الجدار اللعين والفتوى الطنطاوية
أ.د/
جابر قميحةبين يدي هذا المقال أذكر أنني ما رأيت الشيخ سيد أو استمعت إليه أو شاهدته في التلفاز في المحطات المحليه والعالمية إلا وترحمت على شيوخ الأزهر السابقين من أمثال الشيخ جاد الحق ، والشيخ شلتوت ، والشيخ عبد المجيد سليم وهذا من فضائل الشيخ سيد الملقب بــ " الإمام الأكبر " .
هذه واحدة أما الثانية فقد أشار إليها الكاتب الحر فهمي هويدي بقوله " في مواقف عدة تبين أن شيخ الأزهر مستعد لأن يفعل اي شيء يطلب منه ، وأن يستجيب لأى توجيه يصدر عن الحكومة، ناسيا أنه الإمام الأكبر،. لكن ما أعرفه جيدا أن الرجل لم يخيب رجاء الحكومة أو أجهزة الأمن فيه، وإنما لديه من «المرونة» ما يجعله رهن الإشارة دائماً، ومستعد لتقديم أي خدمة لأولياء الأمر " .
أما الثالثة فهي أن كثيرين يخطئون الشيخ " الأكبر " في فتواه الجدارية الفولاذيه التي نسبها إلى مجمع البحوث ، ولا حق لهم في ذلك ؛ لأن الشيخ لو هاجم الجدار اللعين لحكم على نفسه بأنه شخص آخر غير الشيخ سيد طنطاوي ؛ فالرجل من أهم صفاته الراسخة في فتاواه ... كل فتاواه :
1- الحرص على مسايرة الحكام وإرضائهم ، وتمجيد سياستهم . وما عرف له فتوى يسجل فيها مأخذا واحدا على وزير أو أمير .
2- الطراوة في التعامل مع تصرفات الحكومات والمؤسسات الحكومية ، وله في هذا المجال فتاوى وسوابق عجب .
ولنصحب القارئ إلى عجائبه وأولياته :
1 ـ فنحن لا ننسي له أنه أباح للحكومة الفرنسية «إرغام الطالبات المسلمات علي خلع الحجاب
2 ـ وهو أول ـ وربما الوحيد ـ الذي وصف المسلمين بأنهم أمة من «الرعاع», ومعني الرعاع -لغة: الغوغاء والسفلة والأوغاد والأنذال والساقطين. وهو وصف كان يتردد علي ألسنة النازيين في العهد الهتلري, وكذلك الصهاينة في أدبهم كما جاء علي لسان الشاعرة الإسرائيلية «آنا نجريتو», و«عاموس عوز» في قصته «البدو الرحل والثعبان» وكذلك «س.يزهار» في قصته «خربة جزعة», وفي أمريكا وأوروبا يصفونهم بأنهم «MOB»، وهي تعطي المعني نفسه.
3 ـ وهو أول من قام ـ بل الوحيد الذي قام ـ من بضع سنين بمذبحة علماء الأزهر الأجلاء, فمنهم من فُصل, ومنهم من قضي نحبه وهو حزين, ومنهم من شُرد وترك مصر, ومنهم من صدرت عليه أحكام بالسجن, أو غرامات, وتعويضات تقدر بعشرات الألوف من الجنيهات. وذنب هؤلاء أنهم عارضوا بعض آراء «الشيخ الأكبر». وحرم طلاب الأزهر من علمهم الغزير الجليل.
4 ـ وفي العشرين من فبراير سنة 1989 ـ وكان هو مفتي مصر ـ , جاء فيها: «.... وأجمع المسلمون علي تحريم الربا... لما كان ذلك, وكان إيداع الأموال في البنوك, أو إقراضها, أو الاقتراض منها -بأي صورة من الصور- مقابل فائدة محددة مقدما زمنا ومقدارا يعتبر قرضا بفائدة, وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام.. داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعًا بمقتضي النصوص الشرعية..».
وبعد ذلك بقرابة سبعة أشهر تقريبًا, وبالتحديد يوم 8 من سبتمبر 1989 أصدر فتوي ينقض فيها فتواه السابقة, ويقول فيها إنه لا مانع من التعامل مع البنوك أو المصارف التي تحدد الربح مقدما, ثم فصّل فتواه هذه بعد ذلك في كتاب بعنوان «معاملات البنوك وأحكامها الشرعية» فأي الطنطاويين نصدق: طنطاوي فبراير 1989, أم طنطاوي سبتمر «المعدل» في السنة نفسها ؟
5- وفي أهرام الجمعة 9/8/2002 يسأل صحفي الشيخ سيد طنطاوي عن رأي الدين في إقامة التماثيل للزعماء ، وخصوصًا الزعماء المصريين الثلاثة ، فكان نص إجابته « إقامة التماثيل للزعماء عادة لبعض الأمم ،
وإن كانت إقامة تماثيل لهم لا تؤدي إلي ما يمس العقيدة من إخلاص العبادة للّه وحده, فلا بأس من إقامتها ، ولا حرمة في ذلك كلون من ألوان تكريم هؤلاء الزعماء الذين أدوا خدمات جليلة لأمتهم.. لأن رؤية تماثيل هؤلاء الزعماء في كل وقت قد تؤدي إلي الاقتداء بهم في أن يؤدي كل إنسان رسالته بأمانة واستقامة وشرف.
ويسأله الصحفي: وهل إقامة التماثيل بهذا المعني الطيب لا تكون إلا بعد الرحيل ؟ وكان جواب الشيخ: مع أن هذا الذي جري عليه العرف إلا أنه لا فرق بين أن تقام هذه التماثيل للزعماء وهم في حياتهم, وبين أن تقام بعد فراقهم, فالعبرة بما تنطوي عليه من حكمة.
وهو صاحب اللقاء الحميمي مع القاتل السفاح الرئيس الإسرائيلي ( شيمون بيريز ) . لقد رأيناه ورآه العالم وهو يصافحه باليدين ، ووجهه يصفح بشرا وسعادة ، ولم يبق من هذا المشهد العاطفي إلا أن يأخذه " بالأحضان " .
7 ـ ثم كان احتجاجه الطريّ : فالمسلمون جميعًا.. بل العالم كله يعرفون أن بعض الصحف الدنماركية قد نشرت رسوما كاريكاتيرية تسخر من رسولنا صلي اللّه عليه وسلم. والتقي شيخ الأزهر «بيارن سورتش» سفير الدنمارك بالقاهرة. وتحدث إليه حديثًا رقيقًا طريًا مؤداه «أنه يرفض الإساءة إلي النبي محمد صلي اللّه عليه وسلم لأنه فارق الحياة -أي مات- ومن ثم لايستطيع الدفاع عن نفسه, ويجب عدم الإساءة إلي الأموات بصفة عامة سواء أكانوا من الأنبياء أو المصلحين, أو غيرهم الذين فارقوا الحياة الدنيا».
ولم يكن ينقص الشيخ سيد استكمالاً لحديثه أو تبريره هذا الطري إلا أن يقول للسفير ومن الأقوال الحكيمة: والضرب في الميت حرام»..
الدكتور علي جمعة وشموخه الإسلامي وهو يقول للسفير الدنماركي: «إنه لا يمكن القول إننا نرفض الإساءة للرسول صلي اللّه عليه وسلم لأنه مات وفارق الحياة, لأن الرسول لايزال حيًا في نفوس جميع المسلمين, ولم يمت, ونقتدي به كمسلمين في حياتنا اليومية».
ويحتج رئيس الوزراء الدنماركي, وكبار المسئولين, بأن محمدًا ليس مقصودًا لذاته, وأن حرية الفكر والرأي والتعبير حق لكل مواطن في الدنمارك دون قيد أو حرج.
مع أن صحيفة «يولاندس بوستن» التي عرضت الصور الساخرة من النبي محمد صلي اللّه عليه وسلم.. هذه الصحيفة رفضت سنة 2003 نشر رسوم كاريكاتيرية عن النبي عيسي عليه السلام بحجة أنها تسيء للمسيحيين..
وأذكّر الشيخ سيد بما جاء في كتاب الشفا للقاضي عياض: «وحرمة النبي صلي اللّه عليه وسلم, وتوقيره وتعظيمه بعد موته لازم كما كان حال حياته, وذلك عند ذكره, وذكر حديثه وسنته, وسماع اسمه وسيرته, ومعاملة آله وعترته (أهله)». وقال أبو إبراهيم التجيبي واجب علي كل مؤمن متي ذكره, أو ذكر: «عنده أن يخضع ويخشع, ويتوقره, ويسكن من حركته, ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه, ويتأدب بما أدبنا اللّه به».
ويروي أن الخليفة العباسي «أبو جعفر المنصور» ناظر الإمام مالك بن أنس في مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه وسلم, فرفع صوته فغضب الإمام مالك وقال له: «لا ترفع صوتك هنا فإن اللّه أدب قوما فقال «لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي». ومدح قوما فقال «إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه أولئك الذين امتحن اللّّه قلوبهم للتقوي, لهم مغفرة وأجر عظيم». وذم قوما فقال «إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون» وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًا».
ألا تتطلب رعاية هذه الحرمة -يا شيخ طنطاوي- أن ندافع عن رسولنا صلي اللّّه عليه وسلم في قوة وإصرار وشموخ بعيدًا عن الاستهانة والطراوة,
***********
وقال في حوار له مع الصحفية سناء السعيد يقول :
إنني آؤمن بعقيدة دفاع المرء عن أرضه ومقدساته، فإذا أرادت إسرائيل المسجد الأقصي بسوء فيجب عندئذ أن يتصدي لها الفلسطينيون وهم كثر وقادرون علي مواجهتها، يظل واجبًا عليهم الذود عن أرضهم ومقدساتهم وعليهم مجابهة إسرائيل فإن ماتوا يأتي غيرهم ويقاتلون في سبيل حماية مقدساتهم وأرضهم.
المسجد مهدد بالانهيار بعد أن وصل عدد الأنفاق تحته إلي عشرين نفقًا ويقال إن إسرائيل تقوم الآن بتأسيس مدينة يهودية سياحية أسفله، الأمر الذي يدعو إلي هبَّة عربية وإسلامية..
الأولوية في التصدي يجب أن تكون للفلسطينيين ذودًا عن حرمة المكان وبترًا ليد إسرائيل. يجب علي الفلسطيني أن يموت قبل أن تصل إسرائيل إلي تحقيق مبتغاها، هذا هو العلاج، أما الصراخ والتعويل علي الآخر فلن يجدي أن يستصرخ المرء ويقول أدركوني لا أحد يدرك أحداً.
**********
ثم كانت الفتوى العار التي نسبها الشيخ ــ عن قصد ــ إلى مجمع البحوث الإسلامية . وهي ــ في حقيقتها ــ فتوى طنطاوي وليست فتوى مجمع البحوث . ومن مقالات للكاتب الكبير الأستاذ فهمي هويدي نقتطف السطور الآتية :
الذي لا يقل سوءا عن إقامة الجدار الذي يُحكِم الحصار حول غزة، أن يتبناه بيان صادر باسم مجمع البحوث الإسلامية، فيبرره ويعتبر معارضته مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية. وهو ما وضعنا إزاء فضيحتين وليس فضيحة واحدة :
الأولى تتعلق بقرار سياسي له حساباته المستجيبة للضغوط الخارجية الأمريكية والإسرائيلية.
والثانية تتعلق بتسويغ شرعي مورست لأجله ضغوط داخلية أخرى،
وصدر في ملابسات غريبة ذلك أن معلوماتي تشير إلى أن موضوع الجدار لم يكن مدرجا على جدول أعمال جلسة المجمع التي عقدت يوم الخميس 31/12. ناهيك أنه ما خطر ببال أحد من أعضائه أن يُعرض عليهم أمر من هذا القبيل يتعلق ببناء سور أو حاجز على الحدود.
وعلى الرغم من أن الأعضاء لاحظوا وجودا لكاميرات التليفزيون في القاعة. وبعد مناقشة الأمور المدرجة في جدول الأعمال فوجئ أعضاء المجمع بشيخ الأزهر يستخرج من أمامه ورقة قرأ منها البيان الخاص بتأييد إقامة الجدار وتأثيم معارضيه، أمام عدسات التليفزيون. الأمر الذي يعني أن الأمر كان مرتبا بكامله خارج المجمع مع وزيري الأوقاف والإعلام.
وما أن انتهى الشيخ من قراءة البيان، حتى قام من مقعده وانصرف منهيا الجلسة، وسط الدهشة التي عقدت ألسنة جميع الجالسين، الذين لم يتح لأي منهم أن يناقش البيان أو يعلق عليه. المشهد جاء كاشفا لأمور عدة، منها :
ضعف موقف الحكومة في مصر، التي وجدت نفسها في موقف الدفاع لتبرير ما أقدمت عليه، الأمر الذي اضطرها للاستعانة بغطاء شرعي يستر عورتها بعدما أتمت إقامة نصف الجدار. وأنه ليس صحيحا أننا نعاني من مشكلة تدخل الدين في السياسية. لأننا بصدد نموذج صريح للمدى الذي بلغه تدخل السياسة في الدين.
**********
بالمقارنة بدا بيان شيخ الأزهر تفريطا فى حق التكاليف وتهوينا من شأن الواجبات الشرعية، لأنه اكتفى بتأييد إقامة الجدار وسكت عن وجوبه. وبذلك اعتبره من المباحات فى حين أنه عند أمين مجمع البحوث من الواجبات. والفرق بين الاثنين أن المباح لا يحاسب المرء على التقصير فى النهوض به، أما الواجب فيتعين الالتزام به ويؤثم التقصير فى أدائه.
كلام الشيخ على عبدالباقى أمين مجمع البحوث نشر على الصفحة الأولى من جريدة «المساء»، نشرت تحت عنوان يقول: «الجدار الهندسى فرض دينى».
وفى نص الخبر أن الشيخ المذكور قال: «إن إقامة الجدار الهندسى على الحدود المصرية يعد بمثابة فرض دينى لحماية الأمن القومى المصرى.. وإنه يجب على ولى الأمر أن يحمى شعبه بشرط عدم الاعتداء على حقوق الآخرين، وأضاف أن من حق مصر تعزيز حدودها وتأمين أراضيها لضمان عدم زعزعة الاستقرار».
ما أتى به أمين مجمع البحوث الإسلامية ليس لوجه الله، لكنه لوجه الحكومة أولا وأخيرا. ذلك أمر لا يختلف عليه، رغم أنه لم يكن مضطرا إليه، ولو أنه سكت لكان خيرا له .
وما زلنا نسأل الشيخين طنطاوي وعبد الباقي : ما حكم الشرع في الحالين الآتيين :
1 ــ قيام السودان بغلق حدوده الشمالية بجدار مماثل للجدار الفولاذي المصري ؛ وذلك باسم سيادته الوطنية على أراضيه .
2 ــ قيام ليبيا كذلك بنفس العمل ، وعندها الدوافع أقوى وأوضح ، فمن حدودها مع مصر تتدفق العمالة المنفلتة بصورة غير قانونية ، ويتدفق المهاجرون غير الشرعيين لركوب البحر من منطقة ليبية للهجرة إلى إيطاليا وغيرها ، ونحن نعلم أن البحر قد ابتلع مئات من شبابنا الذي عجز عن الحياة في مصر تحت وطأة الفقر والاستبداد ، وآخر الأحداث على الحدود الليبية كان مصرع 14 مصريا برصاص مجهول ، فحاجة ليبيا لمثل هذا " الجدار " تكاد تكون أقوى من حاجة مصر لجدارها الفولاذي اللعين .
فهل يصدق على هذين الجدارين الحكم الشرعي الذي رفع لواءه الشيخان طنطاوي وعبد الباقي ؟ أم أن الجدار الفولاذي المصري الأمريكي له أفضلية وتفردية بلا مثيل ؟