أزمة كهرباء في الكويت... أم أزمة في ثقافة الاستهلاك؟!

أزمة كهرباء في الكويت...

أم أزمة في ثقافة الاستهلاك؟!

ابتهال قدور
  [email protected]

كاتبة سوريه مقيمة في الكويت

فجأة نكتشف أننا أمام أزمة كهرباء وماء في الكويت!

وفجأة نكتشف أنه لا بديل عن الرجوع إلى الفرد...إذا ماكنا نريد خروجاً جاداً من الأزمة!

ولعل بعض المشكلات المعيقة للنهوض، على مستوى العالمين العربي والاسلامي، هي عدم رجوع الأنظمة فيهما الى "الانسان" إلاّ في حال وقوع الأزمات، وعدم الاكتراث بأهمية التشكيل الثقافي السليم لهذا "الانسان"، إلا في حال مواجة مشاكل معقدة يصعب حلها.

وقد ننجح في جعل الفرد يتفاعل مع الأزمة، بعد بذل الكثير من الجهود، لكننا لانستطيع أن نعتبر تفاعله هذا نجاحاً، أو انجازاً على الصعيد الثقافي، حتى وإن كنا قد حققنا بعض النجاحات التي ستخرجنا من الأزمة! لماذا؟ لأن حلول هذه الأزمات إنما هي حلول مؤقتة غير جذرية، وأيضاً لأن ما بدر عن الفرد من سلوك إيجابي إزاء هذه الأزمات، هو سلوك مرحلي مايلبث أن يتحول عنه.

وتبرز أهمية التشكيل الثقافي الواعي للأفراد، في كونها تجنب المجتمعات الوقوع في أزمات مدمرة، أو في كونها تصنع شعوباً، قادرة على الخروج من الأزمات، بأقل قدر من الخسائر.

ومع ظهور أزمة الكهرباء في دولة هي من أغنى دول العالم، لايتجاوز تعداد سكانها 3ملايين نسمة، طفت على السطح تساؤلات عديدة، وبرزت استفهامات هامة، تضعنا أمام قضية ثقافية بالغة الحساسية، تواجهها بشكل خاص مجتمعات عربية تعيش وفرة مالية كدول الخليج، ودولة الكويت واحدة منها، وتواجهها ربما بدرجة أقل دول عربية أخرى...تتعلق هذه القضية بسلوكنا الاستهلاكي..

وليس من المصلحة في شيء، تصنيف السلوك الاستهلاكي ضمن القضايا الاقتصادية، واستبعاد كونه قضية ثقافية هامة، من حيث أسبابها وآثارها ونتائجها.

لأن الطريقة التي يسلكها الفرد، حيال أي شكل من أشكال الاستهلاك، تعبر عن نوعية المخزون الثقافي الذي يحمله.

ولذلك نجد اختلافاً كبيراً في سلوكيات الأفراد حول العالم، فيما يتعلق ب"كيف يستهلكون" وكيف يتعاملون مع الموارد التي تشكل احتياجات أساسية، كالمال والكهرباء، والماء، والمرافق العامة، والنباتات، والطرق، إلى آخر ماهنالك ...

من نتائج تقصيرنا في غرس المفاهيم!

وفي تتبع موضوعي لسلوكيات شبابنا، نكتشف الى أية درجة وصلت أخطاؤنا في طريقة غرس المفهوم لديهم، وهذا الخطأ نجني ثماره اليوم، على شكل أزمات مختلفة منها أزمة الكهرباء!

فنحن كمربين، لم نفكر يوماً، أن نركز في تربيتنا على مفهوم "الحاجة"( بمعنى أن أستهلك على قدر حاجتي لاأزيد وإن زدت فضمن حدود معقولة)..إنما كان التركيزعلى مفهوم "القدرة" أو "الملاءة"( بمعنى أن أستهلك، مادمت أمتلك امكانية سد نفقات الاستهلاك، أو إمكانية تغطية تكاليفه).

ويجدر بنا أن نتذكر، أنه لايشترط أن نكون قد لقنّا أبناءنا هذا المفهوم تلقيناً حرفياً، إذ يكفي لغرسه أن نسلك هذا النهج، وأن يرى أبناءنا مانفعل، ومانمارس، فنحن أبطال البيئة من حوله..

ولايخفى أن الأجيال تمتص كل ماتشاهد، وماتسمع، وما تعايش، فيتشكّل بذلك مخزونها الثقافي ..

 وانتشار مفهوم الاستهلاك على قدر "القدرة" وليس على قدر "الحاجة"، هو أصل للكثير من أزماتنا الحالية، وشيوع مفهوم :"أستهلك بما أنه بإمكاني تغطية النفقات" بغض النظر عن كوني محتاجاً، أم غير محتاج، هي قضية محورية هامة جداً، لابد من الوقوف عندها لتتبع آثارها السيئة، ثم محاولة نسفها من جذورها!

ففي دول يتمتع سكانها بالملاءة المالية، قلّما يطلب من طفل أن يطفيء النور في الغرفة، عند خروجه منها،لأنه لم يعد محتاجاً اليه، ولأن الجدران لا تحتاج الى نور كشرط للبقاء!

وما ذاك التهاون إلاّ لأننا ربطنا الموضوع بالقدرة والاستطاعة على سداد الفواتير بارتياح فالكهرباء رخيصة !

بينما يتم التأكيد على الأطفال في دول أخرى لكي يحافظوا على هذا الأمر، ويتم لفت نظرهم بشكل دائم وتنبيههم باستمرار لكي يراعوا الاستهلاك في الكهرباء، لأنها باهظة الثمن، ولأن الفواتير يصعب سدادها!   

وهنا مكمن الخطأ، قياساً بقوانين حضارة قامت على يد رسول عظيم، وصحابة حكماء، أدركوا قوانين قيام الحضارات واستمرارها، حضارة انسانية مازلنا الى اليوم نقتات على ماتبقى من آثارها!

فحين شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة يسرف في استخدامه للماء وهو يتوضأ، وجّهه بقوله : لاتسرف وإن كنت على نهر جار!

وهنا توجيه الى ثقافة الأخذ على قدرالحاجة، وليس على قدر الملاءة أو القدرة أو الوفرة!

وهي ثقافة، إن استطعنا غرسها في أنفس الأجيال، فإنها ستنسحب على مختلف فعالياته، وسيصبح بفضلها أكثر تهيؤاً للتعامل بمسؤولية، وحساسية، تجاه الثروات البشرية على اختلافها.         

استهلاك فوق الحاجة  

أما انعدام تواجد هذا المفهوم في الأنفس، فقد نتج عنه - بدون مبالغة- شكل من أشكال الشطط، الذي أوصل شريحة واسعة من الناس، في دولة الكويت الى أزمات على أكثر من صعيد.

من ذلك، وصول أفراد لم يتقنوا فن تنظيم الاستهلاك، ولم تتضح مفاهيمه في أذهانهم، ولم يتعلموا أهمية الحاجة كمنظم لعملية الاستهلاك، الى انفاق واستهلاك يفوق القدرة ويتجاوز حدود ملاءتهم المالية!

فهل نبالغ حين نتحدث عن الاعتماد الكبير على القروض المصرفية، لتلبية الكثير من الكماليات؟!

وهل نبتعد عن الحقيقة، حين نتطرق الى الانتشار الواسع، لبطاقات الائتمان التي تشجع معظم المصارف على منحها للعميل، وتتنافس في البحث عن أساليب لترويجها ورفع حجم مبيعاتها منها؟!

أصبح الكثير من الناس يستهلكون حدودهم القصوى من القروض، غير مبالين بأزمات مالية قد يتعرضون لها في القريب، وغير مكترثين بإجراء موازنات بين مايدخل فعلياً الى جيوبهم ومايخرج منها!

وأصبح الانفاق على الكماليات، أكبر بكثير من الانفاق على الضروريات، وأصبح التسوق لاقتناء الجديد الفائض عن الحاجة، أمر أساسي لدى الغالبية العظمى من الناس.

وانتشر مفهوم التسوق أو "shopping" كما لو أن هذه المهمة أصبحت نزهة، مع أن الأجدى هو تصنيفها ضمن المهام المكلفة، التي تؤثر على ميزانيات الأسر، والتي ينبغي أن تحكمها مواسم ومناسبات واحتياجات معينة، وأن تضبطها حدود مالية مدروسة!   

وأصبح من مهام البنك المركزي تحديد سقف أعلى لإقراض الفرد، بل وقسره على عدم تجاوز هذا السقف، من خلال قوانين صارمة، تم تعميمها على مختلف البنوك والمؤسسات التجارية المختصة بالتمويل.

وهذا التصرف من قبل البنك المركزي في الدولة، وإن كان يحمل الكثير من الايجابيات، إلاّ أنه ينم عن وجود ثقافة مجتمعية خاطئة، ولامسؤولة لمفهوم الاستهلاك، نتج عنها سلوكيات أكثر خطأً!

كما تسبب هذا الوضع في تطلع المستهلك، الى ضرورة تجاوب الحكومات مع أزماته المالية التي يسببها هو لنفسه، فراح يكرر مطالباته بإسقاط الديون، أو اسقاط فوائد الديون، أو اسقاط فواتير الكهرباء، أو ...أو... الى آخر ماهنالك من مطالبات أصبح الناس يتكلون عليها، غير عابئين بأفضلية الاتكال على تقنين استهلاكهم، والخروج به من مرحلة الفوضى، الى مرحلة التنظيم الواعي والمسؤول المنطلق من مفهوم مراعاة الحاجة!

فالقضية ليست قضية حلول آنية قد تقدمها الدولة، وينتهي الأمر، القضية هي قضية ثقافة استهلاكية لامسؤولة، ينبغي أن تتغير، ويحل محلها ثقافة أكثر التزاماً ومسؤوليةً. 

ثقافة تحترم كل الثروات، وتحترم كل الأجيال، فهذه الثروات وإن بدت تخصنا كجيل معاصر، إلا أن الأجيال القادمة معنية بها أيضا، ولا بد من مراعاة مايسمى بالمخزون  الاحتياطي الذي يفترض به أن يلبي مطالب الأجيال القادمة.

جميل ما ينتشرفي بعض الدول الغربية من عبارات تثير حس المسؤولية، وتلفت النظر الى حقوق الجيل القادم، كعبارة : "علينا المحافظة  على المياه لكي لانحرم أبناءنا منها "

"ليس من حقنا أن نبدد كل الثروات، ونترك أبناءنا بدون شيء" وعبارات أخرى مشابهة.

وجميلة هي العبارات، والشعارات، التي ترفعها دولة الكويت هذه الأيام، فيما يتعلق بترشيد الكهرباء، ولكن الأجمل من هذا هو تطبيقها، وترسيخها، لتكون أساساً لصياغة ثقافة جديدة أكثر مسؤوليةً ووعياً.