ضارة نافعة فلعل هذه الأزمة تمنع خطر تفتيت العراق الجريح ، وليت الشيوعيين المصريين الذين ذهبوا إلى " أربيل " وباركوا الدولة الكردية المستقلة وأشادوا بها وبضيافتها  ، يستحون من مواقفهم المفضوحة التي لا يستفيدون من تكرارها ، فقد سبق أسلافهم أن باركوا قيام الدولة الصهيونية ، وهاجموا الجيوش العربية التي ذهبت للدفاع عن الفلسطينيين العزّل الذين يتعرضون للإبادة والتهجير .. والله غالب على أمره.