حماس الضفة واختبارات المحن الصعبة
حماس الضفة واختبارات المحن الصعبة
رمضان
عمر
رئيس رابطة أدباء بيت المقدس / فلسطين
"ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . آية 24-25 سورة إبراهيم
حينما تبنى جدلية التشكل السياسي على أسس التوحيد .. وتسبح الغايات في ملكوت الله .. وتترجم الشعارات على ارض العطاء في ناموس الإخلاص المتحد: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
عندها تستقر في الذهن المتأمل تأملات الشاعر السابح:
تالله مـا الدعوات تُهزم ضع في يديَّ القيد ألهب أضلعي لن تستطيعَ حصار فكريَ ساعة فالنور في قلبي وقلبي في يديّ | بالأذىأبـدا وفـي التاريخ بَرُّ بالسوطِ ضع عُنقي على السكينِ أو كـبْـحَ إيماني و رَدَّ يقيني ْربـي وربـي حافظي ومعيني | يميني
لقد واجهت الحركة الإسلامية في تاريخها الممتد الطويل جولات من المحن والابتلاءات شكلت نمطا استثنائيا في طبيعة بنائها وتمايز صفوفها ، وعلمنا التاريخ أن المحن تزداد شدة وضراوة كلما اقتربت مراحل النصر والتمكين كما حدث مع الحركة الإسلامية الأولى في غزوة الأحزاب " إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ،
ولكن قدر الله أوسع من ضيق الحال : " حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ " فالنصر نصر الله والتمكين منته والحركة الإسلامية مشروعه المتحرك بأمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ؛ فهم إنما يقيسون الأمور بمنطق الحس المادي بتجريد مسبق لإرادة الغيب .. وهذا ما حصل مع حماس في غزة .. لا بد أن نتأمل دلالات النصر ونقرأ اللحظات الأخيرة
بعين المؤمن : وهنا نضع التساؤل العنفواني في حسم مثاليات التحليل السياسي: من كان يصدق أن أجهزة الأمن في غزة ستواجه هذه الهزيمة النكراء في فترة زمنية قياسية . وهنا نستحضر في عجالة آيات سورة الحشر : " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "
يجوز للمنطق الواقعي أن يستجيب لفطرة الإحساس المادي . ولكن الإرادة الربانية تحسم الوهم ، وتضع حدا للضعف البشري في التقدير.
حماس الضفة تعيش الآن حالة شبيهة بحال حماس غزة قبيل انتفاضة الأقصى ، فجناحها العسكري شبه مشلول ، وقيادتها السياسية موزعة بين السجن والمطاردة وقاعدتها الشعبية قاعدة تعاني من التاطير الفكري فهي شعبوية في معظمها ، لكنها من ذات الشجرة التي أثمرت في غزة وحصدت نصرا مؤزرا شكل انقلابا كونيا على مشاريع دايتون في المنطقة .. ولن تشذ حماس الضفة عن القاعدة لكنها لم تصل إلى مرحلة الحسم قبل التمكين ، فهي بحاجة إلى تمايز في صفوفها - وفقا للسنة الكونية الإلهية قبيل التمكين - حين يميز الله الخبيث من الطيب ، ويؤهل الفئة الصابرة إلى مرحلة الحصاد الأخير .
ومن خلال قراءتنا للسنن التاريخي في بناء حركات التمكين نتوقع للحركة ما يلي :
· حالة الابتلاءات والمحن التي بلغت حدا لم تعهده الحركة من قبل ، هي حالة طبيعية تنسجم مع المنهج الرباني التاريخي في بناء حركات التمكين ، وأهميته تكمن في صقل القيادة وإظهار قيمة الرسالة التي تضحي من اجلها ؛ لتكون اقدر على تحمل أمانة تنفيذ أمر الله إن وصلت إلى الحكم ؛ فلقد عانت حماس - خلال فترة استلام الحكومة - عناء شديدا بعد أن فتحت أمامها أبواب السلطة السياسية وبدأت تترجم برنامجها دون أن تدفع ثمن التطبيق من شذرات الدماء الزكية وعرق الجبين فكان لا بد أن تحاصر وتعتقل لتعلم أن ثمن المشروع الإسلامي اكبر من أي ثمن .
· إن إصرار سلطة الاوسلويين في المناطق السوداء على تنفيذ المخطط الصهيوني الأمريكي من رام الله بذات المنطق الذي هزم في غزة سيزيل كافة الشوائب المترسبة في المشروع الفلسطيني التحرري ، وسيحسم خيارات المقاومة لتقاد من خلال الخطاب الإسلامي الصافي، وستشهد المرحلة القادمة انحسار حركات المقاومة " العلمانية واليسارية " لتتحول تلك الأجنحة العسكرية إلى ميليشيات أمنية تفقدها الصفة الوطنية وتعفيها من صفة الشرف الوهمية التي تمتعت بها خلال سنوات خلت ، وستتحول حركة حماس في الضفة إلى حالة فريدة من نموذج البطل المتعاطف معه شعبيا والحامل الوحيد للواء المقاومة
· الاستهداف المباشر والبشع لأفراد ولمؤسسات ولمنهج حماس في الضفة سيخلق حالة من الارتداد وإعادة بناء الحركة وفق فلسفة جديدة تؤمن بمنطق المفاصلة بحد السيف وهذا يعني التفكير بصورة أو بأخرى محاولة إنعاش الجهاز العسكري أو بروز ظاهرة العمل الفردي التي ستشكل حالة من الفوضى لكنها ستقلل من قدرات الأجهزة الأمنية وتشتت قدراتها التنظيمية وتخلق حالة من ردات الفعل العنيفة قد تصل إلى حد إسقاط السلطة كما حصل في غزو
· الاعتقاد بأن القضية الفلسطينية منعزلة عن محيطها الجغرافي وان أبو مازن قادر على الانصهار في المشروع الأمريكي واد ارو ظهر المجن لكل ما هو قومي أو وطني فهذا رهان خاسر لان المنطقة تشهد حالة من التراجع للمشروع الأمريكي وتنامي قوى إقليمية قد تعدل من طبيعة الاستقطاب والتجاذب في المنطقة وربما كانت ورقة أبو مازن وهي ورقة ضعيفة هي آخر أوراق التوت التي ستسقط في خريف بوش القادم وان بربغندى المؤتمر الدولي الذي نادى به بوش قد مثلت نهايات الصوت المتهدج في رمق النزاع الأخير للسياسة الأمريكية في المنطقة.